القضية الفلسطينية في فيلم موسيقانا للمخرج جان لوك غودار.. عندما حضر الشاعر محمود درويش ممثلا * العلم السينمائي في فيلم “موسيقانا” يدخلنا المخرج “جان لوك غودار” إلى عالمه الخاص جدا، حيث يمتزج الخيالي بالواقعي والتسجيلي بالتصويري في صورة صامتة متعددة تختصر كل الحرب: صورا لقتلى وجرحى ودبابات ونزوح ودمار وعنف والم بالأسود والابيض والملون…. الجلادون والضحايا، في مشاهد وثائقية أخذ بعضها من أفلام وبعضها الاخر من وقائع. مشاهد ضبابية وأجواء مفجعة صاحبتها موسيقى على البيانو حادة ومفجعة هي الاخرى. ويقدم غودار في هذا الفيلم، رؤيته الفلسفية والفكرية والوجودية لموضوع الحرب عبر السينما والضوء والكتاب والسفر. للكلام عن فلسطين يذهب الى ساراييفو، ولم لا؟ فالحرب واحدة والدمار والخراب الذي تحدثه واحد وغودار يجعل من ساراييفو ومكتبتها المحترقة المدمرة رمزا لمكان الحرب يحضر اليها محمود درويش، الشاعر الفلسطيني الذي نراه في اللقطة الأولى ينظر إلى العالم من خلال النافذة في الظلام وظهره في وجه الكاميرا مثل حنظلة. تقول الصحافية: كتبتَ أن الذي يكتب روايته يرث أرض تلك الرواية، تقول بأن لا مكان لهوميروس، بأنّك شاعر طروادة، وأنك تحب المهزومين، أنت تتّحد باليهود! درويش جالس أمامها مباشرة ويجيب: آمل ذلك، فهذا أمر حسن، حسن الصيت في هذه الأيام. لكن الحقيقة لها وجهان. لقد استمعنا إلى الرواية الإغريقية وسمعنا أحيانا صوت الضحية الطروادية على لسان يوروبيدس. أما أنا، فإنني أبحث عن شاعر طروادة لأن طروادة لم ترو حكايتها، وأتساءل هل الشعب أو البلد الذي له شعراء كبار يملك الحق في السيطرة على شعب آخر لا شعراء له؟ وهل غياب الشعر عند شعب يشكل سبباً كافياً لهزيمته؟ هل الشعر إيماء أم هو أحد أدوات السلطة، هل بإمكان شعب أن يكون قوياً من دون أن يكتب شعراً. أنا ابن شعب غير معترف به بما فيه الكفاية حتى الآن. أريد أن أتكلم باسم الغائب باسم شاعر طروادة، فإن الوحي الشعري والمشاعر الإنسانية قد تظهر أكبر في الهزيمة مما هي في النصر. في الخسارة أيضاً شاعرية عميقة وقد تكون هناك شاعرية أعمق في الخسارة، ولو كنت أنتمي إلى معسكر المنتصرين لشاركت في تظاهرات التضامن مع الضحايا. هل تعلمين لماذا نحن الفلسطينيين مشهورون، لأنكم أنتم أعداؤنا. إن الاهتمام بنا نابع من الاهتمام بالمسألة اليهودية، نعم الاهتمام بك وليس بي أنا. إذن نحن قليلو الحظ في أن تكون إسرائيل هي عدوّنا، لأنها تحظى بمؤيدين لا حدّ لهم في العالم، ونحن أيضاً محظوظون بأن تكون إسرائيل عدوّنا لأن اليهود هم مركز اهتمام العالم لذلك ألحقتم بنا الهزيمة وأعطيتمونا الشهرة. لقد ألحقتم بنا الهزيمة ولكن منحتمونا الشهرة. تعلّق هي: نحن وزير دعايتكم. يعلّق: نعم أنتم وزارة دعايتنا، لأن العالم يهتم بكم أكثر مما يهتم بنا وليست لدي أي أوهام حول هذا الأمر. تسأله عن قوله «إن هزمتمونا في الشعر فهي النهاية». يجيب وينتهي اللقاء: لا أعتقد بأن هناك نهاية لشعب أو لشعر، لا بد أن خطأ ما قد وقع في هذا الاقتباس. ولكن هناك معنى آخر، هو أنه لا الضحية ولا الهزيمة تُقاس بعبارات عسكرية. تبتعد الكاميرا، يخرج درويش من إطارها ونسمع صوته: أحمل اللغة المطيعة كالسحابة، إن شعبا بلا شعر هو شعب مهزوم. يعد جان لوك غودار اليوم أحد ابرز أقطاب الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، وهو القادم إلى الفن السابع بعد تجربة متمرسة في كتابة النقد السينمائي في مجلة راسخة هي “دفاتر السينما”. تسلم رئاسة تحريرها وهو في مطلع العقد الثاني من عمره، وهي المجلة التي قدمت أسماء زملائه الآخرين لعالم السينما مثل: فرنسوا تروفو، جاك ريفيت، ايريك رومر. حقق غودار (75 عاما) فيلسوف السينما المعاصرة طوال مسيرته الطويلة مع الفن السابع عدداً معقولاً من الأفلام السينمائية من بينها: “على آخر نفس”، “الجندي الصغير”، “ألفا فيل”، “بييرو المجنون”، وآخرها ” كتاب الصور 2018 الذي عرض بمهرجان “كان ” في دورته الواحدة والسبعين.