حفلت الحلقة الأخيرة من برنامج «حديث مع الصحافة« الذي تبثه القناة الثانية بالرسائل السياسية التي تساهم في توضيح معالم الوضع السياسي العام في البلاد والتخفيف من حدة الغموض التي تطبع جزء مهما من الممارسة السياسية العامة في البلاد. فقد نجح الدكتور نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال في تقديم الرؤية المتكاملة لحزب الاستقلال تجاه العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي رؤية تتسم بالموضوعية والواقعية وبالمصداقية عبر خطاب سياسي يحترم ضوابط وشروط النقاش العام. في هذا السياق تحدث الأمين العام للحزب عن أزمة الثقة في العمل السياسي وتراجع أدوار مؤسسات الوساطة التي قال في شأنها إنها في حقيقتها أزمة أفكار واقتراحات، وهو بذلك يضعها في سياقها الصحيح و السليم باعتبار أن الممارسة السياسية على المستوى العالمي، وليس على المستوى الوطني فقط ، افتقدت إلى التفكير والتنظير وإلى إبداع الحلول عبر الاجتهاد في بلورة البرامج الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذا ما ساهم في اقتلاعها من تربتها المعرفية و الإيديولوجية، وانتهى بها المطاف إلى الخمول ثم الجمود والفراغ. وحينما صار الوضع السياسي إلى ما صار عليه أضحت الطبقة السياسية في وضعية ورطة حقيقية، وأصبح العمل السياسي محل انتقاد وتذمر من طرف المواطنين، لأن الطبقة السياسية و العمل السياسي معا لم يعودا يوفران الأجوبة المقنعة للأسئلة الحارقة التي يتداولها الناس، ولا يستجيبان معا لانتظارات المواطنين والمواطنات، ولذلك كان من الطبيعي جدا أن تنتشر مختلف مظاهر الشعبوية، بل و تكتسح الساحة في العديد من الأقطار بما فيها المتجذرة في الممارسة السياسية الديموقراطية، لأن الملل من المعتاد الجامد ساد لدى الناس وصاروا يتطلعون إلى أي بديل، وبما أن الشعبوية تتفوق في استمالة عواطف ومشاعر الناس، فقد كان من الطبيعي أن تمثل بديلا لممارسة سياسية افتقدت إلى الفكر والأفكار والبرامج المستندة إلى الدراسات والأبحاث. ولعل التجربة السياسية في بلادنا نالت حظها مما طال التجربة السياسية في العالم برمته، لذلك يقترح حزب الاستقلال تجريب وصفة علاجية مستعجلة، ليس للقضاء على الظاهرة بين عشية وضحاها، ولكن على الأقل لوقف النزيف والتخفيف من حدة التداعيات التي أضحت تهدد المجتمع برمته. والوصفة التي عرضها الأمين العام لحزب الاستقلال تتمثل في استراتيجية مبنية على ركائز مهمة ، تتمثل الركيزة الأولى في تحقيق مصالحة داخلية من أجل التوجه نحو المستقبل، بينما تتجسد الركيزة الثانية في التجاوب مع انتظارات المواطنين والمواطنات ، بيد أن الركيزة الثالثة تتمثل في العمل على خدمة المجتمع من خلال الاعتماد على الدور التأطيري للحزب انسجاما مع المقتضيات الدستورية، مع إعطاء الأهمية اللأزمة لتقوية العمل السياسي وتقديم الأفكار والآراء والاقتراحات بهدف بعث الأمل لدى المواطنين والمواطنات. ومن الطبيعي القول في هذا السياق أن إعادة الاعتبار للعمل السياسي وإعادة بناء ثقة المواطن في السياسة وفي أدوار مؤسسات الوساطة وفي وظائف المؤسسات الدستورية مسؤولية جماعية تتحملها كل الأطراف، لأن جميع هذه الأطراف تتحمل مسؤوليتها فيما وصلت إليه الممارسة السياسية من تردي وتخلف، ولذلك فإن استضافة أمين عام حزب في حجم حزب الاستقلال في أحد البرامج الحوارية كانت فرصة لتسليط الأضواء الكاشفة حول هذه القضية و الدعوة الملحة إلى معالجتها. العلم