* بقلم // أحمد الميداوي وأخيرا اهتدى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قبل أيام من انتهاء ولايته إلى رفع السرية عن عشرات الوثائق المتعلقة بقضية اختفاء المعارض المغربي في باريس عام 1965، ليعيد قضية بن بركة إلى واجهة الأحداث الوطنية. وتغطي الوثائق التي لا يعرف حتى الآن مضمونها وتاثيرها المحتمل على كشف تفاصيل الحادث، الفترة ما بين سنتي 1965 و1966. وطيلة أكثر من خمسين سنة رفض جميع الرؤساء الفرنسيين بمن فيهم الاشتراكي، فرانسوا ميتران، رفع الحظر عن الوثائق السرية المتعلقة باختطاف أشهر معارض مغربي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بدعوى أنها توجد تحت بند أسرار الدفاع التي يحظر نشرها. وقوبل قرار الرئيس الفرنسي بارتباح كبير من لدن عائلة بن بركة التي لا تعرف ما إذا كانت هذه هي كل الوثائق التي تحتفظ بها وزارة الدفاع الفرنسية، أم أن هناك وثائق أخرى ما زالت مخفية تحت مسمى "المصلحة العليا للدولة". وفي اتصال هاتفي مع ابن الشهيد، البشير بن بركة، أكد ل"العلم" أن قرار الرئيس هولاند من شأنه إزالة الضباب الذي لف القضية وتسليط شعاع كثيف من الضوء عن ظروف الجريمة ومرتكبيها، فضلا عن كونه يحمل شحنة قوية من حيث الرمزية السياسية ومن حيث تذكير الأجيال الجديدة بأن نضال الرجل من أجل العدالة الإنسانية ومن أجل الكرامة والحرية امتد من المغرب إلى كافة القارات وشكل فكره الأممي قاطرة أساسية لتحرر الشعوب في إطار معارك التحرير في الداخل وفي الخارج. ومن هنا فإن القرار وإن جاء متأخرا، فهو برأيي إضاءة مهمة لكل الجوانب المتعلقة باختطافه واغتياله، وتحفيز إضافي لمواصلة معركة الكشف عن الحقيقة على كل المستويات. وهو إلى جانب ذلك محطة ضرورية لتجديد مظاهر التعاطف والدعم والتعبئة حول الملف. وفيما وجه تشكراته "الخالصة" للرئيس هولاند، أعرب عن أمله في أن تتفاعل السلطات المغربية إيجابيا مع القرار وتكشف هي االأخرى عن بعض الجوانب المخفية في هذا الملف، حيث التجربة أوضحت لنا، يقول البشير بن بركة، بأن "ملفات رُفع عنها طابع السرية لم تكن في المستوى المنتظر من حيث المعلومات أو الإفادات التي تحدد تورط الجهات المباشرة المسئولة عن عملية الاختطاف والاغتيال". وقد مرة 52 سنة دون أن يتم الكشف عن الحقيقة كاملة حول مصير الشهيد بن بركة ومكان دفن جثمانه، ودون معرفة أي شيء عن هوية مخططي ومنفذي الجريمة والمشاركين فيها، وذلك بالرغم من إقدام السلطات الفرنسية قبل أربع سنوات برفع ما يسمى ب"أسرار الدفاع" عن بعض الوثائق المرتبطة بالملف، وبالرغم أيضا من فتح تحقيقات وإنابات قضائية متتالية كان آخرها انتداب قاضي التحقيق الفرنسي، باتريك راماييل، الذي حل بالمغرب للتحقيق في قضية الشهيد المهدي بنبركة، والاستماع إلى عدد من الشهود وزيارة المعتقل السري بالرباط المعروف ب P.F.3 (دار المقري). غير أن قاضي التحقيق المغربي الذي عينه وزير العدل، أجهض عملية التحقيق قبل ولادتها عندما أكد أن عناوين الشهود والمعتقل السري المشار إليه غير معروفة، في حين أن أغلب الشهود لا زالوا يحتلون مراكز نافذة في أجهزة الدولة، وعناوينهم الخاصة والوظيفية معروفة، كما أن أجهزة الأمن ومئات من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان يعرفون موقع المعتقل السري. بن بركة الذي أصدرت إحدى المحاكم المغربية حكما عليه بالإعدام غيابيا بتهم تبدأ بالتآمر على النظام إلى الخيانة العظمى والمساس بأمن الدولة، تعرض يوم 29 أكتوبر 1965 للاختطاف في وضح النهار وسط العاصمة الفرنسية باريس، ولم يظهر له أثر بعد أن تم اغتياله من طرف أوساط إجرامية لم يتم الكشف حتى اليوم عن مصدرها أو هويتها. وإذا كانت أصابع الاتهام تتجه أساسا نحو المخابرات المغربية والفرنسية، فإن مصادر تعتبر نفسها ذات دراية بخبايا الملف، ترجح أن يكون للاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية ضلوع واسع في هذه القضية على اعتبار الدور الرائد الذي اضطلع به بن بركة كواحد من زعماء حركات التحرر العالمية، المتضامنين آنذاك مع النظم الثورية في البلاد العربية وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولا تستبعد ذات المصادر أن تكون خطة اختطافه واغتياله قد وضعت من لدن أجهزة فرنسية مغربية مع مساعدة تقنية أمريكية إسرائيلية. ولم يتسرب حتى اليوم أي شعاع من الضوء عن ظروف الجريمة ومرتكبيها سوى من بعض المؤشرات التي تصب جميعها في اتجاه المسئولية الأكيدة لأجهزة الاستخبارات المغربية الفرنسية، كما أكد ذلك ل"العلم" وكيل أسرة بن بركة، الأستاذ موريس بوتان الذي تولى مهمة الدفاع عن الشهيد منذ أزيد من 47 سنة. وكان القاضي الفرنسي، باتريك راماييل، قد أصدر قبل عشر سنوات مذكرة القبض على خمسة أشخاص يشتبه في تورطهم في عملية الاختطاف والاغتيال، من بينهم الجنرال حسني بنسليمان، المسئول الحالي عن الدرك الملكي وكان ملحقا بديوان أوفقير سنة 1965، والجنرال عبد الحق القادري المسئول سابقا عن الإدارة العامة للدراسات والمستندات، وميلود التونسي الملقب بالعربي الشتوكي الذي يشتبه في تورطه المباشر في اختطاف بنبركة، والممرض بوبكر الحسوني ثم عبد الحق العشعاشي اللذان كانا يعملان في الوحدة الاستخبارية الكاب1. العلم: باريس أحمد الميداوي