إعداد : سعيد الرفاعي (و م ع) أصدر محمد أحمد باهي المعتقل السابق بسجون البوليساريو الطبعة الثانية (2009 ) من كتابه (المقابر المنسية .. عشر سنوات في السجون السرية للبوليساريو). ولخص السيد باهي مؤلفه بقوله إنه ""قليل من كثير مما عاناه وما زال يعاني منه مواطنون أحرار أبرياء من أبناء القبائل الصحراوية, والذين كان ذنبهم الوحيد هو إخلاصهم لوطنهم, ووفاؤهم لبيعة أجدادهم, ورغبتهم في العودة الطوعية لبلادهم وأهلهم ). وتتداخل في هذا الكتاب المحنة الفردية والجماعية, إلى حد أنه لا يمكن التمييز بينهما. فهو , إذن , صرخة في وجه الاعتقال الفردي لعشر سنوات في ظروف وحشية لا إنسانية, ولكن أيضا في وجه الاحتجاز الجماعي لإرادة مواطنين في الالتحاق بالمغرب وطنهم الأم. وهو كذلك صرخة مدوية في وجه الاعتقال الظالم في السجون السرية للجزائر الممتدة من صحراء الهكار في مقبرة برج إدريس إلى صحراء حمادة تندوف في مقابر سجن الرشيد.. والكتاب كذلك دعوة لبذل مزيد من الجهد والإلحاح لإطلاق سراح الباقين هناك تحت الاحتجاز, من المدنيين والعسكريين على السواء. وهو أيضا دعوة لدعم جمعيات المجتمع المدني والنشطاء الفاعلين من أبناء المناطق الصحراوية المغربية للعمل في إطار حملات مستمرة وشاملة لكسب الرأي العام الدولي, وممارسة كل الضغوط الممكنة لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين, وطي هذا الملف المأساوي طيا نهائيا. فبسجن الرشيد الرهيب في تندوف, حيث قضى محمد أحمد باهي عشر سنوات من زهرة شبابه, تمارس أجهزة الأمن العسكري الجزائري, بعيدا عن الأنظار وعن القانون, كل أنواع التعذيب والترهيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما أن المحنة لا تنسي الكاتب, ابن الصحراء العليم بقبائلها وعشائرها وأفخاذها, والخبير بتضاريسها, تاريخا وجغرافية, أن يورد في ثنايا كتابه القيم معلومات ثمينة عن الصحراء وأهلها, وجردا , ولو سريعا , بتطورات القضية الصحراوية إلى درجة يجد معها القاريء نفسه أمام موسوعة مصغرة عن المنطقة ومجريات الأمور بها في العقود الأخيرة. ولا تنسي محمد أحمد باهي محنته الشخصية أن يفضح, بصوت جهوري, الأساليب الإجرامية لمرتزقة البوليساريو من قبيل إيراد الكاتب لائحة بأسماء بعض النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب والسجن في المعتقل (ص148) وهكذا بأسلوب الأديب السلس المستند على معرفة متينة بالقرآن الكريم والحديث الشريف والشعر العربي القديم, وبعلم المؤرخ المطلع على حقائق الأمور, وبخبرة الجغرافي المدقق, لا تكاد تفوت الكاتب وهو يحدث قارئه, مثلا, عن استدراجه إلى مركز الاستقبال المركزي للبوليساريو في الرابوني (25 كلم شرق تندوف), أن يحدثه عن الفروع الخمسة الرئيسية لقبيلة البيهات (الركيبات). كما لا تفوت الكاتب , وهو يحدث قارئه عن الجوع والعطش اللذين قاساهما في سجنه الذي ينعته بالقبر , أن يحدثه عن لحم الضب اللذيذ, الذي تذوقه هناك لأول مرة, وعن فوائده الصحية للمصابين بداء السكري , حسب بعض المزاعم (ص125 ) , فيما يحيل على قصيدة أبي العلاء المعري الشهيرة (صاح هذي قبورنا تملأ الأرض ..) حين يتحدث عن مقبرة برج عمر إدريس الذي جمعه بخمسة معتقلين مغاربة آخرين.. ولا يكتفي محمد أحمد باهي بتفنيد تهمة محاولته اغتيال محمد عبد العزيز المراكشي التي اختلقها البوليساريو لاعتقاله في ظروف رهيبة بسجن الرشيد ""الذي هو عبارة عن قبور وليس زنازن"" , بل يورد تحليلا معمقا لما يراه خلفيات تاريخية وسياسية لتلفيق التهمة له ولفبركة محاولة الاغتيال أصلا.حيث نقرأ؛ اندهشت أمام تهمة الاغتيال. وخلال ثوان قليلة (...) كانت كل خلية من خلايا التفكير والذاكرة والشعور واللاشعور تشتغل بسرعة وتبحث عن منافذ وحلول للخروج من هذه الورطة (...) محاولة اغتيال محمد عبد العزيز مجرد صدمة كهربائية قوية للإثارة (...) هم الآن يعرفون وأنا أعرف أنه لا أساس لذلك من الصحة إطلاقا (ص21). فمحمد أحمد باهي يرى أن التهمة المزورة ""خرافة صنعتها فئة من جماعات الأمن العسكري الجزائري التي تعاني صراعات داخلية, بهدف تحقيق انتصار وهمي على حساب جماعات وفئات أخرى والحصول على مزيد من النياشين والرتب العسكرية. وبمنطق المحلل الدقيق للأمور -دون دغمائية- يطرح الكاتب أربعة احتمالات لاعتقاله ورفقائه الخمسة من قبيل تخطيط أجهزة الأمن الجزائرية لاغتيال محمد عبد العزيز فعلا لتحقيق هدف بعيد يقضي بالتخلص من أصحاب الدم المغربي في البوليساريو وتعويضه بعميلها محمد الأمين ولد البوهالي. ولا تخفى الروح المرحة للكاتب بين طيات كتابه, فهو يسخر من جلاديه بالرغم من كل شيء. إذ يقول ,في هذا السياق , إنه وضع توقيعه وبصماته على أوراق مطبوعة على الآلة الكاتبة باللغة الفرنسية قدمها له جلادوه دون أن يقرأها معلقا على ذلك بقوله ""هكذا كان ابن عرفة"", ويقول إنه كان -على مدى عشر سنوات من اعتقاله ظلما وعدوانا- ""في ضيافة الأفاعي والعقارب وأسراب الذباب والناموس . (ص124) ويتحدث الكاتب عن سجن الرشيد ببراعة الإعلامي الحاذق, حيث يقول: ""وبالمناسبة فالرشيد إسم لمواطن صحراوي قتل على يد عصابة البوليساريو في الحمادة وأطلق إسمه على هذا السجن لتهدئة أفراد عائلته, ويعتبر ذلك في نظر العصابة تكريما له ويضيف باهي (ومن الصدف الحزينة أن يدخل شقيق الرشيد هذا إلى السجن ويعذب فيه). واختتم الكتاب برسالة مفتوحة إلى ممثل الصليب الأحمر الدولي (تونس ), وبأخرى إلى منظمة العفو الدولية بلندن مرفقة بقائمة بأسماء الجلادين الذين مارسوا التعذيب والقتل في سجن الرشيد, وكذا بتدخله شخصيا أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة في نيويورك أثناء مناقشتها لقضية الصحراء يوم11 أكتوبر1996 . هذه الوثائق الثلاث, التي اختتم بها محمد أحمد باهي كتابه, هي شهادات احتجاج على المظالم التي عانى منها لسنوات على المستوى الشخصي, وعانى منها أيضا, ولا يزال, المواطنون المغاربة الصحراويون المحتجزون بتندوف لغير ذنب جنوه اللهم قولهم (وطننا المغرب). ولكن هذه الوثائق الثلاث هي أيضا شهادات حق تصرخ, بملء فيها, أن الحق لا يضيع ما دام وراءه طالب, وأن الحق أيضا يعلو ولا يعلى عليه مهما طال الزمن, وأن أسماء الجلادين لن تمحى من ذاكرة التاريخ حتى ينالوا عقابهم جزاء لما اقترفت أياديهم. ويحذو الكاتب أملان, لخص أولهما , في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء , بالقول (أملي أن تقتنع قيادة البوليساريو بأن عهد السيطرة والمخابرات والدسائس قد انتهى). ودليله على ذلك, ""العدد الهائل من العائدين من المخيمات وكذا عودة كافة شيوخ القبائل بدون استثناء إلى المغرب"", علاوة على (العدد الكبير من سكان المخيمات, رجالا ونساء, الذين التحقوا بإسبانيا بعيدا عن مخيمات تندوف). أما الأمل الثاني فيكمن في أن (تتفهم السلطات الجزائرية رغبتنا, كمواطنين مغاربة صحراويين, وإرادتنا في إنهاء هذا النزاع والعمل من أجل بناء المغرب العربي, أمل كل الشعوب المغاربية). وعزاء الكاتب أن (عددا كبيرا من سكان المخيمات سبق أن اطلعوا على هذا الكتاب وتداولوه في ما بينهم, ووجد فيه عدد من المحتجزين مأساتهم مسجلة بكل موضوعية ونزاهة). ويضيف باهي أنه أصدر الطبعة الثانية من هذا الكتاب والمغرب يبادر إلى اقتراح مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء من أجل إنقاذ المحتجزين في المخيمات واستكمال الوحدة الترابية وإغلاق هذا الملف نهائيا, قد تكون أولى حسنات هذا الكتاب- الشهادة الحية التي تفضح المناورات والدسائس حين اضطرت البوليساريو إلى إغلاق سجن الرشيد (25 كلم عن تندوف) ونقل المعتقلين فيه إلى جهات أخرى. يقع الكتاب في232 صفحة , وينقسم إلى جزءين يشمل أولهما الفترة من7 فبراير 1987 إلى ماي1996 ويغطي ثانيهما من يوليوز1989 إلى ماي1996 للإشارة فقد صدرت للكاتب محمد أحمد باهي , فضلا عن ""المقابر المنسية"" , كتب عديدة من ضمنها على الخصوص آخر معارك التحرير في الصحراء المغربية"" و""المسيرة الخضراء"" ورواية ""بيت النار""."".