على امتداد تجربة مجلس المدينة السابق لم يكن هناك وجود لأي برنامج تنموي عام ومتسق للمدينة يهدف الى تأهيلها على مستوى البنيات التحتية وتدارك التأخر الحاصل على امتداد 30 سنة . وباستثناء برنامج التنمية الحضرية الذي أشرف على توقيع اتفاقيات إنجازه جلالة الملك محمد السادس في شهر شتنبر سنة 2006 لما كان هناك أي برنامج يذكر. وللحقيقة فبرنامج التنمية الحضرية جاء لانقاذ الفراغ الكبير الذي كانت تعرفه المدينة على مستوى غياب بعض مرافق البنيات التحتية (توسعة الطرق، إقامة المداخل، تنظيم السير وعلامات التشوير، الترامواي، تنظيم الخطوط السككية الحضرية إلخ) وهو برنامج محدد في الزمان (2010-2007) ويتوفر على اعتمادات مالية مضبوطة تساهم فيها عدة أطراف الى جانب مجلس المدينة. وانطلاقا من ذلك فإن جل الأوراش التي باشرها مجلس المدينة في السنتين المنصرمتين تدخل ضمن البرنامج المذكور ويلاحظ بأن هناك تقدما على مستوى إنجاز مضامين برنامج التنمية الحضرية بما في ذلك إنجاز خط الترامواي على مسافة 30 كلم والذي تم الاعلان عن طلب العروض الدولي الذي من المنتظر أن تفتح الأغلفة في فاتح شهر اكتوبر المقبل لمعرفة الفائز بالصفقة. ومن المتوقع أن يغطي البرنامج المذكور جزءا مهما من الولاية الانتخابية الحالية لمجلس المدينة. إن المتتبع والملاحظ الموضوعي لعمل مجلس المدينة على امتداد الولاية السابقة يصل إلى خلاصة بديهية وهي أن مسيري مجلس المدينة لم تكن تهمهم المصلحة العامة للمدينة وسكانها كما لم يكن يهمهم الحرص على المال العام. فانجاز شيء ما يجب النظر إليه من باب الكلفة أي المقابل المادي وهل الكلفة تناسب العمل أم تفوقه بكثير؟ وفي هذا الباب يمكن القول إن أغلبية الصفقات ومجمل مشاريع وإنجازات مجلس المدينة كانت مكلفة جدا من الناحية المالية علاوة على التفريط في المال الجماعي العام.. ونعتقد بأن الأمور في هذا المضمار لاتحتاج الى أمثلة. وإذا كان الأمر يحتاج الى أمثلة فنكتفي بالاشارة الى ما يلي: هل من المعقول أن تؤدي الجماعة الحضرية للدارالبيضاء أموالا ضخمة جدا لتفنيذ أحكام قضائية بسبب «أخطاء بشرية» منسوبة الى الجماعة، ولماذا يتم إخفاء حجم أموال تنفيذ الأحكم على ساكنة الدارالبيضاء وعلى المستشارين الجماعيين أنفسهم دون تحديد المسؤولية في ذلك، فأين هو الحرص على المال العام ولماذا لايتم إعلان المبالغ المالية الباهظة؟ هل كلفة الشركات الثلاث المكلفة بالنظافة وجمع الأزبال تستحق 13 أو 14 مليار سنتيم سنويا رغم أن العمال تابعون للجماعة والمستودعات كذلك..؟ والآليات السابقة ولماذا هذا التدبير المفوض على الضروري وبهذه الكلفة المرتفعة التي تثير عددا من الأسئلة. رغم أن الجماعة تؤدي أجور عاملين ومستخدمين مكلفين بالحدائق، فقد تم منح بعض الشركات الخاصة التدبير المفوض لبعض الحدائق بكلفة مالية مرتفعة، في وقت توجد فيه الحدائق في وضعية كارثية (أحسن مثال هو حديقة الجامعة العربية بتراب عمالة أنفا) وإذا كان ليس من الضروري تفويت خدمة الحدائق للشركات الخاصة، وإذا كان حجم تلك الأموال التي تحصل عليها تلك الشركات وكذا كلفتها لا تناسب خدماتها، فلماذا يتم التفريط في الأموال العامة بتلك السهولة. إن تدبير أغلبية صفقات المجلس الجماعي لم تكن شفافة (وبالرجوع الى المحاضر فقد سبق أن تمت إثارة هذا المشكل من طرف بعض المستشارين)، علاوة على أن أغلبية الصفقات كانت مكلفة وتفوق حجمها بكثير رغم شكليتها «القانونية» وقد يطول الكلام في هذا الباب. تفويت قطاع النقل الحضري بدون مقابل، بمقراته ومستودعاته وأسطوله.. ومده باستمرار بالأموال الجماعية العامة في مقابل المداخيل المالية جد المرتفعة التي تحصل عليها شركة (ميدين بيس) في الوقت الذي لاتستفيد منه الجماعة من أية أموال ويتم الاعتداء يوميا على السكان بشحنهم في الحافلات كالبهائم دون مراعاة للشروط الانسانية والتقنية ودفتر التحملات المتعارف عليه في هذا الباب. فهل تفويت قطاع النقل الحضري بتلك الكلفة المالية الكارثية على مالية الجماعة تستفيد منه هذه الأخيرة أم من؟ رغم أن الجماعة يعمل في صفوفها عمال ومستخدمون يتقنون العمل في ميدان الانارة العمومية، فقد تم تفويت قطاع الانارة العمومية الى شركة (ليديك) في الوقت الذي كان فيه من غير الضروري تفويت ذلك وبكلفة مالية باهظة تستنزف هي الأخرى الميزانية المالية الجماعية. في ميدان توزيع الماء والكهرباء والتطهير، إذا سلمنا جدلا بأن شروط عقد التدبير المفوض مع شركة لاليونيز دي زو (ليديك) أمر واقع، فلماذا لا يتم حماية السكان من استنزاف جيوبهم وهم في غالبتهم من ذوي الدخل المحدود أو المنعدم وماهو مقابل عدم استخلاط أموال جماعية مستحقة من عند تلك الشركة ومراقبة المال الجماعي المشترك الذي يوجد بصندوق الأشغال والذي يحوي الملايير. فالحسابات الادارية المعلن عنها لاتتضمن في ميزانية الجماعة الأموال الآتية (نسبة من رقم معاملات الشركة نسبة معينة من أرباح الشركة الفوائد البنكية المترتبة عن مبلغ الضمانة..) دون أن نذكر عدة أمور أساسية أخرى.. نكتفي بهذا القدر من الأمثلة دون الحديث عن أمور أخرى مثل المجازر البلدية وسوق الجملة للخضر والفواكه، والمنشآت الرياضية، والأشغال والتزفيت والبنايات.. و.. و.. إلخ. فأطفال الدارالبيضاء هم بدون حدائق ألعاب، وسكانها بدون حدائق عمومية لائقة، ولامراحيض عمومية آدمية ولا طرق.. ولاخدمات لائقة على الإجمال فهل ستظل استمرارية تغليب المصالح الشخصية على المصالح العامة سمة رئيسية في تدبير شؤون المدينة مع ما يترتب عن ذلك من هدر وتفريط في المال العام وتضييع فرص تنمية البنيات التحتية والمرافق العامة الأساسية للمدينة.