عجيب أمر الحكومة بشأن تسقيف أرباح شركات المحروقات، فعوض أن تتخذ قرار التسقيف منذ الأشهر الأولى لسنة 2018، اختارت أن تتهرب من مسؤوليتها كما يحددها قانون حرية الأسعار والمنافسة في مادته الخامسة، وبحثت عن مشجب لكي تعلق عليه جبنها السياسي، فلم تجد حينئذ غير مجلس المنافسة الذي كان في وضع قانوني وانتدابي لا يسمح له بالاضطلاع بمهامه. وكان حزب الاستقلال في مذكرته التي رفعها في ماي 2018 إلى رئيس الحكومة لوضع قانون مالية معدل، قد نبه الحكومة إلى اختصاصها الحصري في تطبيق المادة الخامسة من القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، من أجل تسقيف أسعار المحروقات.
وهكذا ظلت الحكومة تلوح بسيف التسقيف طيلة هذه الأشهر ، بين الوعد والوعيد، موهمة المواطن بأن سلطة القرار في هذا الموضوع ليست بيدها، بل هي بيد مؤسسة دستورية أخرى توجد في وضعية عطالة وقتذاك، محيلة بذلك على المادة 4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة.
ولم تكتف الحكومة باللعب بحبال مقتضيات المادتين 4و5، والتلاعب بصبر المواطنات والمواطنين أمام موجة الغلاء وتدهور القدرة الشرائية، بل ظلت تسوق كلما ارتفعت أسعار المحروقات، بعدما تخطت بكثير السقف النفسي والاقتصادي الممكن تحمله، (ظلت تسوق) بأن التسقيف سيكون بمثابة لوح الإنقاذ، وما على المواطن إلا أن ينتظر إعادة تشكيل مجلس المنافسة، لكي تعود الأسعار وهوامش الأرباح إلى مستوياتها المعقولة.
فعلا، انتظرنا مع الحكومة حتى انخفضت الأسعار الدولية، وحتى خفضت شركات المحروقات من هوامش أرباحها تحت ضغط الرأي العام في سياق تداعيات المقاطعة، وفي ضوء المعطيات المعلن عنها أو تلك التي تم تسريبها من مصادر برلمانية مشاركة في اللجنة الاستطلاعية النيابية، حول ملايير الدراهم التي دخلت إلى حسابات شركات المحروقات بدون حسيب ولا رقيب من طرف الحكومة؛ وانتظرنا إلى أن تجددت دماء مجلس المنافسة لكي يأتي في الأسبوع الماضي برأي ليس إلا استشاريا فقط، مضمونه أن التسقيف هو من سلطة الحكومة، وموجه لها إلى مسالك أخرى يعتبر أنها الأهم بالنسبة لقطاع المحروقات…
وهكذا «ضاع دم» القدرة الشرائية بين الحكومة ومجلس المنافسة فيما يتعلق بأسعار المحروقات، وفجأة لم يعد التسقيف هو الحل السحري، الذي سيعيد الأسعار والأرباح إلى مستوياتها المعقولة والمقبولة. المواطن الذي ظل ينتظر قرار التسقيف منذ أشهر بحجة عدم جاهزية مجلس المنافسة، يكتشف اليوم أنه كان ضحية تضليل يكاد يكون ممنهجا ابتدأ مع إطلاق تطبيق «محطتي» وبإشهار سيف التسقيف، ثم فزاعة مجلس المنافسة، واليوم على الحكومة أن تبحث عن شيء آخر لاستبعاد قرار التسقيف لا سيما بعدما أخذت الأسعار منحى تصاعديا في المراجعة الأخيرة وكذا على مستوى الأسواق الدولية…
الحكومة مدعوة إلى أن تتحمل مسؤوليتها بكل روح وطنية وجرأة سياسية، دون أن تعلق ترددها على مجلس المنافسة، ومن غير أن تجر المصداقية الفتية لهذه المؤسسة الدستورية الفتية إلى معترك التدافع السياسوي، وتجعلها واجهة أخرى لخلافات أقطاب الأغلبية.