يخلد الشعب المغربي اليوم ذكرى استقلال المغرب، وهي الذكرى التي تعيد إلى الأذهان صفحات مجيدة من تاريخ المغرب وأياما صعاب وأحداثا جسام امتحنت فيها الأمة المغربية بكل مكوناتها على رأسها العرش العلوي مجسدا، في المغفور له محمد الخامس. لم يكن الاستقلال ولم يأت على طبق من ذهب بل كان نتيجة كفاح مرير ومعاناة لاقاها المغرب ولاقاها السلطان المجاهد محمد الخامس طيب الله ثراه ولاقتها فئات عريضة من أبناء هذه الأمة الذين جعلوا أنفسهم في واجهة النضال من أجل الاستقلال ومواجهة الاستعمار الذي كان في أعتى مراحله. كان أمل المغاربة بعد الحرب العالمية الثانية أن تفي فرنسا بوعودها وهي التي ذاقت ويلات الاحتلال الألماني الذي فتت جيشها ودولتها ولم يبق للأمة الفرنسية غير مستعمراتها. وكان المغاربة في طليعة الشعوب التي كافحت إلى جانب الفرنسيين من أجل طرد الاحتلال الألماني الذي كان قد بسط هيمنته على فرنسا وعلى مجمل دول أوربا وكان المغفور له محمد الخامس من أول المنادين بضرورة مساعدة الفرنسيين في محنتهم ضد الألمان وهو الموقف الشجاع الذي لم يمر مر الكرام بل كان كل الفرنسيين قد اعترفوا بدور المغاربة في تحرير فرنسا ومنح محمد الخامس رحمة الله عليه لقب رفيق التحرير وقلد هذا الوسام الذي كان تكريما له وتكريما لكل المغاربة الذين قاتلوا من أجل استقلال فرنسا. وقبل أن تضع الحرب أوزارها كان جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله يجلس في مؤتمر آنفا إلى جانب كبار قادة العالم آنذاك وهم الجنرال دوغول ووستون شرشل وروزفلت شارك محمد الخامس بصفته حليفا وقائدا لدولة ذات سيادة وإن كان تحت الحماية ومن ثم حظي بتأييد مطلب المغرب في الاستقلال. وقبل نهاية الحرب كان المغاربة قد حسموا في مسألة الاستعمار حيث انبرى ثلة من أبنائه للتوقيع في 11 يناير 1944 على وثيقة المطالبة بالاستقلال وذلك بتنسيق وتشاور تام مع المغفور له محمد الخامس. وبعد نهاية الحرب لم تف فرنسا بوعودها، إلا أن المغاربة شعبا وعرشا كانوا قد قرروا أخد زمام المبادرة فرغم بطش الاستعمار و المقيمين العامين الذين تعاقبوا عليه بعد أن فرغت من حربها واستعدت لمواجهة الحركات التحريرية ومنها حركة التحرير بالمغرب مجسدة في حرب الاستقلال، أكد المغاربة عزمهم على المضي قدما في مطلبهم، وكان سفر المغفور له محمد الخامس الى طنجة سنة 1947 وخطابه التاريخي من هناك الذي أكد مطلب المغرب في الاستقلال وأكد وحدة شمال المغرب وجنوبه. وما إن هلت سنوات الخمسين حتى كشر الاستعمار عن أنيابه عقب أحداث الدارالبيضاء بعد اغتيال فرحات حشاد، سنة 1952 وما تلاها من اعتقالات شملت آعضاء حزب الاستقلال، الذين تعرضوا للنفي والسجن ومنهم من فضل الموت فداء للوطن فكان اعتقال الاستقلاليين ونفي عدد منهم وعلى رأسهم الزعيم علال الفاسي وغيرهم. وكان الخطأ الكبير هو نفي السلطان محمد الخامس في غشت 1953 الذي كان الشرارة التي اطلقت المقاومة التى لم تهدأ إلا بعد رجوع جلالته من المنفى سنة 1955 حاملا بشرى الاستقلال ونهاية عهد الحجر والحماية الذي كان سنة 1956 الذي نخلد اليوم ذكراه الواحدة والستين مسترجعين العبر والدروس. ومن أهمها الوحدة على المبدأ التي كانت السلاح الوحيد لانهاء الاستعمار. ونحقق الاستقلال الترابي بفضل التحام شعب وعرش في إرادة موحدة، وثابتة حطمت كل الصعاب كبيرها وصغيرها، وانتصر المغاربة في معركة التحرير التي خاضوها ضد أعتى استعمارات العالم. وحينما نخلذ ذكرى هذا الانتصار، فإننا نستحضر الدروس والعبر لنواصل بها معركة بناء الاستقلال الترابي والسياسي.