إستدار حميّد قادما من ناحية الجبانة القديمة محاولا اختراق المارة عند المدخل الجنوبى لشارع السوق، هدّأ من سرعته ومرق بجانب الجدار ممسكا العصا من المنتصف، لف حول نفسه عدة مرات وعاد إلى بداية المدخل الجنوبى لشارع السوق، توقف لاهثا وكشف بعينيه الشارع الممتد غير عابئ بالماره المتناثرين، أحكم قبضته على العصا بيمينه، من نقطة بعد سور الجامع حددها هو، وعند زمن ما للأمام خطت قدماه مسرعتين، وللأمام وللخلف حرك يديه مارقا فى منتصف الشارع، تزيد سرعته كلما خطا بقدميه الناشفتين، ينهب الشارع ركضا، وعند القهوة كان الشارع مسدودا بالباعه، وقف هادرا يتطاير من فمه وأنفه سائل لزج، جلس مكانه ممسكا العصا من المنتصف يصيح وهو مغمض العينين : -تششه. حاول بعض الماره مساعدته،لكنه انتفض واقفا ومتصلبا، وسار بجانب الجدار، وفى الشارع الأيسر المؤدى للجبانة القديمة اختفى. أقبل بعد الظهر بقليل من عند الجامع مستقبلا شارع السوق، مندفعا بقوة، قابضا على العصا من المنتصف، متخذا منتصف الشارع مسارا له، المارة يخطون مبتعدين من نهر الشارع، بينما زحف البائعون للخلف، راحوا يسحبون المقاطف المملؤة بالغلال، الكلاب المندسة عند محلات الجزارة تنسحب، وتنزلق من خلال أبواب البيوت المهشمة، وصل مندفعا تجاة مخزن البيرة الذي يهيمن على ناصيتى شارع السوق أشرف بصدره على النهاية، اعترضته سيارة النقل الثقيلة التى كانت تفرغ حمولة البيرة، قفز واقفا وخر منكمشا، دفن رأسه بين ركبتيه، وضع العصا تحت إبطه الأيمن وزفر مزمجرا: -تششه. تطايرت النظرات عليه، توقف تموج الماره، حاول بعضهم النهوض بعد ان انكفأوا على البائعين المصطفين علي جانبى الشارع ، يموج المارة فى بعضهم بعضا، رفع حميد رأسه وانتصب واقفا، شاخصا ببصره واستدار راجعا ناحية الطريق الضيق المؤدى للجبانة القديمة. عند المغرب أتى مسرعا من خلف الشادر، قابضا على عصاه من منتصفها، تاركا العنان لقدميه، رفع رأسه لأعلى مندفعا للأمام، اعترضه بعض الصبيه المتربصين خلف قهوة حسن أبو مكى، قفز واقفا، وتهاوى جالسا، دفن رأسه بين ركبتيه وقبض على عصاه بإبطه الأيمن ، صاح هادرا: -تششه. التف حوله الصبيه وأخذوا يدورون حوله مصفقين ومرددين: -المبدول.. المبدول. أسرع بعض الماره خلف الصبيه يفرقونهم بعيدا عنه، صعد برأسه لأعلى ومسح المخاط المنساب من فتحتى أنفه وفمه بكم جلابيته الملطخة بالطين وبقايا طعام، استلم جانب الطريق الضيق المؤدى للجبانة القديمة، ثم اختفى. بعد منتصف الليل بقليل، وبعد أن ابتلعت المنازل المارة واختبأت القطط بجانب عجلات عربات الكارو، أقبل حميّد من أول شارع السوق الذى فرش له ساحته على طول بصره مندفعا، مسرعا كالشبح وقابضا على عصاه بيمينه، ينهب الشارع بقدميه ويركض خلفه ظله فى منتصف الشارع يسابق الريح، لقدميه أفسح لهما مضمار السباق، يداه تشقان صفحة الهواء البارد، رفع رأسه لأعلى يحكم قبضته على عصاه، تدفق مسرعا للأمام فى خط مستقيم.