كتب سمير زرادي غادرت «فتيحة» مقر منزل والديها في سلا في اتجاه مسقط رأسها بالجديدة كي تجمع الأوراق والوثائق المطلوبة في إنجاز البطاقة البيومترية أو الإلكترونية الجديدة حسب ما أصبحت تشترطه المصالح المختصة حاليا. ولم تكن «فتيحة» تعلم حينها أن معاناة جحيمية تنتظرها خاصة وأنها استأذنت رئيسة العمل قصد التغيب يوما واحدا على اعتبار أنه سيكون كافيا لتحصيل كل الأوراق والعودة بالغنيمة التي ستمكنها من الحصول على بطاقة تعريف حديثة أضحت «بريستيجا» لدى بعض المواطنين «لأنها صغيورة ومزيونة». قصدت فتيحة جماعة ثلاثاء سيدي بنور التي نشأ فيها والدها وولدت فيها، واتجهت إلى المصالح المكلفة بتسليم الوثائق الرسمية، انتظرت دورها إلى جانب أبناء وبنات المنطقة ليفاجئها المسؤول الإداري هناك بأن عليها التوجه إلى جماعة أخرى وتحديداً جماعة أولاد فرج، ولم تجد بدّاً من شد الرحال إليها وتحمل عناء متاهة الطريق والطاكسيات من جديد، وهناك كان عليها أن تزيد من مدى صبرها لأن الجماعة بدورها وجهتها إلى جماعة أولاد حمدان، وكان لزاما أن يبلغ صبرها هناك ذروته حيث وجدت المقدم غائبا، وأمام نفاذ الوقت أشارت عليها إحدى المواطنات بالاتصال بهاتفه المحمول «إلى بغيتي تسربي راسك وتقضي شغلك». فانطلق عداد استهلاك الهاتف وابتلعت التعبئة تلو التعبئة العلبة الصوتية، وتوالت الدقائق دون أن يظهر المقدم، وفي الأخير تمكنت بعد البحث والتقصي من معرفة مكان المقدم المتغيب هذه المرة وليس الغائب، حيث يدير «باتسري» (محل للحلويات) في ملكية أخيه. توسلت إليه كي ينجز لها عقود الازدياد خاصة بعدما حكت له معاناة التنقل المستمرة، فقبل المقدم أن يقدم مصلحة المواطنة على مصلحة أخيه ويتوجه إلى مكتبه ويحرر عقود الازدياد، لكن كانت هناك مفاجأة ثالثة تنتظر «فتيحة»، فعند البحث عن صفحتها في سجل الولادة تبين أن المعلومات بالفرنسية غير مثبتة، وبالتالي عليها أن تكتب طلباً إلى مصالح العمالة بالجديدة لإصدار أمر الترجمة وتنتظر الرد للحصول على عقود الازدياد المطلوبة في البطاقة الجديدة. ومن يدري ربما يستدعي هذا الأمر شوطا ثانيا من المعاناة، قد يمتد إلى أشواط إضافية خاصة وأنها ستضطر إلى الاستئذان مجددا من العمل وشد الرحال إلى العمالة والجماعة والقيادة و... أما على المستوى الإداري فمصالحها حكم عليها بوقف التنفيذ لاسيما وأن البطاقة الوطنية الخضراء أصبحت منتهية الصلاحية. وتمنت فتيحة لو تم الاحتفاظ بالبطاقة القديمة ولم تصرف 550 درهم تعادل كقيمة مالية إنجاز جواز سفر وبطاقة تعريف ووثائق إدارية أخرى. إن معاناة فتيحة ليست إلا تجسيدا لمعاناة المواطنين عموما التي بدأت تتجلى مع إجراءات طلب البطاقة البيومترية الجديدة، فقد تكررت حالات مشابهة أو أشد منها معاناة لمواطنين ومواطنات قطعوا مسافات أطول في اتجاه المغرب العميق ليواجهوا مشاكل الترجمة الفرنسية والتعقيدات الإدارية وبطء الإدارة وأداء «لقهيوات» والاضطرار إلى التوجه إلى مسقط الرأس ثلاث مرات أو أكثر، للحصول على البطاقة الجديدة التي وكما تم تأكيد ذلك في أكثر من مناسبة ستغني عن عدد من الوثائق. أما «فتيحة»، التي حلت بثلاثاء سيدي بنور في السادسة صباحا فقد عادت إلى منزلها بسلا في الحادية عشرة ليلا، لتحكي إلى والديها الحكاية وتخفف من قلقهما جراء تأخرها، وضياع 550 درهم كانت ستفيد الأسرة في سد حاجياتها.