انطلقت مساء اليوم، الجمعة 03 فبراير 2012، فعاليات المهرجان العربي الأول للقصة القصيرة جدا بمدينة الناضور. يعتبر تنظيم هذا العرس القصصي ثمرة شراكة بين جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون ووزارة الثقافة وعمالة إقليم الناضور. تنعقد هذه الدورة الأولى من المهرجان ؛ الموسومة " بدورة القاصة فاطمة بوزيان"، تحت شعار: " القصة القصيرة جدا : حصيلة وآفاق". وقد استمرت أشغال هذه الدورة طيلة يومي الثالث والرابع من فبراير الجاري بحضور نخبة من المبدعين والنقاد العرب، إلى جانب حضور عامل المدينة و رئيس المجلس الإقليمي ومجموعة من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية المحلية والوطنية. خصص صباح الجمعة لاستقبال المشاركين والمشاركات في هذه التظاهرة الأدبية العربية؛ التي تعتبر الأولى من نوعها بمدينة الناضور بل في المغرب، وذلك بأحد فنادق المدينة حيث تمت إقامة حفل غذاء على شرف الضيوف الذين تجشموا عناء السفر قادمين من مختلف البلدان العربية، وكذا من شتى ربوع المملكة المغربية تلبية لدعوة الحضور في هذا العرس الأدبي الذي يحتفي بالقصة القصيرة جدا. استهلت الجلسة الافتتاحية في الساعة الرابعة مساء بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم على مسامع الحاضرين، وعقبها مباشرة تم الاستماع لأداء النشيد الوطني، ثم ألقى مندوب وزارة الثقافة بالناضور كلمة، شكر فيها عامل إقليم الناضور لدعمه اللامشروط لهذا المهرجان، كما شكر الساهرين على تنظيم هذا العرس الأدبي ورحب بجميع الحاضرين. بعدها تقدم إلى المنصة الأستاذ جميل حمداوي، رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون، فألقى كلمة ترحيبية، مستعرضا أهداف عقد هذه الدورة من المهرجان مجملا إياها فيما يلي: 1. التعريف بفن القصة القصيرة جدا باعتباره فنا مستحدثا في أدبنا العربي الحديث، مشيرا إلى خصوصيات هذا الفن؛ الذي ظهر في أمريكا اللاتينية خلال الخمسينيات من القرن الماضي، ثم انتقل إلى بلاد العراق وسوريا، ليزدهر أكثر في المغرب ولينتعش في الأخير، نظرية ونقدا ومنهجا، في مدينة الناضور؛ لذلك يعتبر جميل حمداوي مدينة الناضور العاصمة الثقافية للقصة القصيرة جدا. 2. تشخيص واقع القصة القصيرة جدا على مستوى الشكل والدلالة والمقصدية وتحديد الآفاق المستقبلية للنهوض بهذا الجنس الأدبي ليتبوأ المكانة اللائقة به. 3. الاحتفاء بالمبدعة الناضورية المتميزة فاطمة بوزيان. وجدد الترحيب في نهاية كلمته بضيوف المهرجان . إثر ذلك أعطى مسير الجلسة الكلمة لممثلة الوفد العربي القاصة السعودية شيمة محمد الشمري؛ التي حيت الحضور تحية أدبية مفعمة بدفء القصة القصيرة جدا، متوجهة في الآن ذاته إلى المغرب بكل التقدير والامتنان، و إلى جمعية الجسور وإلى إدارة المهرجان الأول للقصة القصيرة جدا في يوم ولادته وإلى كل من دعمه ماديا ومعنويا، مشيدة بانفتاح المغرب وتعدده واختلافه وإبداعه، وبمدينة الناضور التي " تنقش اسمها بزعفران القصة عبر هذه التظاهرة القصصية". ومتمنية في الأخير أن يظل هذا العرس القصصي تقليدا دائما ومعلمة سردية في المشهد الإبداعي العربي. ثم تناول الكلمة ممثل الوفد المغربي القاص والكاتب حميد ركاطة الذي أبى إلا أن يدعو الحاضرين إلى قراءة الفاتحة ترحما على أرواح المبدعين الذين يرحلون في صمت، وأكد في كلمته على دور الانفتاح الثقافي في الهوامش المغربية. ثم احتفت جمعية الجسور، بعد تلك الكلمات، بالإبداع النسائي المغربي، فتفضلت بتكريم ثلاثة أسماء نسائية: أولها القاصة المتميزة السعدية باحدة، وثانيها المبدعة الفريدة فوزية القادري، وثالثها الناقدة الحصيفة سعاد مسكين، مسلمة إياهن هدايا التكريم والتقدير عرفانا بجهودهن وإبداعهن المتميز. بعد حفل شاي على شرف ا لضيوف، تواصل برنامج المهرجان بمائدة إبداعية سردية عرفت مشاركة خمسة وعشرين مبدعا قاصا عربيا ومغربيا، أمتعوا الحاضرين بقراءة مجموعة من نصوصهم القصصية وفيما يلي نذكر أسماء بعضهم على التوالي مع عناوين قصصهم القصيرة: 1 عبد الله المتقي: موناليزا رصاصة فارغة. 2 حسن البقالي: ماذا يحدث حين تترك فمك مفتوحا أثناء النوم المرآة مزادان. 3 محمد البشير: لم تكن صورة أرذل العمر جدران الشعب. 4 عبد الحميد الغرباوي: أمل قلب تساؤل رائحة نزيف. 5 فاطمة بن محمود: ثورة حفار القبور آه لو تقطع ألسنة النساء فخامة. 6 جمعة سعيد الفاخري: ختام وطن قبلات إختفاء تعانق افتتان نداء شعب مصيدة سكوت. 7 السعدية باحدة: مولد المأساة مملكة السماء ديموقراطية. انعقدت، بعد استراحة قصيرة، المائدة النقدية الأولى، وقد استهلها الأستاذ جميل حمداوي بمداخلة عنونها: بنية الجملة في القصة القصيرة جدا؛ إذ أكد أن القصة القصيرة جدا تتميز بتوظيف الجملة البسيطة ذات المحمول الواحد، وتبتعد عن الجملة المركبة، وذلك من أجل خلق إيقاعية سردية داخل القصة القصيرة جدا، ليستعرض الأستاذ بعد ذلك طائفة من أنواع الجمل التي يرتكز عليها المبدعون في بنائهم نصوص القصص القصيرة جدا؛ كالجملة الفعلية والجملة الإسمية ذات الخبر الفعلي والجملة المشهدية والجملة الوصفية والظرفية والمتوازية والمسكوكة والأسطورية والإيحائية والرمزية والشاعرية والحجاجية والانزياحية والساخرة والشذرية والمفارقة والخارقة والتراثية والمحاكية وغيرها من الأنواع، معززا إياها بالأمثلة في كل مرة. وبعد ذلك ألقى الأستاذ عبد العزيز ملوكي مداخلة، نيابة عن الكاتب التونسي عبد الدائم السلامي، عنوانها: في إيقاعية القصة القصيرة جدا. ليقدم الأستاذ عبد الواحد عرجوني ثالث المداخلات، نيابة عن الأستاذ محمد قاسمي، في موضوع: القصة المغربية وخطاب التجنيس، وقد تناول الأستاذ في ورقته قضية التجنيس؛ إذ أشار إلى أن عدد المجموعات القصصية الصادرة بالمغرب منذ سنة 1947، تاريخ صدور أول عمل قصصي من وجهة نظر بيبليوغرافية إلى الآن، وصل إلى 616 مجموعة تنوعت تجنيساتها تنوعا لم تشهده باقي الأقطار العربية، وهي تتنوع ليس انطلاقا من مجاورتها لأجناس أدبية أخرى ولكن داخل تجنيس واحد، وقد أحصاها الأستاذ فوجدها بالغة 92 تجنيسا للقصة المغربية. يمكن اختزالها في الحقول الآتية: إبداع حكي خواطر سرد قص مذكرات نص. ليخلص الباحث في نهاية عرضه إلى أن أغلب الإشكالات المطروحة في مسألة التجنيس مردها إلى أربعة أمور أساسية هي: 1. غياب الوعي النظري لدى كتابنا وخاصة المبتدئين منهم بقضية الأنواع الأدبية. 2. غياب جهاز نقدي متمكن يضبط الفوضى السائدة في قضية التجنيس دون أن يعني ذلك فرض قيود على المبدع. 3. مشاكل النشر بالمغرب ومتاعبه. 4. الهواية الطاغية على كتاب القصة؛ فالكاتب المحترف دقيق في تتبع عمله في كل مراحله. أما المداخلة الرابعة للأستاذ محمد أمحور فقد جاءت عبارة عن قراءة في المجموعة القصصية القصيرة جدا الموسومة ب " الكرسي الأزرق" لعبد الله المتقي. في حين جاءت خامس المداخلات وآخرها في هذه المائدة؛ معنونة ب " من قضايا القصة القصيرة جدا" للأستاذ فريد أمعضشو؛ الذي انطلق فيها من كتاب الناقدة سعاد مسكين الموسوم ب " القصة القصيرة جدا في المغرب: تصورات ومقاربات"، مركزا في عرضه على قضية واحدة هي قضية تحديد مفهوم القصة القصيرة جدا وتجنيسها؛ منتقدا توجه جميل حمداوي، في هذا السياق، باعتباره الأكثر تشديدا على وسم هذا اللون الأدبي المستحدث ب " الجنس"، مستعرضا طائفة من التعريفات التي تمثل مختلف وجهات نظر النقاد سواء المؤيدة للتوجه المذكور أو المخالفة له أو التي لم تطمئن إلى مذهبي الفريقين معا أو المضطربة التي لا تستقر على تحديد بعينه؛ ضاربا مثال ذلك الرأي بعبد العاطي الزياني. وخلص الأستاذ فريد أمعضشو في نهاية مداخلته إلى أن القصة القصيرة جدا هي مجرد نوع أدبي كما أكدت سعاد مسكين وجاسم خلف إلياس وغيرهما، ورأى أن التسليم بمشروعية وجودها لا يزال مثار نقاش واختلاف، وأنها مازالت "تناضل" سعيا إلى إثبات ذاتها سواء في سوق الأدب لدينا. وأنها لم تصل بعد إلى تحقيق صورتها المكتملة. لذلك، فمن السابق لأوانه اعتبارها جنسا أدبيا قائما شأن القصيدة والرواية وغيرهما من الأجناس الأدبية المعروفة، لكن حجم الاختلاف المثار حولها بين الباحثين وعمقه أمر يحسبه الأستاذ إيجابيا؛ لأنه يكشف عن مدى الاهتمام النقدي الذي حظيت به هذه القصة، على حداثتها في أدبنا المعاصر؛ مما ينبئ بمستقبل أفضل لها في الأدب العربي إبداعا وتلقيا. وقد تلت هذه العروض تدخلات بعض الحاضرين في إطار المناقشة والإغناء. أما صباح يوم السبت 4 فبراير 2012، فقد تميز بانعقاد المائدة النقدية الثانية التي عرفت تقديم خمسة عروض هي على التوالي: 1. المضمر الخفي والمشترك الثقافي في القصة القصيرة جدا للأستاذ محمد أيوب. 2. القصة القصيرة جدا في المغرب بين الكونية والخصوصية للأستاذة فاطمة بن محمود. 3. خطاب الميتاسرد وتنظير القصة القصيرة جدا للأستاذ نورالدين الفيلالي. 4. القصة القصيرة جدا بالسعودية قراءة موضوعاتية للأستاذ حميد ركاطة. 5. خصائص اللغة في المجموعة القصصية القصيرة جدا لسناء بلحور للأستاذة غادة محمد البشتي. وعقب الانتهاء من تقديم العروض الخمسة، فتح باب النقاش والتعليقات إغناء للمداخلات المقدمة. أما حصة المساء فقد خصصت لقراءات نصوص قصصية قصيرة جدا للمبدعات والمبدعين العرب والمغاربة؛ إذ بلغ عدد اللذين قدموا نصوصهم القصصية حوالي ثلاثين قاصا منهم: فهد الخليوي إسماعيل البويحياوي شيمة محمد الشمري فتيحة رشاد خالد المرضي محمد منير الطاهر الزراعي غادة محمد البشتي عبد الغفور خوى محمد محقق عبد الواحد عرجوني فوزية القادري محمد صولة وغيرهم. ثم بعد هذه المائدة الإبداعية، تم إلقاء بعض الكلمات في حق المحتفى بهن في هذه الدورة؛ وهن على التوالي: السعدية باحدة وسعاد مسكين وفوزية القادري.
عقب ذلك اختتم المهرجان العربي الأول للقصة القصيرة جدا بمدينة الناضور، وذلك بتلاوة البيان الختامي الذي شكر من خلاله المشاركون في هذا المهرجان الدعم المادي والمعنوي الذي تلقوه من كل من وزارة الثقافة وعمالة إقليم الناضور، وثمنوا هذه المبادرة ودعوا إلى ترسيخها تقليدا سنويا، كما طالبوا بتحويلها إلى مهرجان دولي ذي هوية إنسانية. ودعوا إلى توثيق أعمال المهرجان النقدية والقصصية وإصدارها في كتاب، مؤكدين على ضرورة احتضان المهرجان من طرف مختلف الهيئات والمؤسسات. ثم ثمنوا الزيارة التي قام بها وفد عن المشاركين في المهرجان إلى الشاعر الحسين القمري ملتمسين من الجهات المسؤولة وضع اسمه على الشوارع والساحات العمومية وبعض المنشآت الثقافية بالمدينة. كما نص البيان الختامي على مباركة المشاركين ثورات الربيع العربي وثورات القص القصير جدا، داعيا إلى إحداث مسابقة للشباب العربي في جنس القصة القصيرة جدا. بعد تلاوة البيان الختامي للمهرجان العربي الأول للقصة القصيرة جدا، تم رفع برقية ولاء وإخلاص إلى صاحب الجلالة ملك البلاد وأسرته العلوية الشريفة.