يبدو أن الأرقام التي تقدمها السلطات الجزائرية بخصوص آفاق نمو الاقتصاد الجزائري لا تتفق مع الوضع الحقيقي الذي بات مقلقا نتيجة الانخفاض الذي عرفته أسعار النفط في الأسواق الدولية خلال الأشهر الأخيرة. وكانت السلطات الجزائرية قد أعلنت في وقت سابق عن معدل نمو متوقع بالنسبة للسنة الجارية يتجاوز4 في المائة لكن مؤسسات مالية دولية ترى أن هذه التوقعات مبالغ فيها لعدة اعتبارات أهمها تراجع عائدات النفط، وعائدات الاستثمارات الأجنبية في القطاع النفطي بسبب تضرر العديد من الشركات النفطية العالمية من الأزمة التي ضربت الاقتصاد العالمي بشكل عام. في هذا الإطار إذا كانت الحكومة الجزائرية قد أشارت إلى أن معدل النمو خلال سنة 2009 سيصل إلى 4.1 في المائة فإن العديد من المؤسسات الدولية تؤكد أن هذا المعدل في السياق الحالي بعيد المنال. وهكذا وفي أحدث مراجعة قام بها صندوق النقد الدولي أكد أن نمو الاقتصاد الجزائري لن يتعدى في أفضل الحالات 3 في المائة، أما البنك البريطاني ستاندرد تشارترد فيشير في أحدث تقاريره إلى أن معدل النمو في الجزائر لن يتجاوز 2.3 في المائة بالنظر خصوصا إلى التراجع الحاد في عائدات النفط الذي انهارت أسعاره خلال الأشهر الأخيرة من السنة الماضية وباتت ترواح قريبا من 40 دولارا للبرميل بعد أن أن وصلت ذروتها في منتصف سنة 2008 ببلوغها 147.27 دولار للبررميل. وترى العديد من التقارير أن الاقتصاد الجزائري يعاني من خلل كبير بسبب اعتماده بشكل كامل تقريبا على ريع النفط مع إغفال باقي القطاعات، وهو ما دفع مؤسسات دولية إلى دعوة الجزائر لتنويع مصادر دخلها، وجاء في تقرير صادر أخيرا عن صندوق النقد الدولي أن« الجزائر نعمت بفوائض مالية كبيرة بفضل أسعار النفط المرتفعة في الفترة الماضية، لكنها ظلت تواجه مشاكل واضحة، على غرار ارتفاع البطالة بين الشباب والاعتماد الكبير للاقتصاد على المنتجات البترولية». كما توقع التقرير أن تتراجع الصادرات النفطية، وعائداتها من 78 مليار دولار خلال سنة 2008 إلى 34 مليار دولار خلال السنة الجارية بسبب الأوضاع الاقتصادية في أوروبا خلال 2009، مما سيدفع النمو للانخفاض إلى نحو 2.5 في المائة، في حين سيستقر التضخم دون حاجز أربعة في المائة، وذلك إلى جانب انقلاب وضع الحسابات العامة من فائض يعادل 20 في المائة عام 2008 إلى عجز بحدود ثلاثة في المائة في 2009. وأوضح أن الظرف الحالي يستوجب العمل السريع على إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وخلق وظائف، محذراً من احتمال تأثر البلاد بالركود العالمي إذا ما تفاقم الركود لدى شركائها في القطاع التجاري. وفي السياق ذاته أفاد بنك ستاندرد تشارترد أن الإنفاق الكبير الذي تقوم به الحكومة من أجل دفع وتيرة التنمية في الجزائر سيكون أثره على الاقتصاد الفعلي في الجزائر ضئيلا جدا معتبرا الأموال التي تصرفها الدولة الجزائرية في برامج دعم النمو الاقتصادي لن تؤدي إلى رفع النمو بسبب بقاء الجزائر تحت رحمة الإيرادات النفطية. وإذا كانت السلطات الجزائرية تحاول إخفاء تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على البلاد، فإن جدلا كبيرا يثار حاليا بعد إعلان الحكومة أن معدل البطالة لا يتجاوز 11 في المائة، إلا أن أوساطا محلية تعتقد أن هذه الأرقام غير حقيقية باعتبار آلاف الذين فقدوا وظائفهم، مشيرة إلى أن المعدل الفعلي للبطالة في البلاد ربما يتجاوز 35 في المائة، وهو رقم، على خلاف الرقم الرسمي، يظل قريبا من الأرقام التي أعلنتها بعض المؤسسات الدولية المعنية بالاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق تشدّد مؤسسات دولية معروفة، مثل هيئة «أوكسفورد بيزنس جروب»، استناداً إلى تقديرات خبراء، أنّ نسبة البطالة في الجزائر باتت تقدّر بحوالي 30%، وتخصّ فئة الشباب تحديداً، عكس ما ذهبت إليه التقارير الحكومية الجزائرية. وتجمع أكثر من هيئة دولية على أنّ السلطات الجزائرية لم تنجح في معالجة جوهرية ذكية لأزمة التشغيل المطروحة بحدة.