تعتبرالشعر الشعبي الدرعي جزءا لا يتجزأ من التراث المغربي الأصيل، ويسوغ الحديث عنه،وعن قضاياه ما أطلق عليه أعلام الأدب المغربي اسم المنهج الإقليمي من أجل الإحاطة بجميع فروع الأدب المغربي،الشعبي منه والفصيح، وتأتيهذه المداخلة لمقاربة موضوعة مركزية في الأشعار الدرعية وهي موضوعة السخريةالتي طالت جميع فروع المعرفة للاربوسنحاول مقاربة السخرية في الأشعار الدرعية ،انطلاقا من الإجابة على الأسئلة التالية:ما هي السخرية، وما علاقتها بالأشعار الدرعية، ثم ما مظاهرها في الأشعار الدرعية؟؟؟. 1- مفهوم السخرية: تسم السخرية بطابعها الزئبقي إذ" من الصعب بمكان الحديث عن مفهوم واحد وموحد للسخرية، فالتاريخ الصحيح لهذا المفهوم هو تاريخ استعمالاته المتعددة، وتداولاته على مر العصور، في سياقات ثقافية واجتماعية متباينة، وتاريخا نياته وانتقاله بين الأدب والفلسفة جعلاه مفهوما غامضا، وملتبسا، غير مستقر، ومتعدد الدلالات والأشكال، يستعصى على التعريف والحصر، وذلك أن ( ما ليس له تاريخ هو ما يمكن أن يعرف حسب نيتشه) "1 ، وبالرغم من زئبقية مفهوم السخرية فإن هناك عدة مقاربات سنشير إلى بعضها. تكاد المعاجم اللغوية تجمع على أن السخرية هي الاستهزاء والتهكم، فهي اسم مشتق من فعل\"سخر منه وبه سُخرا ومُسخرة، بالضم وسُخرة وسُخريا: هزئ به .. الفراء: يقال سخرت منه وسخرت به، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وهزئت به، كل يقال والاسم السخرية والسخري\"2 . فابن منظور في تعريفه هذا جمع بين السخرية والضحك، أي أنه ساوى بين المفهومين انطلاقا من قول الأخفش سخرت منه وسخرت به، وضحكت منه وضحكت به، وهذا المعنى غالبا ما يكون سلبيا على الشخص الذي وقع عليه، وذلك وراء قناع يخفي حقيقتها، مما يعني أن السخرية " خطاب ظاهره جد وباطنه هزل" 3 أي أنها تكون بعبارات رنانة يخالف فيها المعنى الكلمات، بحيث شبه التورية التي تدل فيها الألفاظ على معنيين؛ معنى بعيد وهو المعنى المستبطن ، ومعنى قريب؛ هو ما يدل عليه ظاهر الألفاظ، وتبقى السخرية بناء على ذلك " تستبطن وجهة نظر ماكرة لا يسعف المعنى الأول أو ظاهر النص في الإمساك بها \"4 . لذلك ولأسباب مختلفة بقي مفهوم السخرية غير مستقر، مطاط وغامض ، فهو لا يعني اليوم ما كان يعنيه في القرون السالفة. ولا يعني نفس الشيء من بلد إلى بلد ، وهو في الشارع غيره في المكتبة، وغيره عند المؤرخ والناقد الأدبي، فيمكن أن يتفق ناقدان أدبيان اتفاقا كاملا في تقديرهما لعمل أدبي ، غير أن أحدهما قد يدعوه عملا\" ساخرا\"في حين يدعوه الثاني عملا \"هجائيا"، أو حتى عملا\" هزليا\" أم\" فكاهيا\" أو " مفارقا\" أو \"حواريا\" أو \"غامضا \"5 وهي بالتالي \"وعي انتقادي أو انتقاد واع يفضح الخطاب المضاد مفشيا حقيقة وهمه\"6 بل هي\"طريقة للتعبير ؛ إنما تبلغ أو توصل، كما سنرى دون أن تبلغ أو توصل. ولكنها تتوجه بالضرورة إلى وسط اجتماعي بدونه لا يبقى معنى لتوريتها" 7 . غير أن السخرية رغم كونها انتقادا واعيا، فإنها تنبني في الخطاب على إستراتيجية تعبيرية مضبوطة ترمي إلى تصحيح العيوب في قالب هزلي ساخر عن طريق فضح العيوب الاجتماعية والتلميح إلى أصحابها . فما علاقتها بالشعر الشعبي الدرعي؟ 2- علاقة السخرية بالشعر الشعبي الدرعي نقصد بالشعر الشعبي الدرعي كل ما أبدعه الشاعر الشعبي بدرعة{ الشيخ} باللغة المحلية معبرا به عن هموم مجتمعه ومطامحه وآماله وآلامه، ومؤرخا للقبائل الدرعية كما أرخ الشعر العربي للقبائل العربية على حد تعبير الباحث الموصدياني ، وأما علاقته بالسخرية فلا تختلف عن علاقتها بالأدب،وبالتراث الإنساني بشكل عام الذي اتخذ منها أسلوبا للتعبير عن قضايا إنسانية عبر التاريخ البشري. فقد جعل منها أرسطو إستراتيجية للوصول إلى الحقيقة، وجعل منها الجاحظ وسيلة تعليمية، لمواصلة الدرس والتحصيل، ولهذه الغاية التعليمية حشد في مصنفاته مجموعة من النوادر والملح والفكاهات التي تنشط الذهن وتدخل السرور على القلب، وقد كان الطابع العلمي لكتبه يقتضي هذا الأسلوب الذي يراوح بين الجد والهزل، بل إن بعض موضوعات مصنفات كتبه كالبخلاء والحيوان يسهل تصنيفها في باب السخرية والهزل 8. وقد قال في هذا الصدد\" وربما كان الإقلال في إيجاز أجدى من إكثار يخاف عليه الملل. فخلطت لك جدا بهزل، وقرنت لك حجة بملحة ليخف مؤونة الكتاب على القارئ، وليزيد ذلك من نشاط المستمع، فجعلت الهزل بعد الجد جماما والملحة بعد الحجة مستراحا\" 9 والسخرية المثيرة للضحك باعتبارها ظاهرة إنسانية تم الوعي بأهميتها في عصرنا الحالي، إذ بدأنا نسمع عن دورها في الاستشفاء، حيث أن بعض الدول كابريطانيا، مثلا، بدأت تقوم بدورات تكوينية لتعليمي الممرضات كيفية إضحاك المرضى، وكذلك دور المهرجين في الترفيه على المسافرين، فضلا عن السخرية التي نعاينها على خشبة المسرح ، والتي تسعى إلى تعرية العيوب الاجتماعية وفق قالب مسرحي ساخر إلى جانب الصور الكاريكاتورية في الصحف والمجلات. كل ما ذكرناه أعلاه يؤكد على أهمية السخرية ومشروعيتها في التراث الإنساني بشكل عام والشعر الشعبي بدرعة بشكل خاص، حيث تحضر عبر نصوصه، منتقدة للواقع الاجتماعي تارة، ومعبرة عن مكامن الضعف التي تعتريه تارة أخرى، متخذة من التهكم والهجاء والهزء والتندر وكشف العورات، والسب والشتم، وسائلها المعتمدة للمواجهة. وإذا سلمنا بحضور السخرية في الأشعار الدرعية بشكل لافت للنظر لا مراء فيه، فما هي تجلياتها ؟. 2- تجليات السخرية في الأشعار الدرعية: إن السخرية – كما ذكرنا أعلاه – تهدف إلى التقليل والتدليل والتحقير بأسلوب براق ومضامين حادة، وهذه الموضوعة المولدة للهزل والضحك يجب أن يتوافر فيها شرطان أساسيان هما: المرسل (الساخر( والمرسل إليه (المسخر منه)، وهذا يعني أن هناك حركة تتجه من المرسل إلى المرسل إليه حمولتها الهزل والضحك. يقول محمد مرشحة في هذا الصدد " وأغلب الظن أن كلمة السخرية تتضمن معنى التفاوت في المستوى، محددة خط سير فيه معنى الاستعلاء، أي أن هناك حركة تتجه من الأعلى إلى الأسفل، وقد تحمل لعبة عدوانية متجهة إلى هدف معين"10 ، وهدفها هو تصحيح العيوب الاجتماعية بتقديم النقد اللاذع لها ، والتعريض بأصحابها ، وإحراجهم أمام الآخرين ، وهذا التعريض والإحراج ؛ الناتج عن سخرية المجتمع ضربة قاضية لكل من سولت له نفسه سلك سبيل الفئة المعنية بالسخرية، المرتكزة على الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه11 على حد تعبير أبي حامد الغزالي . ويمكن الحديث في الشعر الشعبي الدرعي عن مظاهر عدة للسخرية، إلا أننا سنكتفي بثلاثة منها دالة في الموضوع ، هي السخرية التنذرية التي لها – كما سنرى – علاقة بالتخويف والترهيب، والسخرية التهكمية التي تعتمد على الهجاء السافر والمباشر، وتفضل التشهير لا التلميح ، والسخرية السجالية التي تقوم على الرد بالمثل أثاء المواجهة الكلامية، بين اثنين أو أكثر. أ- السخرية التنذرية: نقصد بالسخرية التنذرية تلك السخرية التي يراد بها الوعد والوعيد؛ حيث توحي الإنذارات والتحذيرات بالشر القادم، ويأتي التنذير والتحذير للتخويف من عاقبة الوقوع في المحذور، ذلك أن الإنذار من مادة \" نذر.. أنذر إنذارا ونذيرة ونذيرا ونذرا والأربعة الأخيرة غير قياسية بالأمر أعلمه، وحذره من عواقبه، تناذر القوم :أنذر بعضهم بعضا شرا. تناذروا العدو: خوف بعضهم بعضا منه.. 12 إن التنذير في منجد اللغة والأعلام يعني التحذير من العواقب؛ كما يعني أيضا الإعلام بالشر، والتخويف منه، وهذه المعاني نجدها أيضا في باقي المعاجم اللغوية الأخرى، فقد ورد في محيط المحيط أن التنذير من الجذر اللغوي ( ن.ذ.ر )" نذر بالشيء ينذر نَذرا علمه فحذره. أنذرهُ بالأمر إنذارا ونذيرا .. وحذره من عواقبه قبل حلوله؛ خوفه في إبلاغه .. وتناذر القوم أنذر بعضهم بعضا"13 . ومهما تكن دلالة الإنذار فإنها لا تخرج عن معاني التخويف والتحذير من عواقب الوقوع في الشر، وقد وردت السخرية التنذرية في الأشعار الدرعية المغناة وحملت محمل الهزء والضحك، وذلك عن طريق زرع الرعب والخوف في نفس المخاطب. يقول شاعر الرسمة: ظَاهْرِينْ افْعَالَكْ هَدُوكْ يَا الخَايَنْ عَنْدكْ تَنْظَام يُومْ لَحْسَابْ لْهِيهَا14 تَاكْلَك نَارْ تْكُول عْلاَهْ15 مَنْ عْوَافِي جَاهَنمَ تْصِير خَشْبَة دُخَانَه لاَ شَافَعْ تَلْقَاهْ بُورْقِية يَغْضَبْ عَنكْ تَبْقَى خْلاَگكْ نَكْدَانَة رَاكْ فْغَضْبْ الله.16 إن ملامح السخرية التنذرية بارزة في النص من خلال عملية التحذير التي سلكها الشاعر، وذلك انه حذر خصمه في البيتين الأولين من لوم نفسه يوم الحساب ﴿يا الخاين عندك تنظام يوم لحساب لهيها/ تاكلك نار تكول علاه﴾ ، لكن في البيت الثالث بين له العذاب الذي ينتظره، كما وصف له حالته بعد هذا العذاب ﴿ من عوافي جهنم/ تصير خشبة دخانة/ لا شافع تلقاه﴾. وقد اعتمد الشاعر على مجموعة من العناصر لتنذير مخاطبه، نوضحها على الشكل التالي: المنذر ▬ الشاعر مؤشر التنذير ▬ عندك تنظام المنذر منه ▬ عوافي جهنم نتيجة عدم الانصياع للإنذير ▬ تصير خشبة دخانة / خلاكك نكدانة يتضح من المؤشرات السالفة أن الشاعر اتبع تسلسلا منطقيا في تحذير خصمه ، فقد صنفه ضمن الخونة ﴿ يا الخاين ﴾ ثم اشترط عليه أن لا يلوم نفسه يوم الحساب ﴿ عندك تنضام ﴾ ثم بين له بعد ذلك ما ينتظره ﴿ عوافي جهنم ﴾ ليصل إلى النتيجة المترتبة عن عدم الانصياع لتحذيره وتنذيره ﴿ تصير خشبة دخانة / لا شافع تلقاه / بورقية يغضب عنك / تبقى خلاكك نكدانة﴾، غير أن ما يتحكم في هذا التحذير هو عنصر المبالغة، لأن الشاعر لم يكتف بوصف نتائج العاقبة ، بل أن رغبته الجامحة في السخرية والضحك على الخصم جعلته يتخيل الحالة التي سيؤول إليها وهو يحترق بنار جهنم . ونلمس أيضا هذا النوع من السخرية القائم على الإنذار والتحذير في قول الشاعر الدرعي: الجَزايَر والبُوزَارِيُو عْلِينا اطْغَاوْ بِهَمْ لله اشْكِينَا البُوزَارِيو فَالرِمَالْ خَدْمُوا شِي قْوَامْ لاَ مَنْ فِيهَم مَزَالْ عَرْفْ اللَهْ طَلْقُو مَنْ كَذْبْ اشْحَالْ فْلِيدَعَ نْكَالْ بِهْ اعْصَوْا الجَلاَلْ كِِيْكُولُ مْعاهْ 17 نْهَارْ اشَدْ الحَالْ وِيلْهَمْ مْن أفْعَالْ خَانُوا خَاتَمْ لَرْسَالْ كَاعْ صَبُحُوا عْدَاهْ 18 لقد ربط الشاعر في هذا المقطع التنذير بعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿خانوا خاتم لرسال كاع صبحوااعداه ﴾ ، وقد أكد إنذاره ذاك بقوله ﴿ويلهم من أفعال﴾، فأفعالهم إلى جانب خيانة الرسول – ًص- حفزت الشاعر على إنذارهم بالويل، وذلك عن طريق المقارنة التي عقدها بين خيانة الخصم لقومه من جهة وخيانتهم للرسول - ص- ، من جهة ثانية، حيث اعتبر أن خيانة قومه تعني خيانة الرسول التي استوجبت الإنذار بالويل ، بيد أن هذا الإنذار ليس سوى تمهيد لهم للوقوع في جهنم ، حيث أن الشاعر وقومه سينجون يوم القيامة من النار، لكن أعداءهم سيضلون فيها{ يحضر لينا يوم الزحام من نار اغدا يرحمنا والليهم عدياتاواليوم فيها ابقاو بيهم لله اشكينا }، ويستمر الشاعر في سخريته التنذرية يستعظم ويهول الأمر على المخاطب شيئا فشيئا إذ سيعتبر الدعاء عليهم بالويل مطية لبلوغ مرحلة أخرى من التنذير. يقول: فْدِيكْ الدَارْ عَنْد اقْلِيعْ لَجْفَارْ مَا يَنفَعَهُم تَحْزارْ تَمْ وَلاَ ارْغِيبْ غِيرْ الصَهدْ النفَارْ وِيلْهُمْ وَالجَمَارْ مَا يَلْقَاوْ المَخْتارْ إِنْ ألْحَمْهُم الطِيبْ 19 يَبْقاوْ فِي قَلْبْ النَارْ وَالزْمِيهَرْ الحَارْ يَبْكُوا بَكْيَ الكِدَارْ مَنْ تَشْحِيمْ الجَنْبْ جَهْنَمَ فَرْحَانَه 20 فِيهَمْ تَاكَلْ دُوكْ لَعْظامْ سَخْنُ ارْشَاوْ سَكْنُوهَا خَالِدينَ أُمَا يَلْكَاوْ عَنْهَا شِي خْرُوجْ تَمَ ابْقَاوْ بِهَمْ لله اشْكِينَا يتبين من الشطر الأول الذي افتتح به الشاعر هذا المقطع الشعري تغيرا في إيقاع القصيدة من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى ، وهذا ما عبر عنه باسم الإشارة { فديك} الذي أشار به إلى يم القيامة { فديك الدار}، لكن الإشارة إلى يوم القيامة تلح علينا طرح السؤال التالي: ماذا سيحدث؟ يجيب الشاعر: { قليع لجفار / ما ينفعهم تحزار / الصهد النفار / الزميهر الحار / الجمار / قلب النار}. إن هذه الألفاظ وغيرَها التي ذكرها الشاعر واحدة تلوى الأخرى تذكرنا بالوصف الدقيق الذي وصف به القرآن الكريم في أكثر من آية عذاب جهنم، وقد تعمد الشاعر هذا الوصف الدقيق لتهويل الأمر على الخصم وتخويفه، وهذا التنذير لم يكن غاية في حد ذاته ، بل وسيلة فقط للسخرية من أعدائه وأعداء قومه لتصرفاتهم الدنيئة. ويبدو أن الشاعر سلك إستراتيجية مضبوطة في إبراز مظاهر السخرية التنذرية في المقاطع قيد الدرس ، حيث انطلق من الإنذار البسيط وتدرج إلى أعلى مستوى من الإنذار ونبين هذه الخطة على الجدول التالي: الإنذار الأول الإنذار الثاني الإنذار الثالث خيانة الشاعر وقومه = خيانة الرسول = الويل (الوقوع في نار جهنم أنواع العذاب التي تنتظرهم في نار جهنم) نستنتج من الجدول أن خيانة الشاعر وقومه هي بمثابة خيانة الرسول التي تستوجب الوقوع في جهنم المليئة بأنواع العذاب . وهكذا يتبين أن السخرية التنذرية في الأشعار الدرعية توظف المرجعية الدينية التي لها علاقة مباشرة بالمشاعر الإنسانية ، لأن الشاعر اعتبرها وسيلة فعالة لترهيب العدو، وإدخال الخوف على نفسيته، وما ذلك إلا للسخرية والضحك منه. ب- السخرية التهكمية نقصد بها السخرية التي توظف الهجاء بشكل سافر، بحيث يخدش الأعراض، ويجرح المشاعر، ويمكن تسمية هذا النوع من السخرية بالهجائية ،لأن استحضار العيوب والمثالب الخُلقية والانتقاص والزراية بالخصم، والسب والشتم، كلها متغيرات جوهرية في إنتاج الهجاء المضحك، غير أنها ليست كافية للوصول إلى تلك الغاية، فالتناول الفج المباشر لهذه الموضوعات يمكن أن يثير تعاطف المتلقي مع الضحية بدل أن يثير ضحكه، لهذا يلزم صياغة تلك الموضوعات وإخراجها في قالب فني متميز، وعرضها في أسلوب يُظهر المهجو في صورة مشوهة، وفي موقف متناقض ، كما أن اعتماد المباشرة في طرح هذه الموضوعات يكون أدعى للضحك والسخرية21 . تُشكل غالبا في الأشعار الدرعية للانتقام من شخص أو جماعة أو للرد بالمثل، وقبل تجلية هذا النوع من السخرية في الأشعار الدرعية لا بد من تعريف التهكم حتى نستخلص معناه الحقيقي، ونتمكن بالتالي من رصد الجوانب التي يبرز فيها . لقد عرفه ابن منظور في معجمه بقوله"المتقحم على ما لا يعنيه الذي يتعرض للناس بشره ... وقد تهكم على الأمر وتهكم بنا زرى علينا وعبث بنا . وتهكم به وهكمه : غناه، والتهكم التكبر ... والتهكم الاستهزاء "2. إن المعاني التي ساقها ابن منظور للتهكم كافية لتحديد دلالته التي لا تخرج عن هتك الأعراض وتجريح الخواطر ، فالتهكم هو التعرض للناس بالشر، والازدراء بهم، والتهكم ناتج عن الغيض والغضب الذي يكنه شخص لشخص، فهذا التعريض والتجريح الناتج عن الهجاء بمثابة تنفيس للغضب الذي يملأ جوف المتهكم لذلك ألحق به ابن منظور دلالة المتكبر، كما أن تفريغ ذلك الغيض عن طريق الهجاء والتهكم إراحة له من آلامه. ونمثل لذلك بقول شيخ الرسمة: گاعْ شِينْ بْلاَلْ الدَلالْ ما فِي وَلْد أَدَمَ مَثلْتُ لَحْمَارْ 23 گاعْ شِينْ بلاَلْ الدَلالْ كَامَلْ لَمْسَخْ تَلَمْ عْلِيهْ گَار سِيفَ مَنْزُورَه 24 شْحَالْ رَاسُ أُوَدنِيهْ أَطْوَالْ لَخْنَافَرْ وَالْعِنِينْ غِيرْ حَية مَعْدُورَهْ 25 لْفَمْ گرْبَة مَشْرُوكَة سَالْ فُُوگ اشْوَارَبْ مَتْكَلْبِينْ يَكْفَحْ بَزْرُورْهْ 26 إن الشاعر وهو يتهكم على خصمه أسند إليه مجموعة من الأوصاف القذرة ، فقد أخرجه من عالم الإنسان، وصنفه في عالم الحيوان { مثلت لحمار} ، كما أنه صوره تصويرا كاريكاتوريا عجيبا ، حيث جعل له رأسا وأذنين طويلين { راس أودنيه طوال } وفما ضخما كالقربة المخروقة التي تسيل، { لفم كربة مشروكة سال} وشاربين غليظين مقلوبين ،{ فوك اشوارب متكلبين} . بهذا التصوير المبالغ فيه استطاع الشاعر أن يبرز خصمه في صورة مشوهة عن طريق المبالغة.لأن الكاريكاتير رسم ساخر وتجسيد، أو وصف تشكيلي يجري خلاله التضخيم والمبالغة في أحد الجوانب المميزة لشخصية معينة بحيث تبدو مثيرة للضحك 27. ولم يكتف الشاعر في تهكمه وازدرائه بهذا التصوير القبيح لخلقة خصمه، بل تعدى ذلك إلى العبث والتهكم على نسبه، ويتجلى ذلك في قوله: وَاشْ جَابْ اسْدَ مَن لَحْرِيرْ سَالْ الفُهَامَى يَا اعْقَابْ لَحْرَاطَنْ سَالِ2 وَاشْ جَابْ احْدِيدْ أُقَصْدِيرْ لَذْهَبْ وَالنَقْرَ فْلَسْوَاقْ مَنْ سُومُ غَالِ 29 وَاشْ جَابْ الْخِيلْ اللَحْمِيرْ هَكَاكَ دْرَاوة وَاسْيَادْهَا هْل الشَانْ العَالِي30 عَزنَا مُولاَنَا وَاخْتَارْ31 اعتمد الشاعر وهو يتهكم على خصمه من جهة نسبه. عنصري التشبيه والمقارنة، حيث قارن مقومات خصمه من جهة النسب التي وصفها بالدونية والقبح بمقومات نسبه التي وصفها بالحسن والصفاء، ونوضح ذلك على الجدول التالي: نسب الشاعرومقوماته - الأحرار- الأسياد الشان العالي الفهامى/الذهب النقرة/ الخيل/الحرير نسب الخصم مقوماته الدراوة الحراطين عقاب لحراطن هكاك ادراوة قصدير/ لحديد نستخلص من المقارنة التي عقدها الشاعر أنه ألحق كل صفة حسنة بنسبه، وذلك أنه أوجد له مكانة مرموقة في المجتمع الدرعي ، وصنفه ضمن فئة الأحرار والأسياد ، ونسب لهم الجود والكرم { الشان العالي}، وكذلك الذكاء والفطنة{ الفهامى}، وأنهم فئة اختارها الله وأعزها { عزنا مولانا واختار} وقد ربط هذه المقومات بالأشياء ذات الجودة العالية في الحياة الاجتماعية { الحرير – الذهب – النقرة – الخيل} ونرصد هذه العلاقة كما يلي: الأحرار ▬ الشان العالي ▬ الحرير – الذهب الأسياد ▬ الفهامى ▬ النقرة – الخيل ومن جهة أخرى عمل على أن تكون مقومات خصمه موصوفة بالدونية ، فهو نسب لا مكانة له في المجتمع ، { عقاب لحراطن } حيث أن هذه الفئة مهمشة ، وخادمة لدى الأسياد { واسيادها هل الشان العالي}، وكل هذه الأوصاف التحقيرية علقها بالأشياء ذات القيمة الهزيلة في المجتمع { الحديد – القصدير – الحمير}، وما ذلك إلا لتعميق جرح الخصم، وتمكينه من الضربات القاسية الموجعة للسخرية منه، والضحك عليه. ونرصد هذه العلاقة على المخطط التالي: الحراطين ▬ البلادة ▬ الحديد الدراوة ▬ البذاءة ▬ القصدير- الحمير إن الشاعر إذن عمل على فصل خصمه عن كل المقومات الحسنة التي يعتز بها المرء في حياته كحسن النسب والمكانة المرموقة في المجتمع التي توفر له الهيبة الاجتماعية ، وألحق به كل صفة مستقبحة وممقوتة في المجتمع ، وقد كان سلاحه في ذلك العصبية والصراع بين الأجناس أو ما يطلق عليه الضحك الإثني الذي يرتبط- وبالضرورة - بالأفكار النمطية التي تقوم على أساس تصور أو تمثل عن شخص أو جماعة إثنية ، تَصَوُر غير قائم على الملاحظة والخبرة ، وإنما ينهض على أفكار مدركة سلفا، وهذه الأفكار أو التصورات النمطية هي ادعاءات وتعميمات، حول مجموعات بشرية، أو حول أفراد ينتمون إليها ، وهي يمكن أن تكون سلبية أو إيجابية، والسلبية منها هي أساس التعصب والميز العنصري أحيانا، كما يمكن أن تكون هذه الأفكار النمطية صحيحة إلى حد ما حين تتأسس على حقيقة مبالغ فيها كما يمكن أن تكون غير صحيحة أساسا، وتُستعمل الأفكار النمطية أحيانا لتبرير الاستعمار والاضطهاد ولتكريس بعض السلوكات العنصرية32 . فالمقارنة التي عقدها الشاعر بين نسبه ونسب خصمه هي تصريح منه بالعداء الذي يكنه للخصم ونسبه أو إثنيته ، وهذه قمة التجريح في التهكم والسخرية ، لأن الشاعر تعالى على خصمه ليفجر غضبه وغيضه المكبوت ليريح نفسه من ثقله . قال حامد عبده الهوال :" وقد يكون التهكم هنا نوعا من التعالي على الحوادث والتنفيس عن الغيض المكبوت ... فهو لا يريد أن يترك لغيره فرصة النيل منه"33 . إن عزف الشاعر على وتر التفرقة بين الأنساب ، والصراعات القبلية ، هو إحياء للعصبية بين الأجناس التي عرفها المجتمع الدرعي في فترات تاريخية معينة، والتي تعتبر فتيل أغلب الصراعات في المجتمعات التقليدية ، حتى يومنا هذا ، وفعل الشاعر من شأنه أن يعمق جرح خصمه ، خاصة إذا علمنا أن مثل هذا الشعر ينتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم، وأن الخصم ينتمي إلى فئة عاشت الذل والعبودية في المجتمع. وبذلك نكون أمام عاملين { الشاعر والخصم } وموضوعين { المقومات الحسنة والمقومات القبيحة } التي نوضحها على المخطط التالي: الشاعر ( عامل1 ) ▬ الخصم( عامل2) ∩المقومات القبيحة(موضوع1) الشاعر (عامل1 )▬ الخصم( عامل2) Ụ المقومات الحسنة (موضوع2 ) الشاعر (عامل1 )▬ الشاعر (عامل1 ) ∩ المقومات الحسنة (موضوع2 ) يتضح مما سلف أن الشاعر عمل وهو يتهكم على خصمه ويسخر منه أن يكون هذا الأخير في حالة انفصال عن المقومات الحسنة، من جهة، وفي حالة اتصال مع المقومات المذمومة من جهة ثانية، بينما نفى عن نفسه وقومه ، كل صفة مستقبحة وذميمة، والغاية من كل هذا هو التقليل والتدليل من شأن الخصم قصد السخرية منه . ونمثل أيضا للسخرية التهكمية بالنص الشعري الشعبي التالي: قال شاعر أقلال: قَصَة لِينَا اجْرَاتْ يَاوِ بَالقُولْ صْحِيحَة فِيفَمْ أَغْلاَوْ دْرَارْ بَعْنَا وَاشْرِينَا غِيرْ بْالَمْكَْر34 وَاخْرجْ لِينَا أُكَالْ لِيكْ اقْرِيطُو لَحْسِيفَة وَاغْرَكْ فمْ البَابْ اُخَلاَنَا فَالَرمْلَة مَعْ لَقْمَرْ35 وَاخْرَجْ لِينَا أُكَالْ لِيكْ تْقَسَحْ تَقْسِيحَة وَالله لاَ كَلْتُوهْ يَا المُولاَ تَاتِيهْ بْلَقْفَْر 36 وَالعَدْنَانِي يَاالنَاسْ شَمَتْ وَالْبَسْ لَفْضِيحَة يُومْ اخْرَكْ جَنَارْ أُعَامُ فِيهْ بُوظْفَرْ37 وَالعَدْنَاِني كَانْطَوْفُ وَنْدِيرْ لِيهْ اصْفِيحَة وَنَْحَملْ بِهْ اجْنَانْ بَالرْدَمْ 38 وَاقْصَدْنَا يَا نَاسْ وَاقْصَدْنَا دَارْ اقْسِيفََة عَنْد أَيْت عَبُو هُما اللِي مَعْلُومِينْ بْلَقْفَر39 وَزعْ لِينا فَدجَاجْ أُكلْنَا غِير القُنسِيحَة نَسْبتْ فَزواطَة هَدُوكْ بْحالْ شْلُوحَتْ لَوْعَْر40 بَسْم الغَانِي والعَامَة تْحمِيهَا مَنْ لَضْرَارْ أَيَا العَدنَانِي شَمَتْ كَامْلَ بَهْل اغْلاَو ادْرَار41 للنَاظَمْ يَا اكْرِيمْ كَنسْعَاكْ تَسْمِيحَة أُمَا يَخْفَى لَحْبِيبْ عَبدْ الشْرفَ هُمَا هْل لَكْمَالْ سنحاول في هذا النص أن نبين السخرية التهكمية التي تتجلى من خلال المعاتبة واللوم الذي وجهه الشاعر لمخاطبه الذي نعته بعدة نعوت أهمها البخل ، الذي يعتبر خاصية سلوكية ممقوتة ، فهي نقيض الكرم الذي هو سمة عربية محبذة ومفضلة، يتباهى بها القاصي والداني 42، وقد تفشت هذه الظاهرة في العصر العباسي خاصة حتى ألفت عدة كتب تتحدث عنها ، وعن قصص البخلاء ونوادرهم التي لها علاقة مباشرة بكيفية الاقتصاد في كل شيء ، بل والبحث عن مسوغات له. والبخل من الموضوعات المثيرة للضحك. \" فما يضحكنا ليس هو صفة البخل في حد ذاتها، لأنها يمكن أن تثير اشمئزازنا، وإنما تضحكنا طريقة البخيل في تدبير بخله، وذكاؤه الزائد ، والمبالغ فيه في هذا التدبير الشيء الذي يجعله مضحكا 43 و قبل أن نتعرض لقضية البخل التي تعتبر بارزة في النص ، نشير إلى أن مطلع القصيدة يستفزنا بكلمة(قصة) مما يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل النص عبارة عن قصة؟ لكن الشاعر يقررها، بل ويؤكدها بقوله ( لينا اجرات ياو بالقول صحيحة)، وبذلك يضفي طابع الصحة على القصة ، بل ويستحضر مكانها أيضا(فيفم أغلاودرار)، وشخوصها (العدناني- الشاعر وقومه – أهل أغلاودرار)، ثم موضوعها (بعنا واشرينا غير بلمكر) . إن البيع والشراء في عرف الشاعر يرتبط بالعلاقات الإنسانية التي تتصل بالشرف. إنها الإهانة والمكر والخديعة التي تعرض لها الشاعر وقبيلته أمام قصر أغلاودرار اغلاودرار. إن إضفاء الطابع القصصي على مقول الشاعر، بل ورصد مكان القصة وشخصياتها وموضوعها، من شأنه أن يصدم القارئ ويستفز قدراته الإدراكية، لتلقي النص ومتابعة باقي أحداثه ، وهي استراتيجية نهجها الشاعر ليشرك المتلقي في السخرية والضحك على العدناني. والبخل من أهم ما هجا به الشاعر العدناني ، حيث أنه غلق في وجه الشاعر وقومه باب القصر ( واغرك فم الباب اخلانا فالرملة مع لقمر) وتركهم عرضة للرمال وظلمة الليل، كما أنه صرح بعُدمِه، وعدم الإنفاق عليهم، حيث أقسم على ذلك ( والله لا كلتوه ) ، وهذا ما جعل الشاعر يقرر أنهم قصدوا( دار قسففة ) كناية عن عُدْمِ صاحبها وبخله، ليعمم صفة البخل على عائلته بقوله (عند أيت عبوهما اللي معلومين بلقفر)، لأنهم معروفون به ، بل أن شح العدنان وتقتيره جعله يطعم الشاعر وقومه بعنق الدجاج ( وزع لينا فدجاج أكلنا غير القنسيحة ) ليعمم الصفة على أهل الواحة التي ينتمي إليها قصر أغلاو درار، وهي واحة فزواطة ( نسبت فزواطة هذوك بحال شلوحت لوعر) ، مبيننا في السياق نفسه سبب مجيئه إلى هذه القبيلة ، وهو المصاهرة ( نسبت). هكذا استطاع الشاعر أن يسخر من مخاطبه، عن طريق فضح صفة البخل المذمومة فيه، وفي قبيلته، بل وفي الواحة التي ينتمي إليها، مما يعنى أن الشاعر سلك اخطة مضبوطة للسخرية على العدناني ، حيث انطلق من الخاص إلى العام ، وذلك بهدف لفت انتباه المتلقي لإشراكه في السخرية من خصمه من جهة ، وكذلك لتبيين أن المفرد جزء من الكل ، حيث أن البخل الذي اتصف به العدناني ، هو صفة تعم القبيلة وبالتالي الواحة من جهة ثانية. ت- السخرية السجالية إن " الجدل المجادلة : تناظر بين اثنين أو أكثر ، وتتميز بطابع التضاد معتمدة في ذلك على تعارض المعايير القيمية أدبيا " 44 . وتعتبر وسيلة فعالة لتصعيد السخرية والهزء، والرفع من إيقاعهما مادام تجاذبا بين أطراف متعددة ، ونوضح هذا المظهر من مظاهر السخرية في االأشعار الدرعية من خلال النموذج التالي الذي دار فيه الحوار بين رجل وامراة: • المرأة موجهة الخطاب للرجل: نَسْحَابَكْ تَمْرَة أُطَاحْ رِيكِ عْلِيكْ وَطَرْنَكْ غِِيرْ حَشْفَة وَادَتَكْ الرِيحْ • الرجل يرد على المرأة: قَبْ الوَرْشَالْ عَادْ عَلاَفَة للدُكَارْ أُحَامْدِينْ لْسِيدِي مُولانَا عَامَكْ مَزْغُوبْ، وَالزَرِيعَة حَصْلَتْ فَالطُوبْ، سَوْلِي اللِي نَتْفُوهْ مْعَانَا سِيدِي يَا رَبِ تْجِيبْ فَرْخْ الوَبَالْ إِجِي مَنْ السْمَا يَتْحَابَا يَدِي البَاخْسَة كَدَادَتْ لَعْظَامْ لإبراز السخرية السجالية في الحوار الدائر بين المرأة والرجل يجدر بنا أن نشير إلى أهم الألفاظ التي وظفها كلا الطرفين (المرأة والرجل) في ذكر عيوب ومثالب الطرف الآخر، فبالنسبة للمرأة اعتمدت على لفظتين هما (التمرة) و( الحشفة)، وهما من جنس واحد ، لكن جودتهما مختلفة، فالتمرة حلوة ومفيدة ، بينما الحشفة غثة ولا حلاوة فيها ، فالمرأة تظن أن الرجل الذي تقصده في خطابها (تمرة) حلوة تستطيب معه الحياة والعشرة الدائمة ( نسحابك تمرة * أطاح ريكي عليك)، غير أنها وجدته على العكس من ذلك (حشفة) لا قيمة لها تتقاذفها الرياح لخفتها وانعدم جودتها، (وطرنك غير حشفة * وادتك الريح). بهذه المقارنة البسيطة القائمة على المقابلة بين شيئية متضادين من جنس واحد تمكنت المرأة من التهكم والسخرية على الرجل. أما غريمها الرجل ، فلم يكن أقل منها تجريحا وتهكما ، بل فاقها في ذلك ، فقداستحضر مجموعة من الكلمات والعبارات التي تنتمي إلى الحقل الفلاحي من قبيل ( قب الورشال – الدكار – الزريعة- حصلت فالطوب ) ليتهكم عليها حيث وصفها بقبعة السلهام التي تحولت وظيفتها من الوقاية من البرد إلى جراب يوضع فيه طلع ذكر النخلة والتي تلقح به ( قب الورشال عاد علافة للدكار)، كما اعتبر العام الذي جمعهما عام تشاؤم فيه القحط والجفاف ، حتى أن البذور التي زرعت لم تنم، بل بقيت حبيسة التراب ( عامك مزغوب والزريعة حصلت فالطوب )، وهي بالتالي امرأة مشؤومة لا تبشر بخير، ولم يكتف في سخريته من المرأة بما ذكرنا ، بل دعا عليها بالوبال، ووصفها بآكلة العظام كالكلاب. يقول:( سيدي ي يا رب تجيب فرخ الوبال إجي من السما يتحابا يدي الباخسة كدادت لعظام) يبدو إذن أن السخرية السجالية تستهدف الطعن الجارح ، والهجاء المقذع الذي يحط من المخاطب، من خلال التصريح بعيوبه ومثالبه والتشهير بها ، فالسخرية السجالية تكون آنية، ولا تسمح بالتفكير المسبق،إذ أنها تقتضي السرعة في التفكير والبداهة في القول، وهو ما يضفي على الفضاء الذي يسوده الجدال طابع المتعة، حيث السخرية والضحك. خاتمة: بناء على ما سلف اتضح أن الأشعار الدرعية، باعتبارها متنا شعبيا ، له مقوماته وخصائصه كغيره من التراث الشعبي المغربي الشفهي ، يتميز بطبيعته الساخرة ،التي تستهدف تصحيح العيوب وتقويم الاعوجاج الاجتماعي ، وإذا حددنا تجليات السخرية من خلال ثلاثة مظاهر أساسية، فهذا لا يمنع من حضور مظاهر أخرى، تمكننا من الكشف عن السخرية المثيرة للضحك في هذه الأشعار ، كما أنها ناتجة عن المنهجية التي اخترناها لهذه المداخلة.