بتدشينه قاعدة عسكرية في الخليج العربي، يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، قد أكد على التحول الجيوإستراتيجي لبلاده, ففرنسا تجد نفسها اليوم متورطة أكثر فأكثر في مناطق الصراع التي يتوقف عليها الاستقرار العالمي. فللمرة الأولى، ها هي القوات البرية والجوية والبحرية الفرنسية تعد للحصول على قاعدة عسكرية دائمة في بلد خارج عن مستعمراتها السابقة. فأفريقيا ,ا لتي ظلت دائما البوابة الخلفية لفرنسا، لم تعد اليوم الأولوية المطلقة لانتشارها العسكري عبر العالم, وهو ما ينسجم مع السياسة العسكرية التي رسمتها الدولة الفرنسية منذ مدة في الكتاب الأبيض للدفاع, وما تدشين قاعدة أبوظبي إلا تتويجا عمليا لهذه السياسة. ففي هذه الدولة الخليجية، التي تجسد، كجاراتها الخليجية، الحداثة العربية, سيجد العسكريون الفرنسيون أنفسهم في موقع إستراتيجي قريب من النقاط الساخنة في العالم, سواء تعلق الأمر بالعراق أو أفغانستان أو باكستان أو مناطق تحرك القراصنة الصوماليين, وكذلك على بعد 200 كيلومتر فقط من إيران. ونظرا للأزمات والصراعات، التي تعصف بهذه المنطقة , ويغذي بعضها بعضا, فإن الوجود الفرنسي بها يصبح مبررا حقيقة وحكما. وبما أن ملف البرنامج النووي الإيراني قد يؤدي إلى تصعيد عسكري في المنطقة, فإن الحضور الفرنسي بالقرب من مضيق هرمز، الذي يمر عبره جل التموين النفطي العالمي، ضروري إذا كانت فرنسا تريد أن تظل قوة عالمية متوسطة لها كلمتها في إدارة شؤون العالم. أضف إلى ذلك أن إقامة قاعدة فرنسية في منطقة نفوذ إنجليزي تاريخي، تكتسي صبغة رمزية كبيرة, خاصة أنها تأتي في الوقت الذي عادت فيه باريس إلى قيادة حلف شمال الأطلسي, مما يعتبر دليلا جليا على إرادة فرنسا الاطلاع بدورها في الجهد الجماعي الدفاعي لهذا الحلف. ففي أبوظبي، سيكون الجنود الفرنسيون في اتصال مباشر مع زملائهم الأميركيين والبريطانيين في المنطقة, وسيكون بمقدورهم المساهمة في جمع المعلومات والاستعداد لكل التطورات المحتملة. ولا شك أن تحول القوات الفرنسية إلى الخليج ينطوي على نوع من فك الارتباط مع أفريقيا, وهو ما يعود في الأساس إلى ضغط الميزانية وإن كان يعود كذلك, إلى تطور في التفاعل الفرنسي مع أفريقيا, ذلك التفاعل المبني على إرث الاستعمار. وقد يرى بعضهم في التحول الإستراتيجي الفرنسي الحالي، تخليا عن مسؤوليات باريس السابقة، ومجازفة، وتحالفا غير ضروري, غير أن ذلك كله هو ثمن محافظة هذا البلد على مرتبته بوصفه قوة عالمية متوسطة مصرة على الاضطلاع بدور ريادي في التأثير على المشاكل العالمية الكبرى.