سبقت الإشارة في مقال سابق أن زلزالا كبيرا ضرب المشهد السياسي إلى حد بدت معه الرؤية الديموقراطية غير واضحة نهائيا بين الفاعلين السياسيين في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؛ وفي ما سيليها من محطات سياسية؛ بسبب طوفان الإنزال السياسي الذي قام به حزب"آليات وحروف الجر" أو "الجار والمجرور" في مختلف أنحاء المغرب. إن الترحال السياسي الذي عهدناه سابقا بين الأحزاب السياسية ببرلمانيين اثنين أو ثلاثة وبخمسة أو ستة مستشارين جماعيين؛والذي غالبا ما تكون له أسباب موضوعية مبررة؛ هو اليوم يقارب المائة برلماني ومئات المستشارين الجماعيين؛الأمر الذي يقلب الموازين ويزلزل القواعد الديموقراطية المألوفة؛مما يتساءل عنه المرء؛لماذا يتم تكرار سيناريو "الفديك" من جديد بهذه الحدة؛وجلالة الملك حفظه الله ينادي ويناضل هو نفسه من أجل دمقرطة الحياة السياسية وتطهير المشهد السياسي من التعددية المميعة. إن سبب جذب حزب "الجار والمجرور"كل هذا الاهتمام هو كونه قد نادى في بداية ظهوره بأنه يعد القيمة المضافة الوحيدة في المشهد السياسي؛مدعيا تميزه عن الجميع بعد انتهاء صلاحية الأحزاب الأخرى واستنفاد مهامها؛رغم ما لها من مصداقية ومشروعية تاريخية وشعبية وقانونية؛وما تراكمه من تجربة سياسية هامة أهلتها لتدبير الشأن العام والإسهام في استقرار البلاد وتنميته لفترة هامة من الزمن. إن خطابا سياسيا مفعما بهذه الأنانية وغارقا في عقدة التفوق لاشك سيؤول إلى الإفلاس في أقرب وقت؛أسوة بالتجارب السابقة؛من منطلق أنه لا يستند على رؤى سياسية بديلة ولا على مبادئ ونظريات موضوعية؛تشخص واقع المغرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتقدم له الحلول الناجعة من خلال أيام وحلقات دراسية وندوات علمية وفكرية في الموضوع؛وبالتالي لا يمكن بهذا الأسلوب أن ندغدغ مشاعر المواطنين ولا أن نستقطبهم إلى الفعل السياسي بقدر ما نبعدهم عنه؛لما فيه من ضحك على الذقون ولما فيه من استبلاد لوعيهم ونبوغهم. لاتزال ذاكرة المغاربة تستحضر كيف تم تأسيس حزب"الفديك " من طرف المدير العام للديوان الملكي ووزير الداخلية السيد رضا أكديرة؛ الذي في ظرف أسابيع معدودة من استقالة حزب الاستقلال من الحكومة في 5 يناير 1963 تمكن في الانتخابات التشريعية التي جرت في ماي 1963 من كسب 69 مقعدا من مجموع 144 مقعدا بينما حزب الاستقلال حصل على 41 مقعدا والاتحاد الوطني للقوات الشعبية على 29 فقط ؛وبدا غريبا أن حزب الاستقلال والحزب الوطني للقوات الشعبية حصل كل منهما على حوالي 25 ألف صوت مقابل كل مقعد واحد من المقاعد أعلاه؛بينما حزب "الفديك" لم يحصل سوى على 16 ألف صوتا فقط أهلته لانتزاع المرتبة الأولى؛وهو نفس السيناريو الذي تكرر آنذاك في الاقتراع غير المباشر للفئات المهنية.وبعد مضايقات الحزبين أعلاه ومقاطعتهما لانتخابات 12 يوليوز 1963 الجماعية حصل الفديك على 90 في المائة من المقاعد . وتكرر نفس السيناريو مع حزب "اللامنتمين " في الانتخابات الجماعية بتاريخ 12 نونبر1976 ؛الذي ترأسه السيد أحمد عصمان وانشق عنه الحزب الوطني الديموقراطي برئاسة السيد أرسلان الجديدي في يونيو 1982؛حيث فاز هذا "المخلوق الحزبي الجديد" بحوالي 65 في المائة من المقاعد وحوالي 60 في المائة من الأصوات؛أي ما يقارب مليونين ونصف من الأصوات ؛وهي سابقة في التاريخ السياسي المغربي؛ بينما فاز حزب الاستقلال ب 17 في المائة من الأصوات والاتحاد الاشتراكي على حوالي 8 في المائة فقط؛وهو ما سيتكرر من جديد مع "مخلوق حزبي ثالث" حزب الاتحاد الدستوري الذي سيتم إنشاؤه قبيل انتخابات 1983 الجماعية من أجل اكتساحها بشكل مفضوح بفارق قليل عن حزب الاستقلال؛وتسند له المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية سنة 1984 ب55 مقعدا أي ب25 في المائة من الأصوات و28 في المائة من المقاعد . إن كل هذه العمليات الاصطناعية التي مست الحقل السياسي شوهت سمعة المغرب دوليا وتسببت في ابتعاد المواطنين عن المشاركة السياسية؛وخلقت شرخا كبيرا لازلنا لم نضمد جراحه كلية إلى حد الآن؛باضطرابات وقلالقل ومظاهرات واعتقالات وتراجع لحقوق الإنسان في الوسط المجتمعي المغربي وتراجع مؤشرات التنمية ببلادنا إلى حد التهديد بالسكتة القلبية؛مما يستوجب اليوم ضرورة القطع معه؛من منطلق الانتظارات التي يراهن فيها المغاربة كثيرا على الأوراش الديموقراطية المحمديةالجديدة. إن الممارسة السياسية التي تصدر بهذه"الارتجالية" اليوم عن الحزب الجديد لا تفيد المغرب في شيء ولا تزيد الظروف إلا تأزيما ؛مما سيفقد المنافسة الانتخابية في 12 يونيو المقبل كل طعم ولن تكون بديلا عن انتخابات 12 يونيو 1963 مع الفديك وكذا مع 12 نونبر 1976 مع اللامنتمين ؛ووزارة الداخلية تدعي الحياد بينما الفاعلون السياسيون يقولون بغير ذلك.