لم يخطر ببالي أسترد ماتأملت ... فقد شُدت الأفكار ونقلت بعض حطام الباطن إلي ونجم عن ذلك تصور مفكك جعلني وسطا مابين الفكاهة والتراجيد بموجز رمزي سريع أختصرت الخصائص وعنيت بحاجتي الأزهار الراقدة في بيوت الزجاج قرأتُ أمامها لبراعمها التي بدأت بالنمو ، لكني وقتها متلبس الذهن بين موعد القطار وموعد أغلاق متنزه البامبا ... لم أغلق جيداً الصورة في الذهن بشكلها النهائي لسعتني الأشواك وأفواه النحل ومس كَتِفيّ ترابُ الأوراق الفخمة التي لم تُقلم ،، كذا مع سحب الدخان وأصوات فرقعة العجلات الحديدية وكذا مع المسرعين للحاق بالعربة الأخيرة ، أرتبط ذلك بمشهد مقابلٍ للذين يحتسون القهوة ويجالسون الهدوء ويرمقون الساعة الجدارية بصبر فعال وهم مقتنعون بأن الشمس تدوس الأرض والأرضُ تُخرجُ التواريخَ اللاحقةَ وتهيأها للمقبلين بموازاة المتأرجحين بالنفس الأخير من الحياة ، تركت المتنزه يُغلق ... تركت قدمي لاتلحقان القطار .. أعتقدت بأني ضبطت ألة حماقتي كانت الموائد أمامي تتحدث عنها ماترك فوقها من الأطعمة والقناني والمناديل الورقية والكؤوس والملاعق والسكاكين وهذه الأشياء كلها تختلف من طاولة لأخرى وعليها بدأ يدور عازف الكمان بعد أن خلا المكان ليشد برفق تارة أوتاره وبعطف تارة أخرى وأنا أستمع وأفسر اللحن : هذا اللحن يعني : الليل الساكن تحت أشجار الصنوبر .. واللحن الأخر يعني : الفتاة التي حيرها أنتظارها المبهم وعندما أسرعَ ولف الزوايا الأربع وقبل أن يمر على الأوتار قوسه الأخير قلت هذا اللحن يعني : ولكنه أكتفى ومسح بمنديله عرق جبينه وأنحنى رغم لاأحد من الجلاس هناك ثم رفع قامَته وأبتسم ... لمعت الساعة الجدارية بالضوء وتكرر لمعان ضوءها المتقطع فأشير أولا لبودابست وكان الدبُ أسوداً قبل أن يكتمل قطبيا .. من السذاجة أنتظر المتوالي من الأسماء كلما تكرر لمعان الضوء فسعيت لما كتبته من الجُنيد وللمعتقد في الذوبان اللاإرادي وأنصرفت لعباءة أخرى كنت قد خرجت منها مبكرا إلا أني حين أكتمل الإصفرارُ عند غياب الشمس أستعوذت برماد التنور ... وبشجيرة التين وبأناء الخميرة ثم بحليب الماعز ... فأسترد عقلي ماتأملته ومضى رغم أني الأن بين المتنزه وبين القطار استمع من جديد لنغمات العازف الذي إعتقدَ بصلتي بالخطايا الأصيلة فعزف : تفاحة أدم ... وعزف قابيل وهابيل ... وعزف جنة النار ... بدأت المسافاتُ نقدمها بعضنا للبعض مسافاتٍ غير شرعية وكان يمر قطار وأخر وأضاءات وأخرى وصاعدون وهابطون وأنا وسط مابين الفكاهة والتراجيد أقول لهما كلاكما لاتحلان شفرتي .. ماذا أفعل والشمس تدوس الأرض والأرض تُخرج التواريخَ اللاحقةَ وتهيأها للمقبلين منها بموازاة المتأرجحين بالنفس الأخير من الحياة ، لم أتصور أنها بداية لحياة جديدة بزجاج ملون وبثمرة بلوط ... لم أتصور أنها حياة جديدة حين بدأت تغزلُ على جسدي مالديها من خيوط العنكبوت ،،