الاحتفاء بتجربة محمد بنطلحة انتصار لقيمة جمالية استثنائية تسلم أخيرا الشاعر المغربي محمد بنطلحة بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط ، جائزة الأركانة العالمية للشعر، في نسختها الحادية عشرة (2016)، التي يمنحها بيت الشعر في المغرب منذ 2003 . وشدد الشاعر بنطلحة، في كلمة بمناسبة تسلمه الجائزة ودرعها وشهادتها، على "المثابرة والصبر والإصرار" باعتبار أن "الموهبة وحدها لا تكفي" وأن "البناء يكون من الأساس ومن المحلية، وليس من السطح"، مذكرا بأنه خطا أولى خطواته في القراءة بمكتبة القرويين بمسقط رأسه فاس حيث بدأ قراءة الإشارات (العالم، الآحر، والنفس). وسعى بنطلحة، في نص بعنوان "شموع فوق الماء"، إلى أن يقدم تعريفا للشعر الذي غاص في بحوره وأمواجه المتلاطمة منذ 1970 ولا يزال، معربا عن اعتزازه بالجائزة وامتنانه لهذا "المحفل الأنيق والباذخ السمو الذي تحضره رموز هندست خارطة الثقافة والسياسة والمجتمع المدني بالمغرب". يذكر بأن لجنة التحكيم، التي قررت منح بنطلحة جائزة الأركانة العالمية للشعر في هذه الدورة، تشكلت من الشاعر محمد الأشعري (رئيسا) ومن الشعراء رشيد المومني وحسن نجمي ونجيب خداري، ومن الناقدين عبد الرحمان طنكول وخالد بلقاسم (أعضاء). وجاء في تقرير اللجنة أن "التجربة الشعرية للشاعر محمد بنطلحة لحظة مضيئة في الشعرية العربية المعاصرة، لقد انبنت هذه التجربة على تفاعل خلاق لا مع الشعرية العربية وحسب، بل أيضا مع الشعريات العالمية، وتمكنت من أن تنحت لذاتها ملمحها الخاص، الذي يحمل دمغة الشاعر في بناء رؤية شعرية مركبة، وفي النزوع الدائم إلى اكتشاف أشكال جديدة، وفي الانتصار الجمالي للغة العربية". وقال الشاعر محمد الأشعري، إن الاحتفاء بتجربة محمد بنطلحة، الذي حققت لجنة التحكيم حوله أسرع إجماع في تاريخها، "احتفاء مستحق" ويشكل "انتصارا لقيمة جمالية استثنائية، وأملا نشهره في وجه من يريدون أن يجعلوا اليأس جزءا من هويتنا"، مضيفا أن التجربة الشعرية لبنطلحة "علامة بارزة في الشعر المغربي، الذي لم يعد مجرد صوت داخلي مع أنفسنا بل صار جسرا يربطنا مع العالم". وفي هذا الصدد، دعا رئيس لجنة تحكيم الجائزة في دورتها الحادية عشرة إلى أن "تفتتح المدارس والمعاهد والجامعات أبوابها مشرعة لهذا الشعر الجميل حيث منبع الجمال واللغة والحرية" باعتبار أن "الأمة التي لا تقرأ شعراءها لا تبني خيال أبنائها". وفي كلمة للشاعر نجيب خداري، رئيس بيت الشعر في المغرب، بعنوان "شاعر القليل الهائل"، قال إن "محمد بنطلحة، الذي لمع منذ سبعينيات المشهد الشعري العربي المغربي، اختار المراكب الصعبة كلها لكتابة قصيدة مختلفة، منفلتة، تقول المعنى ونقيضه، في عمق أونطولوجي ورؤياوي شديد الألق، ملتقطا المفارقة في اللغة، والحياة … راميا بها في مجاهيل الغامض الواضح".ورأى خداري أن "محمد بنطلحة يمضي في إغناء المتن الشعري المغربي والعربي والإنساني، بقليله الهائل، محتشدا بمباهج التخييل وغرابته، من خلال لغة لا تتنازل عن رهافتها ودقتها وصرامتها، كما لا تتخلى عن سخائها واقتصادها الشديدين"، مشيرا إلى أن تكريم تجربة بنطلحة يؤكد أن "التقدير المتزايد عربيا وعالميا لإبداع المغاربة لا بد أن يقابله تقدير وتكريم من داخل المغرب". وفي كلمة بالمناسبة، قال السيد محمد أمين الصبيحي، وزير الثقافة، إن "جائزة الأركانة العالمية للشعر تواصل مسارها الاحتفائي بالإبداع المتميز، وتكريس مكانتها الرمزية كإحدى أهم الجوائز في المغرب، مما يحصنها كمكسب اعتباري للثقافة المغربية المتلاقحة والمنفتحة على الثقافات". وأضاف السيد الصبيحي أن "الجائزة إذ تكافيء في دورتها هذه الشاعر المغربي محمد بنطلحة، تقديرا لمنجزه الإبداعي الرصين والمجدد، تلفت الانتباه إلى ما يحفل به المتن الشعري المغربي والعربي من إضافات نوعية أغنت ديوان الشعر العربي، مثلما تواصل طرح سؤال التجديد والانزياح في القصيدة المغربية المدعوة إلى ارتياد آفاق الحوار مع المتون المختلفة لتحقيق القيمة المضافة الشعرية التي تبرر وجودها". وأكدت السيدة دينة الناصري، المديرة العامة لمؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، من جانبها، أن "جائزة الأركانة توجت، من جديد، تجربة مغربية سامقة تمثلت في عطاء الشاعر الكبير محمد بنطلحة الذي أغنى، طيلة عقود، الشعرية المغربية والعربية والإنسانية بكثير من العمق والتميز، لغة وأفقا ورؤيا"، مشيرة إلى أنه "فوز مستحق يضع الإبداع والثقافة المغربيين والعربيين في دائرة ضوء تكريم العالم واهتمامه". وذكرت السيدة الناصري بأن المؤسسة، التي تقوم بالرعاية الرسمية للجائزة منذ تسع دورات، لم تتردد "بعد النجاح الباهر الذي تحقق في احتفالية منح الأركانة للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش سنة 2008 (…) في الاستجابة لمطلب بيت الشعر في المغرب بأن تصبح هذه الجائزة الكبيرة سنوية، بعد أن كانت تمنح مرة كل ثلاث سنوات". واختتم حفل تسليم محمد بنطلحة الجائزة بلحظة موسيقية مع الفنان مجيد بقاس وفرقته، وكذا توقيع الشاعر ديوان "الأعمال الكاملة" الصادر في طبعته الأولى 2017 عن منشورات بيت الشعر في المغرب. أصدر بنطلحة، المزداد سنة 1950، دواوين "نشيد البجع" و"غيمة أو حجر" و"سدوم" و"بعكس الماء" و"ليتني أعمى" و"قليلا أكثر" و"الجسر والهاوية" (سيرة شعرية) و"صفير في تلك الأدراج" و"أخسر السماء وأربح الأرض" و"رؤى في موسم العوسج/تحت أي سلم عبرت" و"رماد المعنى" (طروس)، فضلا عن دراسة باللغة الفرنسية عن الشعر المغربي المعاصر. وحاز بنطلحة، الكاتب العام السابق لاتحاد كتاب المغرب (1979-1981) ولفرع القنيطرة (1981-1984) والعضو المؤسس لبيت الشعر في المغرب ولرابطة أدباء المغرب وللشبكة الجامعية الأورو المتوسطية للشعر (ستراسبورغ 1993)، بالخصوص جائزة فاس العالمية للكتاب سنة 2015 عن مؤسسة نادي الكتاب بالمغرب.