فاس: المراسل في البداية لا يسعنا إلا أن نترحم على أرواح شهداء 31 يناير 1944 بفاس ونقف بكل إجلال وإكبار أمام نضالاتهم الجهادية والبطولية التي ساهمت في انعتاق مغرب اليوم. وفي نفس الوقت لا يسعنا إلا أن نتأسف جدا للمغالطات الإعلامية لكل من جريدتي الاتحاد الاشتراكي والتجديد الصادرتين يوم الاثنين 2009/03/09 في محاولتهما للتشويش على مشروع ديني وتربوي لطالما كان حلم وأمنية الوطنيين المخلصين رفاق شهداء 31 يناير وكذا سكان فاس عموما من أجل إعطاء هذه المقبرة الحلة اللائقة والمهابة الواجبة. وللتذكير فقط فإن هؤلاء الشهداء الذين نقلوا في سرية كاملة من ساحة الاستشهاد بالشماعيين بالمدينة العتيقة بفاس تم دفنهم في مقبرة جماعية تعرف اليوم بمقبرة الشهداء، والتي توجد في حالة مأسوف عليها وغير مشرفة ولا تعكس وجه بلد ومدينة تقدر جهاد رجالاتها الأبطال وأعمالهم الجليلة. وقد ظلت هذه الأمنية مطلبا ملحا لكل الوطنيين المخلصين بل وعامة سكان المدينة، مؤكدين بإصرار على ضرورة الاهتمام بهذه المقبرة، وإعادة هيكلتها وإعادة الاعتبار لها لما تحمله من رمزية عظيمة كبيرة، خصوصا أن هذه المقبرة توجد بجوارها قطعة أرضية مساحتها حوالي 300 م2 المملوكة للخواص، ومن حسن الحظ أنها مجاورة لمدفن الشهداء وصالحة لبناء صرح ديني وثقافي وتربوي يُعيد للمقبرة هيبتها ويحفظ للذاكرة الحية أحداثها وفضاء للأجيال المتعاقبة لمعرفة أمجاد آبائها وأجدادها وتاريخ مدينتهم ووطنهم في سبيل تحقيق الاستقلال والحرية. وللحقيقة والتاريخ فقد اهتمت كل المجالس البلدية المتعاقبة على تدبير الشأن المحلي بمدينة فاس بهذا الموضوع انطلاقا من أول مجلس بلدي ترأسه أخونا الدكتور بنسالم الكوهن 1960 إلى اليوم، غير أن هناك من هذه المجالس من تعامل بكل جدية وإيمان مع هذا المشروع وبذل من أجله مجهودات جبارة وهناك من تعامل معه بكل استخفاف وتجاهل رغم القرار الذي اتخذ في شأنه، والمقصود هنا المجلس البلدي الاشتراكي عهد المجموعة الحضرية التي كان يرأسها الاشتراكي عبد الرحيم الفيلالي بابا الذي أكد في دورة غشت 1990مانصه «ان شهداء سنة 1994 رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته دفنوا في ظروف عصيبة وخاصة، والمقبرة الحالية لاتشرف المدينة ولهذا فان المجلس البلدي قد اقتنى (وهذا كذب) أرضا مجاورة للمقبرة الحالية وهيأ مهندسونا مشروع تصميم نموذجي يدمج القطعتين لمحاولة إقامة مقبرة تليق بالمرحومين...» انتهى كلام الرئيس الاشتراكي. وبعد مداولة المجلس اتخذ قرار بالإجماع بضرورة بناء مشروع يعيد الاعتبار لهذه المقبرة وذلك في دورة غشت 1990 وبالضبط يوم الخميس 7 صفر 1411 الموافق 30 غشت 1990 لكن للأسف الشديد لا شيء أنجز على أرض الواقع في عهدهم وبذلك يتأكد أن تعاملهم مع الموضوع هو للمتاجرة السياسية فقط. فموضوع بناء مقبرة شهداء (31 يناير) شغل الناس وكل المهتمين والمتتبعين ومن بينهم مندوبية المقاومة وجيش التحرير التي كانت تكاتِب المجالس البلدية باستمرار حول هذا المشروع، بل أصبح مطلبا شعبيا جماعيا حفظا للذاكرة وتكريما للشهداء الأبطال. إن هذا المشروع الذي طال انتظاره وكاد يغيب أو يُغَيَّب تشاء الأقدار أن تسخر له رجالا حركّهم وازعهم الديني وغيرتهم الوطنية وشهامتهم المغربية وبواعثهم التربوية والثقافية تجاه الأجيال المتعاقبة فتطوعوا لإنجاز هذا المشروع، بصمت وهدوء ابتغاء لوجه الله وخدمة هذا الوطن، فذللوا كل الصعاب الإدارية والعقارية والمالية من أجل إنجازه وهو ما بدأ فعلا على أرض الواقع. لكن من تَعَوَّد على تلويث كل نظيف وإفساد كل جميل وعرقلة كل مفيد غاضتهم هذه المبادرة فقاموا بالتهجم على هذا المشروع والتشويش عليه بنشر مغالطات وافتراء أكاذيب، متجاوزين حدود اللياقة الواجبة نحو أمواتنا رحمهم الله، خصوصا وأنهم شهداء هذا الوطن والذين ضحوا بأرواحهم ليأتي اليوم تجار الانتخابات ويركبوا على هذا المشروع الكبير ذي البعد الديني الوطني والتاريخي والثقافي، وذلك بدون أي خجل أو استحياء. لكل هؤلاء أو من سقط في فخ مغالطاتهم نؤكد أن مقبرة شهداء 31 يناير 1944 محفوظة ومصونة وأن ما يُبنى بجوارها من فضاء ديني وتربوي وثقافي هو تكريم لهؤلاء الشهداء بإعطاء مقبرتهم جزءا مما تستحقه من عناية ومهابة وتقدير، وكذلك استجابة للمطلب الملح للوطنيين من رفاق الشهداء، وكذلك استجابة لنداء ساكنة فاس الأعزاء والذي بلورته وأكدته عدة مقررات جماعية عبر مختلف المجالس البلدية بمن فيهم الاشتراكيون الذين يذرفون اليوم دموع التماسيح، لكن شتان بين من يعمل بإيمان وإخلاص ومن يعمل بنفاق وتدليس من أجل المتاجرة السياسية. فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل... وللحديث بقية.