الصديق بوعلام قال الله تعالى: «قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين . قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون » [سورة الأنعام ]. يمر الإنسان في حياته بشدائد قد تكون ناتجة عن مخالفاته للشريعة ، أوتكون امتحانا من الله ليبلو صبر هذا الإنسان وليرفع درجته، ولا مناص لأي واحد من التوجه بالدعاء إلى الله عز وجل إذا أظلمت في وجهه الدنيا، وتفاقمت المحنة، واشتد الكرب، إذ لا ملجأ من الله إلا إليه. وحتى الذين ينكرون وحود الله سبحانه لا يملكون إلا الاضطرار إليه إذا أصابتهم مصيبة شديدة. أنظر إلى قصة فرعون الذي كان يدعي الألوهية ويتوهم أن لا إله غيره، «قال ما علمت لكم من إله غيري» «وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا، وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل، وما كيد فرعون إلا في تبا تباب»، [ سورة الأعراف] فلما أدركه الغرق وأخذه عذاب الله لم يجد بدا من أن يقول - والموج يتلا طم حوله - ما خلده القرآن الكريم عبرة دائمة: «وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا، حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين» وكان الرد القرآني: «آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين . فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون» [سورة يونس]. لكن آية الأنعام حذرت نوعا من الناس، وذ متهم في نفس الوقت، وبينت حال أنفسهم المخاتلة الغادرة، إذ أنهم إذا نزل بهم بلا ء أو شدة جأروا إلى الله بالدعاء متضرعين إليه أن يكشف عنهم ما حاق بهم ، بل وعدوه إن فعل ذلك بهم أن يشكروه ولا يكفروه. غير أنهم كاذ بون في وعدهم، مصرون على جحودهم، فبمجرد أن ينجيهم الله من ذلك الكرب أو البلاء والشدة، يعودون إلى الشرك والموبقات. وقد تضمن القصص القرآني نماذج سيئة لهذا النوع من الناس المصرين على الضلا لة والغواية، الناكثين العهد الخائنين الأمانة، فقال الله عز وجل عن قوم موسى لما أنزل الله بهم عقابه جزاء وفاقا على تكذ يبهم سيدنا موسى عليه السلا م «ولما وقع عليهم الرجز قالوا ياموسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنومنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل. فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون . فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين» [سورة الأعراف] .وكذلك شأن المستغفر ربه وهو مصر على العصيان، فهو كالمستهزئ. وفي الآية تأكيد لحقيقة لا ريب فيها وهي أن المنجي هو الله عز وجل، وهذه الصفة عامة شاملة لخلقه، برهم وفاجرهم ، وفي كل مكان، برا وبحرا ...، لكن هذا الشمول والا ستغراق والعموم الذي هو من تجليات اسم الله «الرحمان»، يقتضي من الإنسان شكر النعمة لا كفرانها، ولذلك فالرحمة الإلهية تكون، في النهاية، من نصيب من شكر الله لا من كفره. إذ الا بتلاء والإ نقاذ منه، كلا هما امتحان «ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون» [ سورة الأنبياء]. فالمؤمن المحب لله ولرسوله لا يفتأ يشكر خالقه على نعمه، فإذا أصابته ضراء لجأ إليه وسأله أن ينجيه منها، والله رؤوف بعباده المؤمنين، يكشف ضرهم ويحقق مرغوبهم. لكنهم يشعرون بحقوق الله عليهم تتزايد كلما أنجاهم الله من محنة، فيعلمون علم يقين أنهم عاجزون عن شكر هذه النعم، إذ شكرها نفسه نعمة ومع ذلك لا يدخرون وسعا في الشكر بالإ يمان والا ستقامة أولا ، و بالآعمال الصالحة ثانيا، فيزيدهم الله من نعمه ويقيهم المكاره. هذا حال المؤمن مع ربه كلما نزل به ضر فأ نجاه الله منه. وهو - بلا شك - موقف إيماني على نقيض الموقف المنافق الكاذب الذي صورته آية الأنعام وذ مت أصحابه وقال الله عز وجل :«قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، له أصحاب يدعونه إلى الهدى إيتنا ، قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أفيموا الصلا ة واتقوه. وهو الذي إليه تحشرون» [سورة الأنعا م] هذا استفهام استنكاري مفاده أنه لا يصح ولا يجوز ولا يليق دعاء غير الله تعالى فهذا الغيرلا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فكيف يملكه للآخرين ، بل الحق أن النافع الضار هو الله وحده. وحينئذ لا ينبغي للإنسان الذي كرمه الله بالعقل واستخلفه في الأرض أن يدعو غير ربه. فالإنسان المهدي لا يمكنه أن يدعو غير الله، والضال يتوهم أن النفع والضر بيد جماد لا يعقل ولا يسمع، أو بيد مخلوق آخر ناصيته بيد الله. نفهم من هذه الآية إذن أن الإسلام يقتضي توحيد الله بالدعاء، وإلا وقع االآنسان في الشرك. والشرك ظلم عظيم. كيف يصل الإنسان إلى هذه الحقيقة؟ نقول يصل إليها من طريقين متكاملين، الطريق الأولى عقلية تتجلى في تدبر القرآن الكريم،وتأمل المخلوقات في الطبيعة، والطريق الثانية الإكثار من الأذكار حتى تنجلي عن القلب الأكدار، وتتجلى له الأنوار ، فيرى ببصيرته ألا ضار ولا نافع في الحقيقة إلا الله ، كما يستدل بعقله على ألا أحد يستحق العبادة والدعاء إلا الله خالق هذه المخلوقات ومدبرها ورازقها و حافظها سبحانه وإذا كانت الفطرة الإنسانية ناطقة بهذه الحقيقة ، فإن عوامل الإفساد التي تتكالب عليها ، تنسيها إياها فيقع الإنسان في شرك عبادة أو دعاء غير الله تعالى، وعندئذ لا يمكن تصحيح هذا الوضع وتقويم هذا الا عوجاج إلا بالرجوع إلى حقائق القرآن، وعجائب الكون، وصفاء القلب، وذلك بما ذكرنا به من دواء الفكر والذكر..وهذا مما يقتضيه توحيد الله عزوجل.