شكل موضوع «التدبير المهني والحكامة الجيدة» ثاني محور في جامعة حزب الاستقلال للدراسات والأبحاث والتكوين المنعقدة قبل أيام في دورتها السابعة، وتدخل في إطار هذه الجلسة أولا أحمد أجعون أستاذ بكلية الحقوق بمكناس بعرض تحت عنوان «تأهيل الإدارة الجماعية والحكامة الملحية»، وقال في هذا السياق إن المشرع منح الجماعة الملحية اختصاصات واسعة في التجهيز والتخطيط والتعمير والاستثمار، لكن تنفيذ هذه الاختصاصات يتطلب وجود إدارة جماعية مؤهلة، ومن هذا المنطلق هناك اتفاق حول وجود اختلالات في التسيير الجماعي لمحدودية مقدرات الطاقم المسير والموارد البشرية في الجماعة، وأضاف أنه يحكم التعديلات الأخيرة يحق التساؤل عن حجم المقتضيات القانونية الرامية إلى تأهيل الإدارة الجماعية ومدى استجابتها لطموحات المعنيين، وماهي المستلزمات الحقيقية لتأهيل الإدارة الجماعية وتحقيق الحكامة. وأكد بعد ذلك أن الملاحظ في التعديات توفرها لأول مرة على إشارة واضحة حول الكتابة العامة، وذلك لتوفر الإرادة لدى المشرع لتدقيق الاختصاصات وفق متطلبات الممارسين للعمل الجماعي، وواكب ذلك تفعيل مؤسسة الرئيس وجعلها أكثر فعالية. وقال إن التجربة بينت أن دور الكاتب العام رهين بمزاج الرئيس، حيث يلاحظ خلل في العلاقة مع الرئيس، فالاختصاصات الموكلة للكاتب العام تتسع عندما تكون العلاقة مع الرئيس محكومة بالتبعية، وتضيق في حال وجود توتر مع الرئيس، وقد تنحصر في القوانين إذا كانت العلاقة موضوعية، مضيفا أن مسألة تعيين الكاتب العام لم يطرأ عليها تغيير، لكن التعديلات الجديدة أسندت للكاتب العام مهمة مسك الوثائق لإعداد وتنفيذ قرارات الرئيس (المادتان 47 و 54) ومن شأن تفعيل هذا الاختصاص مد المجلس الجماعي بدينامية حيث سيمنح ذلك الرئيس التفرغ للتدبير الاستراتيجي للجماعة، مقابل ذلك فتح هذا المستجد الباب لوصاية مزدوجة حيث للكاتب العام صلاحية إخبار الرئيس كتابة عند معاينته خرقا متضمنا في وثيقة ما، وأوضح أن هذا المقتضى هو ردة فعل للحساسية الصدامات بين الكاتب العام والرئيس. وأشار الى أن المشرع أبان عن إرادته في تأهيل الإدارة الجماعية وتدعيم مؤسسة الكاتب العام، وتبقى المستجدات قاصرة مالم تدعم بهيكلة تنظيمية منسجمة ومتوازنة وتحسين المنظومة القانونية للموارد البشرية ونظام فعال للتخطيط وإصلاح منظومة التقييم والتحفيز، حيث يعاني الأعوان بالجماعات من الهشاشة وغياب الامتيازات وطول مدة ترسيم المؤقتين والعرضيين والمياومين مما يجعلهم ورقات في المواعيد الانتخابية. أما فيما يخص منظومة الموارد البشرية، فأشار إلى ضعف التكوين وعشوائية التوظيف الذي ينأى عن الفعالية، ويبقى مطبوعا بالولاء الشخصي والقرابة العائلية والانتماء القبلي وبذلك ينعكس تطور عدد الموظفين على التدبير المالي والاقتصادي للإدارة الجماعية، إن تشكل نفقات الموظفين أزيد من 50 في المائة من ميزانية التسيير، وأمام هذا يلاحظ أن نسبة ضئيلة من الأطر العليا وحاملي الشهادات العليا توجد في الإدارة المحلية، وهو مايؤكد بدون شك أن التخطيط مدخل لإصلاح الإدارة الجماعية. العرض الثاني الذي ألقاه بوشعيب أوعبي عضو المكتب الوطني لرابطة أساتذة التعليم العالي تمحور حول «الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي»، واعتبر من خلاله بوشعيب أوعبي أن الموضوع دقيق ومتداول في الساحة الدولية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية. وقال إن مؤشرات أزمة الحكامة السياسية بدأت عند انهيار الثنائية القطبية وسيادة قطب ليبرالي، يراجع بدوره ذاته كل عقدين أو ثلاثة لتخبطه في أزمات من حين لآخر. وأضاف أن العولمة التي بشّر بها المدافعون عنها كبديل أصبحت بدورها معطوبة بعد أزمة السوق، لذلك كان لابد من التفكير في حلول وعلى رأسها الحكامة وخاصة الربط بين التنمية والديمقراطية في كل المؤسسات حتى ذات الحجم الكبير، فحتى المنتظم الأممي يطالبه العالم النامي بتوخي الحكامة وقطع الطريق أمام الفساد. وأشار إلى أن البنك الدولي كان أول من ابتكر في سنة 1989 مصطلح الحكامة عندما لمس أن المساعدات الدولية لإفريقيا لم تدبر بالشكل المطلوب على المستوى المحلي والوطني. وعلى المستوى الوطني برزت الحاجة أكثر إلى الحكامة عندما دخلت مؤسسات الدولة في أزمة، وأصبحت عاجزة عن تحقيق الغايات المنشودة، وبذلك بدا لازما فسح المجال أمام شركاء جدد وتنازل المركز (الدولة) عن بعض أدواره واختصاصاته للمجتمع المدني والقطاع الخاص خاصة في ما يتصل بالتنمية، وبذلك أيقظ توجه الحكامة في التدبير الحاجة إلى إصلاحات دستورية وسياسية وبرزت أهمية الجهوية في الحكامة السياسية وما وازاها من تقوية الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين عموما وفي تراب الجماعة المحلية بشكل خاص. وأبرز بوشعيب أوعبي أنه لإنجاح الحكامة لابد من توافر الشفافية والمساءلة والرقابة والكفاءة والفعالية والتمكين والمشاركة، موضحا أن أربعة عقود مرت لم تعرف تفعيل المساءلة بالشكل المطلوب، ليختم عرضه بضرورة فسح المجال أكثر للرقابة الشعبية. وفي سياق التعقيب أكد ناصر بنحميدوش طالب باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري وعضو اللجنة المركزية للشبيبة الاستقلالية، إن الحكامة أداة دافعة لتجاوز تراكم غير إيجابي في التدبير، موضحا أن بداية تقويم هذا الواقع هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لاتخاذ القرار المناسب في الزمن المناسب، لكن تظل المسلمة رهينة الوعي الجماعي والديمقراطية المحلية وتهاوي سلطة المال ولغة المصالح. وتطرق بعد ذلك إلى عدد من الإشكاليات المطروحة في الممارسة الجماعية وخاصة الرقابة القبلية وعلاقة الكاتب العام برئيس الجماعة ورئيس الدائرة، والبعد النوعي للموارد البشرية في الجماعة المحلية، ليختم تعقيبه بالقول إن تطبيق الحكامة يستدعي توفر مؤهلات في بعدها الاجتماعي والثقافي والسياسي بهدف إنجاح التدبير المحلي.