عادت العصفورة من حمى الوطيس ريشها، يفلّ حديد الغطرسة مزهوة، عادت من مجرة النار تغنّي أعراس الذين قضوا على عتبات حلمها الأحمر قالت: ولما غار الليل في سكونه داس أفق المناجاة دلق البغتة هرج ينعق في جوقة الخراب يزرع الموت كي أرتبك وتصعق الجبة في خلوة الهيام يمدّ أدرعه خبط عشواء يرمي عراء الصدور يسرق من الأطفال غبش صباح نقي ورنين لمّة مترعة في فنجان بُنٍّ وكسرة طحين مزبدة وحضن أمومة يشاكس منام الصغار يرتب محافظهم بين شفق للفجر وصفار للشروق.. نشاز الصوت نجس النعيق في مقبرة الإفك خَنْق البراءة على مشانق العهد.. مئزرك الأبيض يا قديس "الشفاء" يغتسل برحيق الجثث يتجمل حينا بدفق الشهادة وينثر أحايينا دمع الرقة، يُغتال وفي القلب وجع وباليد ترياق وفي الجهات هلع.. ضَرَب القلب أوتاده صفّد الخوف وراح يفلّ الحديد عزّة ولما أدرك الخبر قال: اليقين ما عزفته غزّة.. أنامل العصفورة تلوّّن عبق الصهد تشتري من الباحات خفة سمر صيفي وترتّل في الروح أوزان النفير.. كانت في مرمى الجنون وكان لها عنوان في القص حكايات، أم خيال من السرد أم غرابات فتنة على مطالع الوأد.. غزّة، عصفورة من مجرّة النار ملحمة اللون والصّليل.. في وميض الزمن غرّد النبض المتبّل بالبذل وانتبج الغيم وكان المطر حبرا في دواة الرصاص، كانت عصفورة ترفرف بين أشجار من نجوم السماء ترسم غدها القادم كل ليلة في ثورة القلب وتشدو في محراب الوريد خفق الجسد والدماء.. كطفلة، فردت ضفيرتيها ومضت تغرف من سواقي العمر بهجة لخجل أنثوي.. كنسمة، راحت تبحث عن كلمات لتوزّع لون مهبِّها الدافئ وترفض أن تقايضه بصبح لا يشمسه وطن.. تدثّرت بالماء ولما خلعت نعليها بالواد تطهر بحمرة في عينيها وانتشل من يديها جرعة للفيض.. عادت من مجرة النار تبكي حزنا على قصيدة لما استوت قوافيها تعذّر السماع للإيقاع تعذر بالكلمات لأن صداها يزغرد للزناد ووزنها من بحر يجاور قصفة الزيتون في قعره سطوة حبلى بالموت والمعاد.. لون الصباح إذ تشتهي الشمس لغيمها النحاسي.. لمع الجذوة لما يغرّب فتنتها مطر من رماد ويجلي غمامها ريح من عرق المتعبين عندما يتوشحون بالسنابل في ظهيرة تغني القيظ والأمل المؤجّل للحصاد.. عادت العصفورة تحمل الألم أملا،، عادت من مجرّة النار وبعينيها صورة للوطن وعشق جنوني لجسد تفجّر ومضى كي يبلل ريشها بصهده الأحمر.