كيف يحتمي المرشحون الرئاسيون بالهجرة من زاوية أنها السبب الرئيسي في كل مشاكل فرنسا الاقتصادية والأمنية * العلم: باريس – بقلم // أحمد الميداوي موضوع الإسلام والهجرة حضرا بقوة خلال المناظرة التلفزيونية الأولى بين المرشحين الخمسة الرئيسيين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وهم فرانسوا فيون (يمين) وإيمانويل ماكرون (مستقل) ومارين لوبان (اليمين المتطرف) وبونوا هامون (اليسار) وجان لوك ميلنشون (اليسار المتشدد). وتخللت هذه المناظرة الفريدة من نوعها في تاريخ البلاد والتي استمرت نحو ثلاثة ساعات ونصف الساعة، عدة مشاداة كلامية بين من ينظر إلى الهجرة الشرعية على أنها عامل إغناء وثروة لفرنسا ومن يرى فيها مصدرا لشقائها. والملفت في المناظرة أن ممثل حزب "الجمهوريون"، فرانسوا فيون، الغارق أمام المحكمة في قضايا مرتبطة بالاحتيال والتزوير، أعطى لحملته منحى إضافيا نحو اليمين المتطرف، في محاولة لكسب الأصوات المائلة للجبهة الوطنية (اليمين المتطرف)، واختار الاحتماء بالهجرة من زاوية أنها السبب الرئيس ففي مشاكل فرنسا الاقتصادية والأمنية. وقد حرص في المناظرة كما هو الحال في كل تجمع انتخابي أو ظهور إعلامي، على تكريس الاتجاه اليميني لحملته بتوجيه ضربات قاسية جديدة للهجرة الشرعية من خلال الزعم بأن أزيد من 60 في المئة من مهاجري شمال إفريقيا إلى كندا والولايات المتحدة، يحملون شهادات عليا، بينما 87% من مهاجري الفئة نفسها في فرنسا لم ينهوا دراسة ابتدائية أو ثانوية مما يعني أن "الأكثر كفاءة يذهبون إلى غيرنا ونحن نحتفظ بالأقل كفاءة ومردودية". كلام فيون فاضح لسياسة الأرقام المجحفة التي تتفاقم كالعادة مع اقتراب مواعيد الانتخابات. ولا يخرج في صلب فلسفته الاجتماعية عن تحويل منابع الهجرة نحو فرنسا من البلدان الواقعة جنوب المتوسط إلى تلك الواقعة في شرق أوربا بما يكرس التمييز بين الآدميين وففق أصولهم وألوان بشرتهم، ويثبت أن هناك شريحة واسعة من الأفارقة والمغاربيين يعيشون في فرنسا بهوية منحطة ومصطنعة بعد أن ضاعت منهم هويتهم الحقيقية بفعل الهجرة الطلابية والتمييز العرقي وانتكاسات التاريخ.. ويحرص مرشحو اليسار والوسط على الخصوص، إدراكا منهم لأهمية الصوت العربي (على قلته)، على إعطاء التعددية الثقافية والفكرية بعدا أعمق. مما يعكس من جهة الثقل الذي باتت تمثله الجالية العربية في المشهد الفرنسي العام، ومن جهة أخرى قدرتها على التأثير في مجرى الحياة السياسية في فرنسا. ولا بد هن من الإقرار بأن ضعف الصوت العربي وعزوف الجالية العربية والإسلامية عن التصويت في مختلف الاستحقاقات السياسية، وخاصة منها الرئاسية، يقع جزء كبير منه على عاتق أعضاء الجالية المغاربية أنفسهم فيما أصبح عليه وضعهم، خاصة مع ما يتوفر لهم من فرص في المجتمع الفرنسي للدفاع عن حقوقهم ضد ثقافة الغيتو والتهميش والانفصال عن المجتمع المحيط. فلم تتمكن هذه الجالية حتى اليوم من صياغة مرجعية سياسية مشتركة أو مؤطرة بشكل يسمح بالتلاقي حول أهداف انتخابية محددة وتطلعات سياسية واجتماعية موحدة، وما زالت منقسمة بين من يتبنى مرجعية يمينية وآخر يسارية إلى ثالث يحاول حصر انتمائه بالحدود الجغرافية لبلده الأصل فقط. وإذا كانت قراءة شمولية في أرقام المشاركة سابقا في الانتخابات الرئاسية تعطي الانطباع بضعف الصوت المغاربي في هذه الاستحقاقات، فإن قراءة موازية في جوهر الحملة تؤكد عدم تخلص الأحزاب الفرنسية من عادتها في جعل الهجرة محورا أساسيا في حملتها الانتخابية حيث لا تجد ذات الأحزاب فرصة أليق من الهجرة لإعادة تلميع صورتها. ولا بد هنا من الوقوف على بعض من الخطابات والمواقف السياسية التي تتسابق الأحزاب في الترويج لها أثناء حملاتها الانتخابية بشأن موضوع الهجرة، وأهمها حزب المرشح فيون "الجمهوريون" الذي يبني شعبيته على الهجرة المنتقاة كحل ضروري لضبط الهجرة. والهجرة المنتقاة في مفهومه هي ترحيل مئات الآلاف ممن لا يتوفرون على تكوين عالي أو رأسمال لإقامة مشاريع اقتصادية مربحة لفرنسا. وهو يتبنى أيضا بعض طروحات الجبهة اليمينية المتطرفة فيما يتعلق بالربط بين المهاجرين ومشاكل البطالة وانعدام الأمن والجريمة. أما موقف اليسار مجسدا في الحزب الاشتراكي، فيقوم على ترديد عبارات الديمقراطية والمساواة والتنوع الثقافي والعرقي مع البحث عن آليات لتجسيده، دون أدنى عمل ملموس لفائدة المهاجرين، بل يربط شروط دخولهم وإقامتهم وحقوقهم الاجتماعية والقانونية في فرنسا، بضوابط تكون أحيانا تعجيزية. وأثبتت التجارب أن الحزب ينهج سياسة غامضة تبدي تساهلا في الشكل وتصلبا وتشددا في الجوهر. وتتبنى الحركة الديمقراطية (حزب الاتحاد من اجل الديمقراطية سابقا) سياسة الوسط. فهي ترفض القول إن الهجرة تضر بالهوية الوطنية وترفض أيضا التفكير بمنطق الربح والخسارة عند الحديث عن الهجرة، لكنها في الواقع تغازل اليمين وتتركه ينوب عنها في الترويج لما تؤمن بها في الداخل. وتبقى ضمن هذه الخارطة، الجبهة الوطنية المتطرفة التي تبني برامجها الانتخابية بوضوح على معاداة الهجرة والعمل على الوصول بها إلى الصفر، باعتبارها إفقارا لفرنسا وتهديدا لثقافتها وهويتها. وتقول بترحيل المهاجرين حتى وإن كانوا متجنسين والتوقف عن بناء المساجد. وفشل التيار اليميني المتطرف في كسب التأييد الشعبي لموقفه الناقم على الهجرة، جعله يوجه أنظار الفرنسيين والأوربيين بشكل عام، نحو الإسلام والإرهاب على اعتبار أنهما العدوان الجديدان بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو. وقد حقق بالفعل بعض النجاح في هذا الاتجاه، حيث العديد من الساسة والإعلاميين الفرنسيين بدأ ينتابهم القلق من الحضور الإسلامي حتى وإن كان هذا الحضور منفتحا ومتفهما للعلمانية التي تسكن الضمير السياسي الفرنسي منذ قرن ويزيد.