فكرة الشائعة عن البريطانيين في العالم هي أنهم «أبرد» الناس دماً، فهم لا يغضبون ولا يثورون ولا ينفعلون إلا في النادر، وعندما أرادت سعاد حسني وصف صديقها بالهدوء، قالت إنه يشبه الجراح البريطاني. وعندما قال تشرشل لمواطنيه أثناء الحرب العالمية الثانية «ليس لدي ما أقدمه إلا الدم» طلبوا منه إقناع الولاياتالمتحدة بدخول الحرب، لأن الدماء الباردة غير مجدية في الحروب. ويبدو أن هذه الصورة كانت صحيحة، فقد استعمرت بريطانيا العالم ما يزيد على أربعة قرون من دون أن تكلّ أو تملّ، وارتكبت خلال هذه القرون الأربعة تجاوزات لا يمكن وصفها. وفي ظل النظام العالمي الجديد، بدأت هذه الصورة تتغير، فقد كشفت دراسة ميدانية أجرتها إحدى شبكات التلفزيون البريطانية أن العديد من الدماء الأوروبية تخطت في برودتها الدم البريطاني، ومن هؤلاء الألمان الذين كانت الفكرة السائدة عنهم أن دماءهم حارة، والإسبان - الذين إذا تشاجر أحدهم مع الآخر صرخ في وجهه: إن في عروقي دماء عربية - والفرنسيون والإيطاليون. وجاء في الدراسة أن الدنماركيين هم أكثر شعوب أوروبا برودة دم، يليهم النرويجيون والسويديون والنمساويون. وكشفت الدراسة أن البريطاني يستشيط غضباً بمعدل 4 مرات في اليوم في مقابل 3.5 مرة للإيطالي و3 مرات للفرنسي و2.8 للإسباني و2.4 للألماني، أما الدنماركي، فإنه يغضب مرة كل عشرة أيام. وتختلف أسباب الغضب من شعب لآخر، فالبريطاني يغضب من عدم احترام الطابور (48%) ومن الازدحام المروري والمغازلات الفاشلة والجيران غير المؤدبين، والفرنسي من الوجبات أو الخدمات السيئة في المطاعم، والإيطالي من السائق السيئ، والاسكندنافي من السخرية من بلده، حتى لو قلت له «إن بلدك سقف العالم» فإنه يزعل، لأنه يعتبرها قلب العالم ورئتيه وكبده وأمعاءه وكل شيء فيه. ونحن العرب نغضب من كل شيء، ونثور لكل شيء، إلى درجة أن «إسرائيل» لم تتمكن من استنزاف كل طاقة الغضب لدينا، فوجهناها ضد بعضنا بعضاً، ولكن غضبنا ليس من النوع الذي يدفعنا إلى التفكير في المشكلة وإيجاد حل لها، وإنما من النوع الذي يدفعنا إلى البحث عن متنفس للغضب، وأذكر أن شخصية عربية بارزة كانت ترتبط بعلاقة جيدة مع الرئيس الأمريكي رونالد ريجان إلى درجة أن كان يعلق صورة ريجان على جدار مكتبه، وغضب ذات يوم من ريجان، فقلب صورته على الحائط، وعندما كان زواره يسألونه عن «الصورة المقلوبة» كان يقول _هذه صورة ريجان، إنني لا أطيق النظر إلى وجهه.