إرهاب التطرف…أم تطرف الإرهاب…؟ بقلم // محمد أديب السلاوي -1- أحداث الإرهاب في العالم خلال العقود الأخيرة، أخرجت مصطلح التطرف السياسي / التطرف الديني / التطرف الاجتماعي، من عزلته القاموسية، إلى الفضاءات الإعلامية / الأمنية / القانونية والسياسية ليحتل موقع الصدارة في كافة القراءات التي تمت / تتم لهذه الأحداث، والتي جعلت العالم في كل جهاته وبقاعه، ينخرط مكرها في عولمة الإرهاب، وليصبح هذا المصطلح الأكثر شيوعا في الإعلام والإدارات الأمنية والمخابراتية والسياسية. لقد تبين لكافة المصالح الأمنية، ولكافة المحققين والمراقبين في العالم، أن مرجعية الأحداث الإرهابية التي هزت المشاعر الإنسانية في العقود الأخيرة، كانت هي "التطرف" بكل أصنافه وأشكاله وإيديولوجياته، وأن الفاعلين الأساسيين في هذه الأحداث هم قادة الجماعات الظلامية التي جعلت من التطرف إيديولوجية خبيثة / عنيفة، دفعت بمورديها إلى تحويل أنفسهم إلى متفجرات تقضي على السلم والإنسانية والخير. وقد نبهتنا الأحداث الإرهابية إلى صورة التطرف الأصولي، الذي ضرب وما يزال يضرب أركان الوطن العربي، وجهات عديدة من الكون الإنساني، والى خطورة هذا العنف، تجاه مطامح الإنسانية في الحرية والسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، وجعلتنا في الإعلام والسياسة وفي كل فصائل المجتمع المدني، نولي أهمية خاصة لهذا المصطلح "التطرف" حيث وجدناه يستحق من الجميع التوقف عنده وتأمله، ليس لأنه يشكل ظاهرة غريبة عن مجتمعنا الذي آمن دائما بالوسطية، ولكن لخطورتها على الفرد والمجتمع والدولة، ولارتباطها عن خطأ عمد، بالدين الحنيف. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة علينا اليوم : ما هو التطرف…؟ وما هي أنواعه…؟ وما هي أشكاله…؟ وما هي دوافعه…؟ هل هو ظاهرة حديثة مقتصرة على هذا العصر… ما علاقته بالإسلام…؟ وما علاقته بعلم النفس…؟ -2- التطرف في المعنى اللغوي، هو الابتعاد عن نقطة الوسط، سواء من اليمين أم من اليسار. والمتطرف هو الذي لا يقبل بالوسطية والاعتدال، ويتجه باستمرار نحو الخروج عن المألوف. والسير نحو أقصى اليمين أو أقصى اليسار، ونحو التعصب لأفكاره وآرائه ومواقفه. والتطرف هو الشدة أو الإفراط في شيء أو في موقف معين، وهو أقصى الاتجاه أو النهاية أو الحد الأقصى، وإجراء المتطرف يعني، أن يكون في أبعد حد. وهو المتعارف عليه بالغلو، والتعصب، أب المبالغة القصوى في الفكر أو الموقف أو الفعل، وتجاوز حد الاعتدال. والتعصب الذي يقابل التطرف، يعني في اللغة العربية، عدم قبول الحق عند ظهور الدليل، بناء على ميل إلى جهة / جماعة / مذهب / طائفة / فكر سياسي. والتعصب من العصبية، وهي ارتباط المتعصب / المتطرف بفكر أو جماعة، والانغلاق في أفكارها ومواقفها ومبادئها. والتعصب / التطرف، قد يكون دينيا أو مذهبيا أو سياسيا أو طائفيا أو عنصريا، وهو سلوك يؤدي إلى التطرف…والى العنف. ولعل أخطر أنواع التعصب الديني، ويتبعه القومي، وهما معا يعتمدان على الجماعات المتطرفة، أو على الأنظمة الديكتاتورية، وهما معا يعيشان بدولة إسرائيل الاستعمارية، خارج القوانين والالتزامات الدولية، وخلافا لقيم الديانات السماوية. إن واحدة من دلائل التطرف الإسرائيلي، تعصب المتطرف لرأيه، تعصبا لا يعترف معه للآخرين بوجود، وجمود المتطرف على فهمه جمودا لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا لمقاصد الشرع، ولا لظروف العصر، فهو لا يفتح نافذة للحوار، ولا يرقى إلى ذلك بعصبية وتعصب. -3- يؤكد علماء النفس، أن التطرف مرض عقلي ونفسي، يمثل مجموعة من الأفكار القاهرة والمسيطرة على عقلية المتطرف. وفي رأي العديد من علماء النفس، أن"مرض التطرف" نابع من خلل في التركيبة العقلية أو النفسية للمتطرف : يمثل مجموعة من الأفكار القاهرة والمسيطرة على عقليته / يكشف عن ترسبات اجتماعية أو ثقافية أو دينية، وعن أفكار افتراضية، غالبا ما تكون موغلة في ذات " المتطرف" صاحبها. والمتطرف في الطب النفسي، شخصية مريضة، تميل إلى العزلة والعدوانية، تحس بدونية الآخرين، تستجيب بسرعة إلى رد الفعل المعاكس، كنتيجة طبيعية لتوقف عقله عن التفكير وعن الاجتهاد المتبصر. من الوجهة الاجتماعية، يمثل التطرف كل فعل يمس المصالح الجوهرية للمجتمع، فهو انحراف عما اصطلح عليه المجتمع من قدر مشترك من السلوكات، لأجل ذلك يتخذ أكثر من صفة، فهو تطرف عنصري، وقومي وسياسي، وإجرامي، وديني ، وإباحي. وخطر التطرف الاجتماعي لا يتجلى فقط في زعزعة الوحدة الاجتماعية، على حساب كل ما هو مشروع ومقبول فيه، ولكن خطره يتجلى أكثر في إبعاد المجتمع عن همه المعاش، وقضاياه المصيرية، وتهميشه الجوهر والإنتاج، وإغراقه في الشكليات والجزئيات، التي غالبا ما تكون هي جوهر التطرف وأصله. -4- ومن الوجهة الدينية، التطرف ليس حكرا على دين بعينه، أو إيديولوجية محددة، أو على مذهب معين، ففي اليهودية والنصرانية والإسلام والبوذية، كما في الشيوعية والرأسمالية والعلمانية، فئات من المتطرفين المتشددين، الذين يرفضون " الوسطية" وكل ما ينتج عنها أفكار وسلوكات وقيم. وبالنسبة للعديد من الباحثين : لا تعود مرجعية التطرف في بعض الجهات، إلى الفقر أو الجهل فقط، ولكنها تعود أيضا إلى العقيدة، والى الفلسفة الخاطئة، سواء في الدين أو في المذاهب المادية. والتطرف من الوجهة الإسلامية، فعل لا يقره الدين، فهو الغلو والتشدد وتجاوز حد الاعتدال والتوسط والركون إلى أقصى الأطراف، وهو ما يتعارض مع مبادئ الوسطية والاعتدال والتوازن والتسامح التي جاء بها الإسلام الحنيف. عند الفقهاء وعلماء الدين الإسلامي، التطرف هو الغلو في الدين والتصلب والتشدد، كأن يتشدد شخص على نفسه في أمور ليست من الدين كالعزوف عن الزواج، أو الانقطاع عن الحياة والناس والعمل، أو أن يكفر كل من يخالفه في رأيه حتى ولو كانت مسألة فقهية فرعية، حيث يعادي الجميع ويكفر المجتمع، بل ويصل ذلك إلى إيصال الأذى للآخرين أو أن يحاربهم أو يعاديهم بسبب ما يعتقده . وحسب شهادات العديد من المؤرخين القدماء، فإن التطرف الديني بدأ إسلاميا بالفتنة التي أدت بحياة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومازالت فتنة هذا التطرف، متواصلة مع تاريخ الأمة الإسلامية، حتى هذه اللحظة. ومداخل التطرف الديني متعددة ومتنوعة، ولها مكونات مختلفة، بعضها فكري وبعضها الآخر سياسي أو اجتماعي، إلا أن هذه المكونات، غالبا ما تتفاعل بنسب مختلفة، باختلاف الظروف الشخصية والموضوعية التي تحيط بالفرد والمجتمع على السواء. وفي نظر المفكر الإسلامي خالد محمد خالد التطرف الديني هو مجاوزة الاعتدال في السلوك الديني فكرا وعملا، وأنه الخروج عن مسالك السلف في فهم الدين وفي العمل به، بل انه تحد لسماحة الإسلام وعظمته. وفي نظره أيضا : التطرف الديني ينشأ من فراغ في النفس، أو كرد فعل من التطرف الآخر الذي ينتقص من نفوذ الإسلام، أو ائتمار خبيث تقوده قوى غامضة لتقويض الدين وهدمه. لذلك تقول المرجعيات الإسلامية، أن لا وجود للتطرف بمعناه الغربي، في الإسلام. في المصطلحات الإسلامية يعني، الغلو، الذي يقابله التقصير… ويعني الإفراط الذي يقابله التفريط…ولا يعني التطرف الذي يعني رفض الآخر. والغلو، بالنسبة للعلماء المسلمين، هو الزيادة عن الحد في فهم أمور الدين، وهو ما حدث في بعض فترات التاريخ الإسلامي مع ظهور الخوارج / المعتزلة / الوهابيين / التكفير والهجرة…السلفية الجهادية…