تحت شعار "شعبٌ واحدٌ وألمٌ واحدٌ"، استأنف الصالون الأدبي مجدّدًا لقاءَه يوم الاثنين الموافق 19-1-2009 في الساعة السادسة مساء، وذلك تضامنًا مع أهلنا في غزة، وضدّ جرائم لا تغتفرُ، تُرتكَبُ بحقِّ الإنسانيّة والمدنيّين والأطفال في غزة، وقد افتتحت الندوة د. روضة بشارة عطا الله، وشدّدت على أهمّيّة تجديد ندوات الصالون الأدبيّ بعد توقف دام قرابة عام وثلاثة أشهر، وذلك لأهميّته ودوره الأدبيّ، وقد اقتضت الحالة الرّاهنة في غزة تجديد لقائِنا، من أجل البحث وتداول المواضيع الثقافية، لِما لها من أثر بنّاء مؤازر لأوضاعنا المعيشة، وببواعث مؤثرة، وعلى خلفية أغنية فيروزنا "سنرجع يوما إلى حيّنا"، سادت الصالون عتمة لدقائق معدودات، أضاءتها صور تتوالى، تحكي عن آخر نشاطات الصّالون الثقافيّ في قرية البقيعة، وزيارة عدد من قرانا المهجر أهلها في إقرث وكفر برعم، وعرض آخر أيضا لنشاط في كليّة القاسمي بباقة الغربية، ثمّ تلتها جولة تعارف سريع للحضور، وقد تناول اللقاء محورين أساسيين: المحور الأوّل: حوار حول دور الأديب المسؤول والمنتديات الثقافية البناءة. المحور الثاني: مشاركات شعرية وأدبية تتضامن مع غزة أهلاً وألمًا. سامي مهنّا أبدى أهمية متابعة مشوار الصالون الثقافي، وتفعيل المساحة المتاحة لنا من أجل دراسة الحالة الثقافية ببلادنا، لأنه من أهمّ الخنادق الثقافية التي يمكن اللجوء إليها، تفاديا للمخاطر المحدقة بثقافتنا، وتصدّيا للعناصر المفرّقة، وبسبب الرّكود العامّ السّائد والحائل دون استمراريّة البرامج التثقيفية، وذلك للنّقص الكبير في التنظيمات الثقافية التي تجمع الأدباء والشّعراء! د. إلياس عطا الله تحدث عن توقّعه بوجود عدد أكبر من المثقفين متفاوت الأجيال، خاصّة في خضمّ هذه الظروف، وقال: بعدما انفضّ الصالون وقلّ عدد المرتادين لأسباب غير واضحة، يؤسفني أن نلتئم اليوم على الدّم الغزاويّ، بعد أن مُدّ بساطا أحمر شرقًا... فدم أطفال غزّة لن يكون موطئا لمتواطئ، وتحدّث عن محاربة السلطة ومقاطعة مكان الصالون لأسباب حزبيّة بلا أفق ، إذ بُعثتْ منتديات من جديد، وأُنشئتْ وافتُتحتْ منتديات على حساب أخرى، وأمِل أن يتجدّد المنتدى وأعضاؤه ونشاطه، دون التأثر بالحزبية، ودون هيمنة فئة على أخرى من المرتادين الذين يضمّون مجموعة من الأقلام الشابّة التي تركت أثرها في المشهد الثقافيّ، وأخرى من المخضرمين وذوي التجربة، آملا أن تكون العلاقة بين " الجيلين" علاقة تبادل النصح والتشجيع والمشورة.
تحدث عطا الله جبر عن أهمية لقائنا، فالدافع الغزاوي يستدعي اللقاء واجتماع المثقفين، ولكن ربّما الكمّ الهائل للكتب الاستهلاكية، أوصلت الكُتّاب إلى اللامبالاة، فليس بعدد الكتب يُقيّمُ الأدب الحقيقي، ولا يكون لحظيًّا، بل يُقرَأ لمدى أطول، وأما بالنسبة لغزة، فعلينا دَوْر مسؤول يُحتّم علينا توعية الجيل الصغير، والحديث عن الأوضاع في غزة والتي تتبدى كأنها فيلم دموي، يقلب حقيقة القاتل والمقتول والمعتدي والمعتدى عليه، فمهمّة الكاتب أن يُذوّت القيمة الحقيقية لما يحدث للواقع وليس للأحزاب، لأننا لسنا مع الأحزاب المتصارعة، إنما مع الشعب المذبوح يوميّا، ومع ألم نسائه وأطفاله، فعلى الأديب أن يترفع عن الحزبيات والمواقف السياسية، وأن يرتقي إلى ذاك الدم والجسد المقدس المسفوك في محرقة غزة! ناجي الظاهر تحدّث عن أهمّية الصالون الثقافي ومتابعة نشاطاته كمتنفس للأدباء، بل وعلينا أن نبعث الدماء في هذا الجسد الثقافي، واقترحَ أن يكون هناك هيئة ومدير وعريف للصالون، منعًا للانفلاتات الحواريّة التي تأخذ حيّزًا أكبر، فالمواقف نسبيّة والحقيقة نسبيّة، وعمليّة التثقيف هي من شأن المؤسسات والصحافة، والأديب هو أحد مهندسي النفس البشرية، يساهم في خلق رؤية جديدة، ومهمّته إثارة الطروحات الجديدة والأسئلة والجدل، فالمواقف السياسية تختلف عن المواقف الأدبية، وعلى الأديب أن يكون مستقلا بفكره، وعليه تعميق الشعور الإنسانيّ من خلال ما يكتب، فيؤثر إنسانيّا لا حزبيا، ويكون قائدًا لا تبعا، فالمثقف الحرّ الحقيقي هو مشروع شهيد من أجل الوعي والثقافة ! عقّب د. إلياس عطا الله: وهل يمكن تجزئة الصّدق الأدبيّ؟ أوما زلنا نحتاج إلى تكرار " أنا يوسف يا أبي"؟ وهل نحن مترفون اليوم حتى نعود إلى جدال قديم حول الفن للفنّ أو الفنّ للحياة، في حضرة غزّة لا صوت إلا للموقف، وحقّك أن تعرّف الأدب والأديب كما تشاء، ليست إسرائيل وحدها تظلم، فهل تصفية حماس هي لحظات منتظرة مشتهاة؟ وكيف تفسر أنّ رام الله وبير زيت لم تنتفضا؟ ومن انتفض فيهما قمع! وكيف صار الفلسطيني يستخدم الغاز المسيل للدموع ضدّ أهله؟ فمن الذي يُدافع عن المظلوم؟ وأي انتخابات هذه التي ينادون بها اليوم والدم يسيل في كلّ بقعة من غزّة، ليس هناك من ظلم مطلق، لكن هناك ظالم بعينه يجب أن نشير بالإصبع إليه، لا تكفي في مثل هذه الحالة النزعة الإنسانية، كلّ لحظة يقتلون فيّ إنسانيّتي، فأيّ قماءة هذه التي تجيز للجزائر واليمن ومصر ورام الله وغيرها أن تُحمّلَ "حماس" المسؤوليّة لِما يدور في غزة من مجازر؟ "حنّا أبو حنّا" قال: لا أودّ أن أعرّي الأديب والشاعر عن أي ارتباط فكري وسياسي يتجاوز الأدب، لأنه إنسان وله مشاعر مثل الآخرين، وهناك ضرورة لتنظيم معيّن، قد ينتمي أديبٌ ما إلى حزبٍ، شريطةَ أن يحافظ على استقلاليّته في الدفاع عن رأيه فلا يخضع، وبكل وسعه يسعى لإمكانية التقاء الجهود السياسية التي تجمع على الحد الأدنى، لأننا كأقلية قومية في هذا البلد، لا يمكننا أن ننجح إن بقينا ممَزَّقين، ومن حقنا الدفاع عن كياننا وحقوقنا وصياغة هوية كريمة لنا، ونحن على استعداد أن نلتقي كل من ينادي بها، ولا نستطيع تعرية أنفسنا من التنظيم، فنحن نناقش هنا وهناك كأدباء، ونسعى إلى تنضيد صفوف المنادين بالوطنية، فليس كل العاملين بالسياسة مخادعين، ونحن نحتاج إلى لقاء يجمع من مختلف التيارات، لكن أن نلتقي في نصرة الحق! وتابع مؤكّدا، روبرت فيسك يقول، ليس الطعام هو مشكلة الشعب الفلسطيني إنما العدالة، فالقضية تحتاج إلى موقف عادل، وهذا هو نضال الفلسطينيين، فلو وضعنا القضية في ميزان العدالة، لاستطعنا فتح أعين العالم على ما يدور، فالشعب الفلسطيني لا زال مشرّدا وملاحَقًا في كيانه، وله الحقّ في استقلاليته واستعادة طاقاته المبدَّدة، ولا ننسى أن ليس كلّ الأدباء إنسانيّين، فلو أن الإنسانيّة كانت متجوهرة في الأدباء اليهود، فسترى الحق وتُناصره، لكن ليس هناك موقف جذري من الحق والعدالة! إياد برغوثي تحدث عن أهمية تحلّي المثقف بموقف سياسي محدّد، كي يكون له سياق للفهم السياسي، وعليه أن يكون جزءًا من النضال، ويساهم في دور تخفيف وطأة تشويه الهوية الفلسطينية، فالمثقف يمكن أن يكون مؤثِّرا فاعلا، يعمل على تعميق الفهم داخل الحزب والنخب الفاعلة، وتنظيم الأدباء في أطر خاصة بهم، يساهم في حراك أدبيّ إيجابيّ، والأمر ليس صعبا، فالتنظيمات الحقيقية البنّاءة تساهم أيضا في تشجيع حركة النقد البناء، والتنظيم الشبابي ينسحب تحت معايير ومقاييس واضحة، ومن المهم أيضا، أن لا نكتفي باللجوء إلى المرآة فقط، بل نعمل على التفاعل بين الشعراء والجمهور، ونعمّم الندوات في أطر أكبر! أمّا الجزء الثاني من الندوة فقد تطرّق إلى الإبداعات الأدبية، وقصائد كلّها تصبّ في الوجع الغزاوي الأليم: شارك كلٌّ من: حنا أبو حنا، سامي مهنا، خالد محاميد، هيام قبلان، عطا الله جبر، نزيه حسّون، راضي عبد الجواد، إدمون شحادة، أحمد فوزي، وبعيدًا عن الشعر، تحدّثت آمال عوّاد رضوان عن مقالِها الأوّل قبل المجزرة، "هل الغاز آخر غزوات غزة"؟ والذي دار حول الحرب على رغيف الخبز والغاز، ثمّ تلاه مقالها الثاني بعد الواقعة، "كل غزوة وأنتم بهجرة"، والذي يتحدّث عمّا ترمي إليه الأحداث من أبعاد على غزة وعلى القضية الفلسطينية برمّتها، من إبادة جيل طفولة ومن سياسة تهجير، من منظورها الشخصيّ، طارحة علامات استفهام للذهن الوطنيّ! واختتم اللقاء حنا أبو حنا متحدّثًا عن الرؤية الفنية والثقافية للأدب، إذ إنّ الموضوع هامّ وجدير بالنقاش الجاد وبمنتهى الموضوعية، دون تعميم التجارب أو التصرف بها، لأنّ التجارب لا تستوي مع الألم الأكبر، خاصة وأنّ الجراح تُنكأ والدماء تُسفك، فالتنفس الأدبي السريع، يكون أقرب إلى المباشرة، لذا لا بدّ أن نعمل على فنيّته بعد الهدوء