بعد محمد السرغيني والطاهر بنجلون، رَستْ جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي يقدمها بيت الشعر في المغرب وتموّلها مؤسسة الرعاية الاجتماعية لصندوق الإيداع والتدبير، هذه السنة، على الشاعر المغربي محمد بنطلحة، الذي تسلّمَها في حفلٍ أقيمَ مساء الخميس بالقاعة الكبرى للمكتبة الوطنية بالعاصمة الرباط. وتعودُ جائزة الأركانة العالمية للشعر بعدَ أن جابتْ أصقاع الأرض خلال الدورات الخمس الماضية، "لتستبْطنَ تُربتها المغربية"، كما قالَ رئيس بيت الشعر بالمغرب، الشاعر نجيب خداري، في كلمة بالمناسبة. وكانَ قد فاز بالجائزة من الشعراء المغاربة كل من الشاعر محمد السرغيني، سنة 2005، والطاهر بنجلون، سنة 2010. وكانت جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي تبلغ قيمتُها المالية 12 ألف دولار أمريكي (120 ألف درهم مغربي)، تُسلّمُ خلال فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدارالبيضاء، وتقرَّر هذه السنة تسليمَها في الرباط، على بُعد أسبوع من انطلاق معرض البيضاء للكتاب. وجوابا على سؤالٍ حول دوافع هذا الاختيار، قالَ نجيب خداري،في تصريح لهسبريس،إنَّ الجائزة انطلقت من الدارالبيضاء ثم انتقلت إلى الرباط قبل أن تعود إلى البيضاء؛ "حيث استثمرنا المعرض الدولي للنشر والكتاب، باعتباره فضاء لالتقاء المهتمين بالقراءة والأدب، ومناسبة تُسلّط عليها الكثير من أضواء الإعلام، واليوم هناك دعوات لإعادة الجائزة إلى الرباط". وعن الشاعر المُتوّج، قال خداري إنّه "من أهم الأصوات التي طوَّرت الشعر العربي والمغربي المعاصر، ويتميز بالحَفْر العميق في اللغة والمعنى من خلال رؤية شعرية مركَّبة تنزع إلى التجديد في الأشكال الكتابية، وإلى الأفق الكوني والعالمي"، مضيفا أنّ شِعريته أسهمت في فتح القصيدة المغربية على المنجز الشعري العالمي. من جهته قال وزير الثقافة، محمد الأمين الصبيحي، إنَّ "مكافأة الشاعر المغربي محمد بنطلحة بجائزة الأركانة العالمية للشعر، تُلفتُ الانتباه إلى ما يحفلُ به المَتْن الشعري المغربي والعربي من إضافات نوعية أغْنت ديوان الشعر العربي"، لافتا إلى أنّ القصيدة المغربية "مدعوّة إلى ارتياد آفاق الحوار مع المتون المختلفة لتحقيق القيمة المضافة الشعرية التي تبرّر وجودها". ووصفَ الصبيحي المُنجز الشعري للشاعر محمد بنطلحةب"الرصين والمُجدِّد"، بيْنما قالَ نجيب خداري إنَّ الشاعر المُتوّجَ بجائزة أركانة العالمية للشعر "اختار المراكب الصعبة كلَّها لكتابة قصيدة مختلفة، مُنفلتة، تقول المعنى ونقيضَه، في عمق أنطولوجي ورُؤياويٍّشديد الألق، ملتقطا المفارقة في اللغة والحياة، راميا بها في مجاهيل الغامض الواضح". واعتبر الشاعر محمد الأشعري، الذي رأسَ لجنة تحكيم الجائزة، الاحتفاء بتجربة الشاعر محمد بنطلحة،"انتصارا لقيمة جمالية استثنائية في زمن يصوّرنا بدمار مدن نحبها وبأشلاء لغة تُسرق من ألسنتنا ووجداننا"، مضيفا: "هذا الاحتفاء هو الأمل الذي نشهره في وجه الذين يريدون أن يجعلوا اليأس جزء من ملامحنا وهويتنا". وعَدَّ الأشعري التجربة الشعرية للشاعر محمد بنطلحة، "إحدى العلامات البارزة للشعر المغربي في تجاربه الأكثرِ اكتمالا، وتُبرز أنَّ الشعر لم يعد مجرد صوت داخلي نتكلم به مع ذواتنا، بل صار جسرا يربطنا بكونية الشعر وضرورته القصوى في الحياة"، وقال الأشعري إنَّ أعضاء اللجنة التي رأسها منحُوه أسرعَ إجماع تُحقّقه جائزة أركانة العالمية للشعر حول الفائز بها. ووجّهَ الأشعري نداء إلى المسؤولين المغاربة، وخاصة المسؤولين عن التعليم، بفتْح أبواب المدارس والمعاهد والجامعات للشعر؛ "حيثُ توجدُ اللغة التي نُحبّها"، وقال: "آمُل أن يُدرك الناس، ومنهم المسؤولون عن التعليم، أنَّ أمّة لا تقرأ شعراءها لن تبني وجدانا".