جلس في المقعد الخلفي يسترجع أيام الصبا والسهوم باد على محياه،أحداث مرت مر السحاب في يوم صائف،كل شيء فقد طعمه في نظره، صار يتمنى الموت على الحياة، الحياة التي طالما ارتمى في أحضانها طربا منتشيا،ها هو ذا ينفر منها مثل حمر مستنفرة فرت من قسورة،لقد كان وقع الصدمة عليه قاسيا فلم يتوقع يوما أن يستفيق على خبر مثل هذا،فأن يفقد زوجته وعمله هذا ما لم يخطر له على بال,تكالبت عليه المصائب كما تكالبت الضباع(وليس الظباء) على خراش،لم يعد بوسعه التحمل فقرر أن يجد حلا لما هو فيه. - ما عساي افعل يا ترى ؟ أ أنتحر أم أبحث عن عالم جديد ليس فيه إنسان؟ قالها بصوت مرتفع دون أن يحس ، فانتبه الجميع إليه مستغربين تعلو وجوههم الدهشة،تساءلوا عن السبب فهم لم يتعودوا رؤيته على هذه الحال طوال سنوات عديدة صحبهم فيها على متن الحافلة، لا بد أن هناك سببا هذا ما رجحه "علي" أحد الذين يعرفون "عباسا" حق المعرفة،اقترب منه قائلا: -ما سبب تجهمك وسهومك وقنوطك؟ نظر إليه دون أن ينبس ببنت شفة، فكرر نفس السؤال أجابه بصوت خافت: إن ما حل بي تعجز الجبال الراسيات على أن تتحمله، لقد فقدت زوجتي ومعها عملي. -إنا لله؟؟؟ هون عليك يا عباس ، انصرف "علي " واستسلم عباس لسهومه ،وصلت الحافلة إلى المحطة الأخيرة دون أن ينزل في محطته المعتادة،تفقده سائق الحافلة فوجده قد أسلم الروح لبارئها.