المعطيات التي جاءت بها دراسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والتي أنجزها البرنامج الوطني لتقييم مكتسبات التعليم توضح بجلاء حال القيم بالمدرسة المغربية، فالإشارة إلى أن 15 في المائة من التلاميذ يدخنون السجائر و13 في المائة يتعاطون المخدرات داخل المؤسسات التعليمية و10 في المائة يستهلكون الكحول، كما أن 56 في المائة من التلاميذ لديهم رؤية سلبية حول المناخ المدرسي ويعاني 18 في المائة من التلاميذ من التحرش الجنسي والنفسي داخل فضاء المؤسسات التعليمة…المعطيات وان رسمت صورة قاتمة عن القيم في المدرسة المغربية إلا أنها ليست جديدة وما هي الا خلاصات وتجميع لما ورد في تقارير كثيرة وطنية ودولية لكن الجديد فيها أن التقرير حمل مسؤولية المشاكل، التي تتخبط فيها المدرسة المغربية على مستوى القيم للدولة المغربية، أولا، من خلال المؤسسات المسؤولة بشكل مباشر على المدرسة، كما حمل المسؤولية للأطر التربوية والإدارية، مشيرا إلى أن تنامي مظاهر السلوك، المنافي لمنظومة القيم المدرسية، والمتمثلة في مختلف الممارسات اللاتربوبة المتفشية فيها، كان بسبب ضعف الانسجام بين مكونات المناهج التربوية، وعدم وضوح منظومة القيم المدرسية، ووجود هوة كبيرة بين الخطاب النظري، المعبر عنه في الوثائق المرجعية حول القيم، والحقوق، والواجبات، وبين الممارسة الفعلية لها، وتأخر مؤسسات الدولة في القيام بالمراجعات الضرورية للمقررات، والمضامين الدراسية. إن الأمر في اعتقادنا يتجاوز التشخيص وتقديم هكذا وصفات الى طرح مقاربات عملية حسب مكان ومصدر ونوع ودرجة خطورة الحالة المرصودة سواء كعنف أو غش أو تعاط للمخدرات بمعنى كل ما يهدد القيم، واقتراح الآليات سواء على مستوى المؤسسة من خلال تفعيل أدوار ومهام مجالس المؤسسة وجمعية أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ و مراكز الاستماع والوساطة ، حيث تتولى هذه الأخيرة مهام الرصد والاستماع والوساطة والمصالحة و فض النزاع وتقديم المشورة والاستشارة القانونية والتوجيه….أو على مستوى التنسيق مع قطاعات أخرى ومتدخلين آخرين كمصالح الأمن والوقاية المدنية والدرك الملكي والمصالح القضائية و الصحية والمرصد الوطني لحماية الطفولة والجمعيات ذات الصلة والتركيز أيضا على الدور الذي يمكنه أن تلعبه مؤسسات التنشئة الاجتماعية، مع تعزيز كل هذا بمراكز إقليمية وجهوية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي ونشر القيم الايجابية والتربية عليها انطلاقا من برامج عملية وليس على الورق فقط، اذ نقترح أن تتولى هذه المراكز وضع قاعدة المعطيات حول ظاهرة العنف بالوسط المدرسي على مستوى الجهة، الإشراف على إنجاز دراسات حول العنف بالوسط المدرسي على صعيد الجهة، تقييم الإجراءات والتدابير المتخذة للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي بالجهة، نشر تقارير دورية لحصيلة العنف بالوسط المدرسي بالجهة والاقليم، تقديم اقتراحات عملية ، مستنبطة من نتائج الدراسات الميدانية وضبط التجارب الناجحة من أجل التقاسم وتنظيم تكوينات للأساتذة والإداريين وكل المتدخلين على كيفية التعامل مع إشكالية العنف. إن السؤال الجوهري حول القيم وعلاقتها بالأدوار المنوطة بالمدرسة ، يستحضر بدون شك حجم هذه المؤسسة وطبيعة وشكل وظائفها تجاه المجتمع، إلا أنه لا ينبغي أن يحجب عنا أهمية الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها مجالات وقطاعات أخرى في إطار الاشتغال المتكامل والمنسجم ، وإلا فسيظل أداء المدرسة، على الرغم من أهميته، معزولا عن باقي مؤسسات الدولة والمجتمع معا. فإشكالية الوقاية والحد من القيم السلبية يبدو أنها أكبر من مقاربة أمنية وتربوية أو خطة داخل أي قطاع على حدة، دون استحضار مستوى النمو الاقتصادي ونسبة الأمية والبطالة …، مسألة القيم وتدهورها قضية مجتمعية ذات تداعيات خطيرة على المجتمع ككل، وهي قضية كل القوى والفعاليات المغربية المتنوعة والمتعددة، إذ لا يمكن العمل على مناهضة السلبية منها وتثمين الايجابية والتربية عليها إلا بناء على قاعدة المسؤولية المشتركة، والعمل الممتد في الزمن، والانخراط العملي والمهني والوجداني في مشروع أوسع وأشمل وأرقى، وذلك بتضافر جهود كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافية، وكل الهيآت ذات الطابع التأطيري والتثقيفي والتوعوي داخل المجتمع ومؤسسات الدولة.