كشفت دراسة صادمة أخرى تكشف العجز الحكومي، والذي يرسخه انتقال عدوى فساد التعليم إلى التكوين المهني، فربع خريجي معاهد التكوين المهني التي رصدت لها المليارات من ميزانية الدولة، في حالة عطالة، هذه هي أهم خلاصات دراسة قدمتها المندوبية السامية للتخطيط مساء الأربعاء الأخير، حول موضوع «الملاءمة بين التكوين والتشغيل في المغرب». فقد وضح المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي علمي، خلال ندوة خصصت لإعلان نتائج هذه الدراسة بالرباط، أن الأشخاص العاطلين عن العمل هم الأكثر توفرا على الشهادات، خاصة ديبلومات التكوين المهني، بينما عديمو أو ضعيفو المستوى التعليمي هم الأكثر توفرا على شغل بنسبة 52,2 في المائة، مبينا أن من هم في سن الشغل في المملكة يشكلون 63 في المائة من الساكنة الإجمالية، ويتزايد عددهم سنويًا ب370 ألف شخص. وقال الحليمي، إن الدراسة استندت على المعادلة بين مستوى التكوين والتأهيل المرتبط بالمهنة، مبيّنا في هذا الصدد، أن تحليل التكوين في المغرب تم من خلال هيكلة جميع المستويات والديبلومات الموجودة رسميا، والتي تحددها المدونة الوطنية للتكوين في 1672 نوعا من مستويات شهادات التعليم والتكوين، والمدونة الوطنية للمهن التي تجرد ما يفوق 896 مهنة.. وهي تظهر أن ارتفاع مستوى شهادات التكوين المهني يزيد من عطالة أصحابها عكس شهادات التعليم العمومي، وهو ما يفسره الحليمي بالقول، إن المشكل ليس متعلقا فقط بالتكوين المهني في حد ذاتها ومحتوياته ومناهجه ونجاعته، بل يرتبط أيضا بالهياكل الموفرة للشغل في بلادنا، والتي لا توفر إلا مناصب شغل ضعيفة الأجر وغير محمية اجتماعيا مما لا يُشجع على الاستثمار في التكوين. وانتقد المسؤول المخضرم منظومة التكوين ببلادنا من خلال طرح مجموعة من الأسئلة حول نجاعتها، من قبيل: أي تكوين لدينا؟ ولماذا ومن أجل من ولأي وظيفة نكوّن؟ وكيف يتم ذلك؟ وأضاف مستنكرا «أصبحنا نكون الناس لنقول لهم اِذهبوا للخارج، أو اشتغلوا بالمناولة». وتكشف نفس الدراسة، أن معدل النشاط الوطني لم يتجاوز وتيرة أنجع منذ سنوات، بل إنه في انخفاض مستمر منذ سنوات 2000 حين كان يبلغ 54 في المائة. بدوره، يراكم معدل التشغيل ضعفا في المستوى ونفس الاتجاه نحو الانخفاض، منتقلا من 46 في المائة إلى 42 في المائة. كلها تضيف الدراسة، مؤشرات تبعث رسالة مقلقة في سياق اقتصادي يتسم بإكراهين: نمو متباطئ، منتقل في المتوسط السنوي من 5 في المائة بين سنوات 2000 و2008 إلى 3,7 في المائة خلال سنوات 2009-2017، مع انخفاض محتواه من التشغيل بمستويات من 30 ألف منصب في المتوسط لكل وحدة نمو إلى 10.500 بين الفترتين، مما ساهم في رفع معدلات البطالة والشغل الناقص إلى مستويات مرتفعة بشكل مزمن. كما سجلت الدراسة، أن الساكنة المشتغلة تضم عددا أكبر من حاملي الشهادات مقارنة مع الساكنة النشيطة بنسب تصل على التوالي إلى حوالي 48 في المائة و51 في المائة. ويشكل منها حاملو شهادات التعليم العام وحاملو شهادات التكوين المهني نسبة أكثر ضعفا، تصل إلى 38 في المائة بالنسبة للأولى عوض 40 في المائة وبحوالي 10 في المائة عوض 11 في المائة بالنسبة للثانية، مقابل نسب حاملي شهادات التعليم العام وحاملي شهادات التكوين المهني في صفوف السكان العاطلين، التي تعد الأكثر ارتفاعا وتصل على التوالي إلى حوالي 48 في المائة و17 في المائة. واعتبرت الدراسة، أن هذا الارتفاع النسبي في مستوى التأهيل العام لدى الساكنة العاطلة عن العمل يجد في الواقع تفسيره في تباين تأثير البطالة على نوع التكوين ومستويات التأهيل والشهادة، حيث بلغ معدل بطالة حاملي شهادات التعليم العام في المتوسط حوالي 20 في المائة، وما يقارب 26 في المائة بالنسبة لحاملي شهادات التكوين المهني، و11,2 في المائة تقريبا من بين النشيطين المشتغلين بدون شهادة. ويأخذ معدل البطالة اتجاها نحو الارتفاع من القاعدة نحو القمة لهرم المستويات المهنية للتكوين والشهادات، في حين يأخذ هذا الاتجاه عموما منحى معكوسا في حالة هرم مستويات وشهادات التعليم العام. وتلاحظ المندوبية، أن معدلات البطالة تنخفض مع شهادات التعليم العام من مستوى الثانوي والإعدادي حتى دبلوم الدراسات الجامعية العامة (DEUG)، حيث تنتقل على التوالي من 22 في المائة إلى 15 في المائة تقريبا، بينما تنتقل بعد الإجازة إلى حوالي 19 في المائة بين المجازين إلى 16 في المائة بين حاملي دبلوم الدراسات المعمقة/دبلوم الدراسات العليا/الماستر، لتنخفض إلى 7,7 في المائة بالنسبة للمهندسين/الأطر العليا وإلى 4 في المائة بالنسبة للدكاترة.