خرج من حلمه المزعج منهوك القوة ، تجشأ افكاره الوردية ،عاين ما تحقق منها وما فشل في إدراكه ..تحرك عبر شرنقة الزمان المنسي.و بالكاد فتح نافذة وهمية بشغاف ذاكرة المساء .. سجلات تشنق سجلات. ودموع الحبر الأسود قد طفح فوق مقل الكتب الصفراء .هناك في جبة الظلام اختبأ الحلم واختنق احمد بالغبار وقامته الهزيلة تئن بين أكداس الكتب المنسية..دفع عن نفسه الركام ، فخرج من بيت السطور المحنطة، يحتفل بذكرى ميلاده .فوجد تلاميذه قد ترهلت اصواتهم وانتفخت بطونهم وغرقوا في نعومة الكراسي الوثيرة ونسوا بل تنكروا لنشيده يخترق ضفاف الوادي: أو أو أو هذا ماذا ماذا هذا أنا عفريت أنا نفريت... انفجر القسم ضحكا من منظر احمد وشكله ورائحته القديمة. سأل الصبيان مستغربا: فأجابه أحمد وسمادير الدوخة تعبث بمخه : المعلمة تخشى العفاريت والصراصير وتسعد لرنة الهاتف داخل حقيبتها، و تمازح المدير في مكتبه. والمعلمون يقهقهون ويتغامزون تحت ظلال الشجرة الوارفة في الساحة . بينما تصرفها يثير أعصاب البواب فيبصق في اتجاه المكتب الموصد بإحكام ويسر في نفسه نعوته المقرفة . أرسل أحمد في القسم رائحة الثوم وزيت الزيتون المبارك وأشياء أخرى : تقدمت نحوه المعلمة رباب ثم تراجعت بخطوات، وقد جحظت عينا التلميذ المتمرد وتدلت شفته السفلى...صاح بأعلى صوته: - بوكماخ، خوك داخ هرع التلاميذ خارج القسم مذعورين خلف المعلمة رباب والصبي يصيح: أنا احمد، أحمد العفريت رفع المدير السماعة واخبر بالحادث، بل اشتكى بمرارة من تصرف العفريت، واسترسل في شرح خطورة الوضع وآثاره النفسية على الصبيان. بل أكد لسعادة العقيد ان تصرفا كهذا يهدد استقرار المدرسة ،وآفاق منظومة التعليم ومصداقيتها .وأكد للسيد النائب أن ما حدث كان مروعا جدا يستدعي توفير الحماية اللازمة لهذه المعلمة الوطنية الكبيرة .وضع المدير سماعة الهاتف ، وأخذ احمد لعفريت خنجرا داخل محفظة كتبه وصاح في طابور الهاربين: -أنا احمد لعفريت .. أدارت الأم صفحة التلاوة الجميلة وقد نفضت عنها غبارالنسيان. فخنقتها عبرة الفخر والاعتزاز وهي تراقب فلذة كبدها يردد بتلذذ: أ و أو أو هذا ماذا؟ ماذا هذا؟ أنا عفريت أنا نفريت قامت الأم الحنون ودموع الفرح تنهمر على خديها الموردين كحبات اللؤلؤ المنثور، قبلت جبين ولدها أحمد وقالت والأسف يعصر قلبها : أجل يا ولدي : احمد كان علامة زمانه . فأطفأه النسيان ورائحة النبيذ في الأقسام ...