تتباين مرة أخرى وفي النصف الأول من سنة 2017 تقديرات المحللين السياسيين حول المسارات المستقبلبة المرجحة للصراع الدولي الدائر على أرض الشام منذ منتصف شهر مارس 2011، ويعود هذا التباين أساسا بسبب الإختلاف القائم حول التوجهات الحقيقية والعملية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أكمل في شهر أبريل 2017 مائة يوم من الحكم في البيت الأبيض، تجاه الصراع. قبل القصف الصاروخي الأمريكي لقاعدة الشعيرات السورية يوم الجمعة 7 أبريل 2017، كان هناك إقتناع لدى الكثير من المحللين أن البيت الأبيض سينفض يده تدريجيا من الصراع على أرض الشام ويركز ثقل إهتمامه على التحديات من جانب كوريا الشماليةوالصين في منطقة المحيط الهادي وبحر الصينالجنوبي، وأن دمشق بدعم من موسكو والحلفاء الآخرين ستفرض شكل التسوية. بعد القصف الصاروخي الذي شككت الكثير من مراكز الرصد الغربية وخاصة الألمانية في فعاليته بعد منع وصول أكثر من 36 صاروخا أمريكيا من طراز "كروز توماهوك" من الوصول إلى أهدافها من ضمن 59 صاروخا أطلقتها المدمرتان الأمريكيتان "يو إسس روس" و"يو إسس بورتر" من أمام سواحل فلسطين المحتلة، قدر البعض أن واشنطن ستعود بقوة لمواجهة نفوذ موسكو وستعمل على فرض إرادتها لإسقاط نظام دمشق خاصة بعد أن أكدت الأجهزة الأمنية والإستخبارية الأمريكية أن إنتصار الجيش العربي السوري ومعه حزب الله اللبناني سيشكل أخطر تهديد لإسرائيل وسيفرض على الولاياتالمتحدة مضاعفة مجهوداتها لدعم الجيش الإسرائيلي ومنع الإخلال بتفوق إسرائيل العسكري. الملاحظون سجلوا أنه رغم إشادة أغلب وسائل الإعلام الأمريكية بالعملية العسكرية التي أمر بها الرئيس ترامب ليعكس صلابة سياسته تجاه موسكو، فإن وسائل الاعلام نفسها أشارت إلى التكلفة المرتفعة للتدخل. وسائل الإعلام الأمريكية، ذكرت أن التكلفة الإجمالية للقصف الصاروخي على سوريا، تقدر بنحو 100 مليون دولار علما أن تكلفة إطلاق الصاروخ الواحد من طراز "توماهوك" تصل إلى 1.5 مليون دولار.فيما تمثل نسبة الصواريخ المستخدمة في الهجوم الأخير على سوريا نحو 1.47 في المئة من إجمالي ما تمتلكه الولاياتالمتحدة من مخزون هذه الصواريخ البالغ 4 آلاف.بينما قدرت خسائر الجانب السوري بنحو 3 إلى 5 مليون دولار فقط. أما التكلفة الإجمالية للحملة العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أي سوريا والعراق واليمن حتى 31 يناير 2017، وصلت إلى 6.2 مليار دولار، أو حوالي 480 ألف دولار في الساعة الواحدة. ومع استمرار التكاليف في الارتفاع، طالب البنتاغون بتخصيص مبلغ إضافي للميزانية الدفاعية قدره 7.5 مليار دولار من أجل مواصلة القتال. وهو ضعف المبلغ الذي خصص في 2016. مأزق سياسة واشنطن على أساس فرضية أن واشنطن في عهد ترامب ستبدل سياستها الموصوفة بالخجولة خلال فترة الرئيس السابق أوباما، فإنها تواجه حالة من تضارب المصالح والأهداف مع عدد من أهم المتدخلين منذ أكثر من ست سنوات نيابة عنها في معركة بلاد الشام، وفي المقام الأول تركيا. أنقرة راهنت منذ بداية الأزمة على تحقيق مكاسب أساسية في سوريا وإعادة رسم خطوط نظام إمبراطوري عثماني جديد في المنطقة العربية وقد قدمت لها واشنطن الكثير من الإغراءات، غير أن التدخل العسكري الروسي في 30 سبتمبر 2015 لدعم الجيش السوري بعد صموده لأكثر من خمس سنوات وهو شبه وحيد، خلط أوراق اللعبة السياسية والعسكرية، وأدى إلى إنكسار الطموحات التركية. أنقرة وبعد أن فشلت في الحصول على دعم قوى من حلفائها في الناتو في المواجهة مع موسكو بعد إسقاطها لطائرة روسيةيوم الثلاثاء 24 نوفمبر 2015، إجبرت على التقارب مع موسكو ولكن ظلت تناور حتى لا تتخلى عن مشاريعها الأساسية. موسكو وحسب عدد من المحللين وخاصة في العاصمة الألمانية برلين، تعاملت بحذر مع أنقرة وتركت القنوات مفتوحة لتحول جديد من جانب حكومة الرئيس أردوغان لأن صدامها مع واشنطن كان منتظرا أن يتكرر بسبب مشاريع البيت الأبيض القديمة الجديدة لإقامة دولة كردية تضم في المرحلة الحالية أراض من سوريا والعراق وذلك في نطاق مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الجديد القائم على إنشاء ما بين 54 و 56 دولة مكان الدول القائمة حاليا وذلك على أسس عرقية ودينية ومناطقية، وهو الوضع الذي من شأنه أن يضمن أمن إسرائيل ونفوذ وهيمنة الغرب على ثروات المنطقة لعقود قادمة. تصلب ومرونة مع بداية شهر مايو 2017 يسجل أنه بينما يتابع الجيش السوري تقدمه على جبهات عدة وإستعادته لمواقع إستراتيجية في شمال وشرق وجنوب البلاد، ويتوصل إلى إتفاقيات لإجلاء المجموعات المسلحة من مناطق سيطرة لها نحو إدلب، تسود حالة من الإضطراب او المواجهات العسكرية بين الفصائل المسلحة ويزداد تشرذم القوى العسكرية والسياسية التي تواجه الجيش السوري. وزيادة على ذلك يتصاعد التوتر بين تركيا والولاياتالمتحدة بسبب إصرار الأخيرة عدم التخلي عن المجموعات الكردية التي توجد في حالة صدام مع أنقرة. يوم الأحد 30 أبريل 2017 صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه سيسأل نظيره الأمريكي دونالد ترامب عن لقطات الفيديو والصور الفوتوغرافية التي أظهرت رايات وحدات حماية الشعب الكردية مرفوعة على قافلة أمريكية في شمال سوريا، معربا عن حزنه لمشاهدة عربات أمريكية وعناصر من الوحدات الكردية تقوم بدوريات على الحدود التركية السورية. وكثفت تركيا هجماتها ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وضد وحدات حماية الشعب في شمال سوريا. ويشن حزب العمال الكردستاني تمردا في جنوب تركيا منذ ثلاثة عقود ضد الدولة التركية. وتعتبر الولاياتالمتحدة وتركيا الحزب منظمة إرهابية. وقال إردوغان خلال مؤتمر صحفي في اسطنبول إن الولاياتالمتحدة ينبغي أن توقف تعاونها مع وحدات حماية الشعب الكردية. ووحدات حماية الشعب الكردية هي المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف لفصائل عربية وكردية تقاتل مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية بدعم من واشنطن. وشنت تركيا غارات نهاية أبريل على مقر قيادة الوحدات الكردية في شمال شرق سوريا ما أوقع 28 قتيلا. كما سجلت اشتباكات بين الجيش التركي والمقاتلين الأكراد على طول الحدود. وأرسلت الولاياتالمتحدة عربات عسكرية ترفع أعلاما أمريكية إلى الجانب السوري من الحدود للقيام بدوريات مع مقاتلي وحدات حماية الشعب ولمنع أي اشتباكات جديدة. وقال إردوغان "سنتحدث في الأمر حين نلتقي في 16 مايو"، مبديا أسفه لاستمرار التعاون بين القوات الامريكية ووحدات حماية الشعب الكردية. وشدد على أن "هذا الأمر يجب أن يتوقف فورا وإلا فإن هذه المعضلة ستستمر بالنسبة للمنطقة ولنا". وذكر قائد في وحدات حماية الشعب الكردية يوم الجمعة بعد الاجتماع مع مسؤولين أمريكيين في دربسية قرب الحدود التركية، إن هذه القوات التي نشرت على المسافة يبن المالكية وعين العرب "كوباني" سوف ترفع تقارير لكبار القادة العسكريين الأمريكيين. وقام المسؤولون بجولة في دربسية التي ضربتها المدفعية التركية في وقت سابق. وكان الرئيس التركي قد شدد يوم 28 أبريل على أن أنقرة لن تسمح أبدا بإقامة "دولة" في شمال سوريا، واصفا أولئك الذين يسعون إلى ذلك بأنهم "جهلاء". ووجه أردوغان تحذيرا إلى هؤلاء، قائلا إن "كل جاهل جسور"، مؤكدا أن هذه المساعي لن تبقى بلا رد تركي. وربط أردوغان موقفه هذا بمعارضة تركيا لتقسيم سوريا ودعمها لوحدة أراضيها، كما شدد على أن تركيا لن تسمح بفتح "ممر إرهابي" قرب حدودها. وأكد أنه ينتظر من حلفاء تركيا إبداء التضامن مع أنقرة حول هذه المسألة. موسكو ودعم دمشق بينما يكثر الجدل في الغرب عن إمكانية تبديل موسكو لموقفها من سوريا لو تم تقديم مقابل مجدي سياسي وعسكري وإقتصادي، تظهر المعطيات العملية أن الكرملين يعتبر المواجهة مع الغرب على أرض الشام أحد الدعامات المركزية والأساسية في عملية مواجهة جهود واشنطن لفرض طوق حصار على روسياوالصين ومنع قيام نظام عالمي جديد قائم على تعدد الأقطاب. صحيفة "وول ستريت جورنال" وفي تقرير لها كشفت نقلا عن ما أسمته مرجع عسكري عالي جدا أبعاد وعمق الدعم الروسي فقالت: أن روسيا قد قامت بتخريج ضباط سوريين وإعطاء الأسلحة الى سوريا لتأكيد التعاون الاستراتيجي بين الجيشين السوري والروسي. و أضافت الصحيفة أنه نظرا للحرب الدائرة في سوريا وتعطل الكلية العسكرية الجوية السورية جزئيا على تدريب ضباطها والقدرة على تخريج ضباط مدرعات وعدم القدرة على تخريج ضباط مشاة، اخذت روسيا على عاتقها تخريج 100 ضابط طيار حربي سوري على طائرات الميغ الحربية الحديثة، و500 ضابط مدرعات على دبابة ت – 90، و1500 ضابط مشاة مع دورة مغاوير، و500 ضابط مدفعية. وشرعت موسكو في مد سوريا بحوالي 5 اسراب طائرات روسية من طراز ميغ 29 وربما ميغ 31. و أضافت الصحبفة ان روسيا تشحن إلى سوريا 1000 دبابة ت 90 و2000 مدفع من عيار 130، وملالات مدرعة عددها 2000 ناقلة للجنود. القيادة العسكرية الروسية أكدت كذلك أنها ستدرب الجيش السوري على السيناريو الفيتنامي في إستخدام الصواريخ للتصدي للامريكيين. يوم الأربعاء 26 أبريل أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن بلاده ستتصدى لمحاولات عدد من الأطراف لتقويض العملية السياسية في سوريا والسعي إلى إطاحة الحكومة الشرعية في دمشق. وأشار إلى أن بلاده لمست محاولات بعض الدول للالتفاف على قرار مجلس الأمن 2254 والعودة إلى المطالبة بتغيير النظام، مضيفا أن "من المنطقي أن نتصدى لهذه المحاولات، وأنا على ثقة من أن مجلس الأمن لن يتراجع عن موقفه بشأن القرار 2254". في الوقت الذي كثرت فيه التهديدات المتبادلة بين أطراف الصراع على أرض الشام، أظهر تقرير لمؤسسة "غلوبال فاير باور" الأمريكية حول الجيوش، تربع الجيش المصري للعام الثاني على التوالي في المرتبة الأولى في ترتيب أقوى الجيوش العربية، فيما جاء الجيش السعودي في المرتبة الثانية. وقد أشار تقرير المؤسسة الذي أصدرته، شهر أبريل وبدأت بدراسته منذ منتصف عام 2016، للتصنيف العالمي لجيوش الدول، إلى احتلال سوريا المرتبة الرابعة، على مستوى العرب. ولم تعق الحرب التي دخلت عامها السادس وما خلفته من حالة إنهاك للقوات السورية، من أن يحصل الجيش السوري على المرتبة الرابعة عربيا، وال36 دوليا بعدما كانت ال42 دوليا في 2015 على القائمة التي شملت 126 دولة. الهدف تدمير الجيش السوري تركيز عدد من خصوم حكومة دمشق وساسة الغرب على مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد كمدخل لحل الصراع يخفي وراءه هدف تدمير الجيش السوري. فيوم 14 أبريل 2017 أقر مسؤول سابق في حلف الناتو أنه في حال مغادرة الرئيس السوري بشار الأسد منصبه فإن القوات العسكرية السورية ستنهار وتخسر معركتها في محاربتها التنظيمات المسلحة . وقال رئيس أركان الجيش الألماني السابق الرئيس الأسبق للهيئة الحربية في الناتو، هارالد كوجات، إن "الأمر لا يتعلق بمغادرة الأسد للسلطة وإنما يعتمد ذلك على الوقت والظروف المناسبة التي ستفرض حدوث ذلك". وتابع كوجات خلال مقابلة مع التلفزيون النمساوي يوم 13 أبريل، "روسيا أشارت في 2015 إلى ضرورة وجود هدنة في سوريا، وتشكيل حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات حرة"، إلا أن مسألة مشاركة الأسد في هذه الانتخابات غالبا ما شكلت نقطة الجدل المثيرة بين واشنطنوموسكو. وأضاف كوجات، "ما نسمعه اليوم من الإدارة الأمريكية، لا يحمل أي توضيح، يقولون لنا فقط بأن على الأسد الرحيل، هذا مفهوم ، لكن بودي أن أسمع منهم ردا واضحا ومحددا، أنه متى سيحدث ذلك بالفعل.. كما أن مجموعة السبع الكبار تقول أيضا إن على الأسد الرحيل، فقط لا أكثر من ذلك.. والسؤال يدور، ماذا سيحدث في النهاية، إذا كان الكل مقتنعون بأن الأسد سيخضع عاجلا أم آجلا للمسائلة، فإنه بالتأكيد لن يلعب أي دور في الانتخابات، أو عملية السلام".. "لكن المهم، هو إن غادر الأسد اليوم فالجيش السوري سينهار ولن تكون هناك قوات برية قادرة على هزيمة داعش والتنظيمات الأخرى، في الوقت الذي ينصب اهتمامنا حول ذلك كما هي رغبة ترامب أيضا في هزيمة داعش". كما اعتبر كوجات أن الدول الغربية التي تؤيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتهكت القيم الغربية، بالهجوم على سيادة الدولة السورية. وأشار الجنرال إلى أن الغرب كان ينظر بسلبية إلى ترامب، إلا أنه بعد الضربة الأخيرة على مطار الشعيرات في سوريا أصبح ترامب بمثابة البطل في عيون الغرب، الأمر الذي يطرح سؤالا ما هي السياسة المتوقعة؟ "البعض طالب ترامب بضرورة مراعاة التطلعات الغربية وإلا فلا أحد سيتعاون معه" .. "الاعتداء على دولة ذات سيادة، في الوقت الذي لا يوجد فيه حتى الآن أي دليل على الهجوم الكيميائي على إدلب، وبذلك يصبح ترامب المفضل لجميع رؤساء الغرب وكذلك وسائل الإعلام. أليس هذا غريبا؟". تجاهل مقصود يوم 26 أبريل سلطت صحيفة "فزغلياد" الروسية الضوء على الانتصارين الاستراتيجيين، اللذين أحرزتهما قوات الجيش العربي السوري في الأيام الأخيرة، مشيرة إلى أن هدف دمشق المقبل هو محافظة إدلب. جاء في المقال: خلال الأسبوع الماضي، وبشكل غير ملحوظ لكل العالم، أحرزت قوات سوريا الحكومية انتصارين كبيرين، يمكن مقارنتهما استراتيجيا باستعادة تدمر. ويسمح تكوين شكل الجبهة الجديد بتسمية هدف دمشق التالي الكبير وهو محافظة إدلب، التي كانت مسرحا للفضيحة الكيميائية. لكن أسباب البهجة لا تقف عند هذا الحد. فقد بدأ كل شيء في الجنوب-الغربي على الحدود مع لبنان، حيث وعلى مدى عدة سنوات، أحكمت مجموعات "جهادية" مختلفة سيطرتها على مساحة كبيرة جدا بالمعايير المحلية من الأرض. أما الآن فتحولت بعد اتفاق محدد إلى سيطرة دمشق. وبهذا، يكون قسم كبير من المسلحين قد غادر المنطقة من دمشق إلى مرتفعات الجولان والحدود اللبنانية إلى إدلب، كما جرت عليه العادة. وبقيت في هذا الاتجاه نقطتان سكنيتان غير كبيرتين على مقربة من الحدود، لم تتمكن السلطات السورية من الاتفاق بشأنهما. هاتان البلدتان قاومتا الحصار، وحولهما كان يعلو صخب المنظمات الدولية. لكن الجبهة الجنوبية الغربية قد انتهى وجودها بصورة عامة، رغم أن الخطر على هذا الاتجاه بقي مخيما فقط على مدينة درعا وعدد من القرى الشركسية الواقعة في مرتفعات الجولان. وهذه العملية، التي انتهت من دون إطلاق نار تقريبا، لم تجذب اهتمام المجتمع الدولي. أما العملية في شمال محافظة حماة، فأثارت من جديد موجة من السخط في وسائل الإعلام، التي اعتمدت المبدأ المعروف "الأسد يقصف المستشفيات"، ولكن الأمر جرى كالتالي: تمكن خط جبهة "الجهاديين"، الذي جعل من بلدة اللطامنة الكبيرة نسبيا ركيزة أساسية له، من الصمود أمام كل محاولات الاختراق على مدى فترة طويلة من الزمن. وتبرز أهمية هذا المقطع من جبهات القتال في السهول، التي تقع شمال مدينة حماة، حيث تنفتح عبرها الطريق إلى إدلب، متجاوزة بذلك المناطق الجبلية الصعبة غربَ محافظة اللاذقية، ما يسهل ويسرع في تقدم القوات الحكومية إلى محافظة إدلب. وهكذا، في يوم 20 أبريل، وبوتيرة سريعة قطعت القوات الحكومية الجزء الأبرز من "نتوء خط جبهة" المسلحين، وحتى يوم الاثنين أصبحت طلائع قوات الجيش السوري على بعد كيلومترين من بلدة اللطامنة، ونجم عن ذلك انهيار فوري في خطوط دفاعات المسلحين، التي كانت قادرة على الصمود في وجه كل الاختراقات على مدى السنوات الثلاث الأخيرة. في مراكز الرصد الأوروبية يشار إلى أنه في مقابل وجود وحدات عسكرية برية أمريكية في شمال سوريا لدعم أطراف معينة يظهر أن الكرملين يعد لرد. فيوم 21 أبريل أكد الرئيس السوري بشار الأسد أنه قد تصبح هناك حاجة لعملية عسكرية برية روسية في سوريا. وذكر الأسد في حوار مع وكالة سبوتنيك الروسية للأنباء إن "الدعم العسكري الروسي لا يقتصر على قاعدتهم الجوية في سوريا. في الواقع هم يعرفون احتياجات المعركة، الوضع متقلب". وتابع "ربما في المستقبل، إذا غير أعداؤنا وداعموهم وإرهابيوهم ووكلاؤهم استراتيجيتهم وأحضروا المزيد من الإرهابيين من سائر أنحاء العالم، وباتت هناك جيوش كاملة من الإرهابيين، قد تصبح هناك حاجة لعملية عسكرية برية روسية". بيد أن الأسد قال "حتى هذه اللحظة، لا أعتقد أن هناك حاجة، ما تم القيام به جيد وكاف". الفرار الكبير يظهر أن عددا كبيرا من مقاتلي التنظيمات المسلحة التي تقاتل ضد الجيش السوري بدأت تقتنع أنه لا مستقبل لها رغم الدعم الكثيف لأطراف خارجية. يوم 27 أبريل طرح تقرير لموقع لهافينغتون بوست الأمريكي سؤال مفاده: هل اقتربت نهاية تنظيم داعش وأشباهه أم أن التنظيم سيتحول إلى شكل جديد أكثر خطورة؟ فقد كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن أعداداً كبيرة من المقاتلين الأجانب من مؤيدي التنظيمات المسلحة، تتجه نحو الحدود التركية في محاولة للفرار. وحسب هذا التقرير الحصري الذي نشرته الغارديان البريطانية يوم الخميس 27 أبريل 2017، فإن من هؤلاء المقاتلين يفرون بشكل جماعي جفف صفوف التنظيم الإرهابي التي استنزفت من المجندين والمقاتلين خاصة الأجانب. الأسبوع الماضي، استسلم لشرطة الحدود التركية كل من ستيفان أريستيدو البريطاني من إنفيلد بشمال لندن مع زوجته البريطانية، وكيري بول كليمان من فلوريدا الأمريكية، وذلك بعد أكثر من عامين أمضاهما الثلاثة داخل مناطق سيطرة داعش، حسبما أكدت المصادر ل"الغارديان" البريطانية. وكانت الأسابيع الأخيرة قد شهدت فرار العشرات من المقاتلين الأجانب الذين ألقي القبض على بعضهم أثناء عبورهم الحدود التركية، فيما تتهاوى "الخلافة" الداعشية وتنهار سيطرتها على الأراضي في سوريا والعراق. لكن عددا غير معروف منهم يعتَقد أنهم تمكنوا من الإفلات من أعين خفر الحدود والعبور إلى الداخل التركي. جريدة "الصن" البريطانية كشفت من جانبها، أن مقاتلي تنظيم داعش يلجأون إلى طريقة جديدة، من أجل تغيير أشكالهم والتخفي عن أعين أجهزة الأمن وتتمثل بزراعة الشعر وتبديل الملامح في عيادات طبية بتركيا تستقطب زبائنها يوميا من مختلف أنحاء العالم. وانكشفت هذه الحيلة أخيرا، بعد أن تمكنت أجهزة الأمن التركية من إلقاء القبض على اثنين من مقاتلي "داعش" كانا ضمن المطلوبين، الذين عبروا الحدود إلى الأراضي التركية قادمين من سوريا بغرض زراعة الشعر، تمهيدا لتغيير أشكالهم والتنكر بشكل كامل بما يبعد أعين أجهزة الأمن عنهم. وتبين أن الاثنين اللذين تم اعتقالهما خلال عملية في تركيا يحملان الجنسية الألمانية، وهما عدنان سوتكوفيك وزولهاجرات سيديني، من جهة أخرى، أكدت مصادر داخلية في تنظيم داعش، مِن آخر معاقله السورية، ل"الغارديان"، أن صفوف التنظيم تعاني تقلصا سريعا في أعقابِ تقدم الهجمة البرية نحو أعتاب الرقة والطبقة شمال شرقي البلاد، حيث كانت المنطقتان مرتعا يعج بالمجندين والمقاتلين الأجانب طيلة السنوات ال4 الأخيرة. ويقول المسؤولون في تركيا وأوروبا إن عددا متزايدا من عملاء داعش الذين انضموا إليها منذ 2013 قد أجروا اتصالات بسفارات بلدانهم أملا في العودة، لكن من المعتقد أن آخرين تمسكوا بأيديولوجية التنظيم المتطرفة سوف يستخدمون موجة العودة هذه للتسلل إلى تركيا والعبور منها إلى أوروبا، لأخذ الثأر والانتقام للخلافة المتهاوية، ما يزيد من مخاوف تجدد الهجمات في القارة الأوروبية. وحسب ظن وكالات الاستخبارات الألمانية، فإن من بين هؤلاء أعضاء بارزون ينتمون إلى ذراع عمليات التنظيم الخارجية، حيث كان هؤلاء قد انضموا إلى داعش من عدة بلدان أوروبية، منها بريطانيا وفرنسا وبلجيكا، إضافة إلى أستراليا. ويعتقد أن نحو 250 على الأقل من معتنقي الفكر المتطرف الأجانب قد جرى تهريبهم إلى داخل أوروبا بين أواخر 2014 وحتى منتصف 2016، معظمهم شق طريق عودته عبر تركيا بعد تخطي الحدود التي باتت أكثر تشديدا وتضييقا الآن. وقالت الشرطة التركية إنها أجرت سلسلة اعتقالات في وقت سابق من عام 2017، نتج عنها قطع طرق تهريب اعتاد المسير بها المهربون عبر اليونان وبلغاريا، لكن مع ذلك يرى مسؤولو المخابرات في المنطقة أن ثمة طرقات ومنافذ أخرى للتهريب ما تزال سالكة رغم كل الجهود لسدها في وجه المهربين والمتسللين. يقول شيراز ماهر، نائب مدير المركز الدولي لدراسة الراديكالية في جامعة كينغز كوليدج البريطانية: "على أوروبا أن تبقي على حذرها، فالخطر داهم وقد يشتد أكثر في الأشهر والسنوات المقبلة مع تزايد وطأة الضغط على تنظيم داعش". أما مسرور بارزاني، المستشار الأمني بشمال العراق، فقال: "إن طبيعة القتال ضد داعش سوف تتغير إلى حرب استخباراتية. هزيمة داعش العسكرية تسلبهم الأرض وتحول دون اجتذابهم وتجنيدهم المزيد من المقاتلين الأجانب، وهذا من ثم سيثني ويفت حماسة المقاتلين الأجانب عن البقاء في هذه الخلافة المزعومة، فيحاولون في النهاية الهرب أو الاستسلام". لكنه تابع قائلا: "مع ذلك، ينبغي عدم الاستهانة بالخطر الذي قد يشكله المقاتلون الأجانب لدى عودتهم إلى بلدانهم". وقود لحروب قادمة حجم الفارين من الأجانب من ساحة الحرب في بلاد الشام غير مضبوط حتى الآن، غير أن هناك شبه إجماع بأنهم سيفوقون 100 الف، وتعتبر بعض أجهزة الرصد أن جزء من هؤلاء سيستخدمون من طرف القوى التي جندتهم لنشر الفوضى في دول أخرى بالمنطقة الشرق أوسطية وذلك ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير. يوم 26 أبريل 2017 خرج عضو الأمانة العامة للمؤتمر الوطني الديمقراطي السوري هيثم مناع المحسوب على خصوم النظام السوري عن صمته ليقول إن جماعات بإمرة تركيا كانت في طور الإعداد لاغتياله، وأن "لا علاقة للسوريين بالأمر"، مشيرا إلى وجود 54000 جثة ل "جهاديين جاؤوا من خارج سوريا" قتلوا حتى الأن في الصراع، وأن عدد جثث هؤلاء في سوريا أكبر من عدد "الجهاديين" الذي قتلوا في أفغانستان. وخلال برنامج حوار الساعة مع الميادين، ذكر مناع أن "عدد المقاتلين في سوريا من غير السوريين بلغ حوالي 100 ألف"، مشيراً إلى "أنه لا يوجد من المجتمع السوري أكثر من 2000 جهادي والبقية هم من الأجانب". وفي ما يتعلق بالخطوات القادمة بخصوص الحوار السوري، قال "إنها ترتكز على التواصل مع بقية الأطراف السياسية لبناء جبهة وطنية ديمقراطية. يذكر أن دراسة ألمانية نشرت نهاية شهر أغسطس 2016 أعدها مركز الدراسات الألماني "فيريل" أفادت أن مجموع المسلحين الأجانب من كل الجنسيات الذين قاتلوا ضد سوريا منذ 2011 بلغ 360 ألف أجنبي بالتناوب أي إنهم لم يجتمعوا دفعة واحدة، مشيرة إلى أن تركيا تحتل المرتبة الأولى من حيث المسلحين الذين شاركوا في القتال، إلى جانب 24 ألف خليجي. وذكرت الدراسة أن أكبر تجمع للمسلحين الأجانب في التاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية حصل في سوريا، نظرا لأن عدد الجنسيات المقاتلة ضدها بلغ 93 جنسية من كل القارات. كما أشارت الدراسة إلى أن العدد يشمل رجالا ونساء، وكل من شارك في القتال بشكل مباشر أو بالدعم العسكري أو اللوجستي والأطباء والممرضين وما يسمى مجاهدات النكاح، فيما قتل منهم 95 ألفا، بحسب الدراسة. وقدرت الدراسة أنه تم صرف حوالي 45 مليار دولار لتمويل الأعمال المسلحة ضد الجيش السوري، مشيرة إلى دولا عديدة قامت بتمويل شحنات الأسلحة لداعش والنصرة وغيرهما تحت مسمى دعم المعارضة المعتدلة. حلف مع إسرائيل يوم 26 أبريل وفي تقرير جاء من الناصرة في فلسطين المحتلة أعلنت ما تسمى جبهة "الإنقاذ الوطني السورية" المعارضة، عن تأسيس منظمة "سوريون ويهود من أجل السلام" وهي منظمة مدنية غير سياسية تسعى لتحريك فكرة السلام بين سوريا وإسرائيل. وقال منسق الجبهة فهد المصري، كما أفاد صوت إسرائيل باللغة العربية، إن الهدف الأول والوحيد لتأسيس المنظمة هو الدفع نحو السلام بين سوريا وإسرائيل وسلام الشرق الأوسط، والعيش المشترك بين الشعوب. وأشار إلى أن باب الانضمام إلى المنظمة سيكون مفتوحا أمام كل السوريين واليهود حول العالم الذين يؤمنون بالسلام وثقافة السلام والتسامح والحوار ورفض العنف والتطرف والإرهاب، على حد تعبيره. وعلّق المصري على المرحلة الجديدة من تولي إدارة الرئيس الأمريكيّ ترامب بالقول: دون شك سندخل مرحلة جديدة قريبا، وأفكارنا للحل قريبة جدا من الأفكار التي تعمل عليها الدوائر القريبة من الرئيس ترامب، وهي حكم مجلس عسكري للمرحلة الانتقالية يساعده مساندة قوات ردع عربية وتركية لتساعد على ضبط الحدود واستعادة السيطرة وإعادة الأمن والاستقرار ومحاربة التطرف والإرهاب. والتعاون والتنسيق بين إسرائيل وبين عدد ممّا تسّمى بالفصائل السورية المُعارضة ليس جديدا، فقد ظهر للعلن فصل آخر من مسلسل تعاون وتنسيق عدد من مسؤولي "الجيش السوري الحر" مع إسرائيل، وذلك عبر رسالة وجهها المسؤول السابق في إدارة الإعلام المركزي لما يُطلق عليها القيادة المشتركة للجيش السوري الحر وقوى الحراك الثوري، ومنسق "جبهة الإنقاذ الوطنيّ"، فهد المصري. وكان لافتًا للغاية أنّ الرسالة وُجّهت إلى الشعب الإسرائيليّ وإلى حكومة بنيامين نتنياهو، على حدٍّ سواء. الرسالة، التي تناولها التلفزيون الإسرائيلي الناطق بالعربية في نشرته المركزيّة، دعت دول العالم، وبشكلٍ خاص إسرائيل، إلى التعاون والمساعدة على إسقاط النظام السوري، على حد تعبيرها. وكانت الرسالة بمثابة لقمة سائغة للإعلام العبري لتمرير الأجندات الإسرائيلية الرسمية. جدير بالذكر أنه في خطوة غير مسبوقة سمحت سلطات الجيش الإسرائيلي لطاقم من موقع "فييس" بتوثيق عمليات استيعاب الجرحى السوريين في المستشفى الميداني، الذي أقامته إسرائيل في الجولان العربي السوري المُحتّل، وبعد تلّقي العلاجات الأولى، قال المُراسل سيمون أوستروفسكي، يقوم الجيش بنقل الجرحى إلى المستشفيات الواقعة في شمال إسرائيل. وكان النائب السابق في الكنيست، الشيخ عباس زكور، قد قال في حديثٍ مع "رأي اليوم" إن إسرائيل تربح من علاج الجرحى كثيرا، حيث أنه يبدو أن هناك جهة خارجية عربية تتكفل بمفاريف العلاج. عمر نجيب للتواصل مع الكاتب: [email protected] تقلبات الصراع على أرض الشام: واشنطنوموسكو والرهان على تبديل موازين القوى العالمية.. بقلم // عمر نجيب