عمر البردوني شاب مغربي درس بالمدرسة الأمريكية بطنجة حيث نال شهادة الباكالوريا ليلتحق بعد ذلك بمعهد فنون الدراما والتمثيل webber Douglas Academy of Dramatic Art بإنجلترا والذي تخرج منه سنة 2003 بعد أن درس هناك التمثيل لمدة أربع سنوات ليظل بإنجلترا ثماني سنوات أخرى استطاع خلالها دخول الوسط السينمائي الإنجليزي الصعب الإختراق، حيث بدأ بلعب أدوار صغيرة في أفلام هناك ليتدرج بعد ذلك حتى تناط له أدوار مهمة أمام نجوم عالميين أمثال جيمي فوكس في فيلم «المملكة»(2007) من إخراج الممثل والمخرج الأمريكي بيتر بيرغ، وليوناردو دي كابريو وراسل كرو في فيلم «كتلة أكاذيب» (2008) للمخرج الإنجليزي الشهير ريدلي سكوت و«الوحدة 93» للمخرج الإنجليزي بول غرينغراس صاحب ثلاثية «بورن..»، الذي سيشتغل معه البردوني في عدة أفلام أخرى والذي يعتبره أفضل مخرج اشتغل معه كونه يحسن التعامل مع الممثلين وإدارتهم. وبعد مسار صعب في وسط لا يعطي للفنان العربي نفس الفرص التي تتاح لنظيره الغربي استطاع عمر البردوني الحصول على البطولة المطلقة في فيلم «إستسلام إستثنائي» للمخرج جيم ترابلطون (الزوج الأول للنجمة البريطانية كيت وينسليت). إلتقينا عمر البردوني في مكتب «طنجة الأدبية» وتناولنا معه بالحديث مشواره في السينما العالمية وأشياء أخرى من بينها رغبته في الإشتغال مع مخرجين مغاربة. وحول هذه المسألة الأخيرة يقول أنه يجد صعوبة في الإشتغال بالمغرب رغم أنه استقر به مؤخرا، وتكمن هذه الصعوبة في كونه ظل بعيدا عن الوسط السينمائي والفني المغربي وأن الإشتغال في المغرب لايتم عبر الوكلاء الفنيين كما يحدث في الدول الغربية، وكما هو الشأن بالنسبة له كونه لديه وكيل فني بإنجلترا يمكنه من الحصول على أدوار ويقوم بعميلة التفاوض بدلا عنه هناك، رغم أنه مقيم الآن كلية بطنجة. وحول أدائه الكثير من أدوار الشخصيات العربية خصوصا المتورطة في عمليات إرهابية يقول أن الصدفة لعبت في ذلك دورا كبيرا إذ أنه لما أنهى دراسته سنة 2003 كانت أحداث 11 شتنبر لسنة 2001 بنيويورك مازالت ترخي بسدولها على المشهد السينمائي العالمي، خصوصا الأمريكي والإنجليزي، فبعد فترة كانت تسند له فيها –كما يقول- أدوار عادية ومختلفة والتي كانت تتناسق فقط مع ملامح وقسمات وجهه أصبحت بعد ظهور موجة الأفلام الغربية عن ماحدث في 11 شتنبر تلاحقه أدوار وشخصيات الإرهابي أو الضحية والمتهم العربي في هذه الأحداث أو على أحسن تقدير شخصية الأمير العربي كما في فيلم «المملكة». وحول سؤال بخصوص حصره كممثل في هذه الخانة من الأدوار المكرورة والمحصورة في صورة «الإرهابي العربي» التي ربما تسيء لصورة العربي عموما، يجيب عمر البردوني أنه قبل قبول أي دور يتأكد على الخصوص من رؤية مخرجه بخصوص الصورة التي يريد إيصالها عن العرب والمسلمين، ويضيف بكل ثقة أن كل الأدوار التي تقمصها في الأفلام الغربية والتي أدى خلالها شخصيات عربية كانت أدوارا مركبة ولم تكن فيها إدانة للشخصية العربية بل كانت محاولة من مخرجيها لتحليل نفسية هاته الشخصيات قصد معرفة لماذا وصلت إلى ما وصلت إليه، وماذا جرى لها حتى تصير كما هي وتفعل مافعلته، إن كانت فعلا هي الفاعلة، ويضيف البردوني قائلا أنها كانت على العموم أفلاما إنسانية تطرح أسئلة وتحاول فهم ماجرى. وقد كان أول فيلم له في هذا السياق هو فيلم «الوحدة 93»، عن «خلايا همبرغ» التي خططت لعمليات 11 شتنبرفي نيويورك، وهو فيلم -كما يقول- لا يظهر أية عمليات عنيفة بل يكتفي بمتابعة أفراد هذه الخلية وإظهار طرق تفكيرها وتكوينها النفسي. واستمرارا لنفس الموضوع يستطرد البردوني: «أنا أحس أن كل الأدوار التي أديتها كانت لا تدخل في خانة النمطية وكانت تختلف عن بعضها البعض، فدور رمزي بن شريف في فيلم «المملكة» لم يكن إطلاقا مثل الشخصية التي تقمصتها في فيلم «الوحدة 93» وحتى شخصية أحمد الحسناوي كانت مختلفة أيضا عن هاتين الشخصيتين، فقد كانت صغيرة في السن نوعا ما (21 سنة) وكانت أمية وغير ذكية بحيث تمت لها عملية غسل دماغ بكل بساطة، بخلاف شخصية رمزي بن شريف الذي كان ذكيا ومتعلما...» ويرد عمر البردوني سبب كون المنتجين والمخرجين الإنجليز يعطونه أدوار شخصيات عربية كونهم يظنون أن كل العرب متشابهون ربما، رغم أنه وجد صعوبة في تجسيد شخصية الأمير السعودي رمزي بن شريف، إذ أنه ربما يعرف أكثر عن الشخصيات الإسبانية القريبة من مدينته طنجة أكثر مما يعرف عن الأمراء السعوديين. ولما سألناه في أي خانة من الممثلين يمكن أن يضع نفسه، هل في تلك التي تضم النجوم الذين يعتمدون على الوسامة والشكل الخارجي والإبهار أم أولائك الآخرين الذين يركزون على الأداء الداخلي وإحساسهم بالشخصية مهما كانت درجة اختلافها أجاب البردوني قائلا: - دراستي للتمثيل في إنجلترا أثرت في أسلوب تمثيلي والكيفية التي أقترب بها من الشخصية.. كان تكويني كلاسيكيا أكثر إذ اشتغلنا في المعهد كثيرا على خشبة المسرح وخصوصا على شكسبير، وهي طريقة تختلف عن أداء الممثلين الأمريكيين، تلك الطريقة التي تركز على الدخول كليا في الدور، بحيث إذا كان الممثل سيلعب دور شرطي يقضي فترة مع رجال الشرطة الحقيقيين.. أنا أحترم هذه الطريقة لكني جئت من مدرسة مختلفة تعتمد على التقنية والتخييل، تقرأ الدور وتجري بحثا عنه، لكن في الأخير يظل مجرد دور.. يأتي الأداء من الداخل ولديك تقنياتك كممثل للوصول إلى الشخصية وليس عن تجربة كما هو الشأن بالنسبة للممثلين الأمريكيين، فهؤلاء حتى عندما تتوقف الكاميرا عن التصوير يظلون حاملين معهم الشخصية بداخلهم وغير قادرين على التخلص منها.. الممثلون الإنجليز يسخرون من هذه الطريقة ومن الممثلين الأمريكييين، إذ أنهم لما ينتهي التصوير يخرجون من أدوارهم ولا يحملونها معهم إلى منازلهم، وأنا أجد نفسي من ضمن هذه المدرسة في التمثيل، المدرسة الإنجليزية. درسنا جميع المدارس في التمثيل من ستانيسلافسكي إلى دافيد ماميت، لكن في الأخير يظل لديك كممثل الإختيار، وحتى أن طبيعة كل دور وما يتطلبه منك كممثل هي التي تحكم وتفرض عليك طريقة تمثيلك للدور، فهناك أدوار سهلة ولا تتطلب مجهودا كبيرا وأخرى يجب بذل جهد إضافي لأدائها، مثلا حينما مثلت شخصية الأمير السعودي في فيلم «المملكة» اضطررت للإلتجاء إلى تقنيات ستانيسلافسكي، لأني لم ألتق قط مع أمير سعودي ولا أعرف كيف يفكر مثل هؤلاء ولا كيف يتصرفون فأتابع حركاتهم وطريقة مشيهم، وهكذا ظللت أرتدي لباسهم لمدة أسبوع وأقلد طريقة مشيتهم التي يفرضها ارتداء هذا اللباس. - إشتغلت منذ البداية في أفلام كبرى ومع مخرجين عالميين، وأنت رغم عدم اشتغالك لحدود الساعة في أفلام مغربية فإن لديك وجهة نظر حول ماينتج محليا، إنطلاقا من هذا هل يمكن أن تعقد مقارنة بين السينما المغربية وما ينتج من أفلام بإنجلترا وعالميا؟ - لن أجري مقارنة، لكني أقول أن لديهم هناك إمكانيات ليست لدينا نحن كمغاربة، لكن رغم ذلك حينما نشاهد أفلاما مغربية نجد أن ثمانين بالمائة منها يوجد فيها بعض النقص لكن العشرين في المائة الباقية توازي إن لم تتفوق على أفضل ما ينتج عالميا.. قد تجد فيلما به ممثل ممتاز في أدائه رغم أنه محاط بمجموعة من الهواة، أو مخرجا يفعل بكاميراه أشياء قد تبهرك.. هناك طاقات مهمة وفي المستوى العالمي وأظن أنه مع مرور الزمن واكتساب التجربة والتراكم سنصير في مستوى ما يعرض عالميا. - هل فكرت في الإشتغال مع مخرجين مغاربة؟ - أطمح إلى ذلك، لكن الفرصة لم تتح لي بعد، أنا الآن في طنجة وهي مدينة بعيدة عن مقرات شركات الإنتاج المغربية، وكنت قد قضيت ثماني سنوات خارج المغرب، حتى أني عُرفت وترعرعت فنيا ومهنيا بإنجلترا ولم أجرب قبل أن أكون ممثلا في المغرب، وعلي أن أتعلم بعض الأشياء التي هي هنا في المغرب مختلفة عن إنجلترا..هنا في المغرب مثلا لا توجد مهنة «الوكيل الفني»... - قمت بأول بطولة مطلقة لك في الفيلم الإنجليزي «إستسلام إستثنائي» Extraordinary Rendition سنة 2007 للمخرج جيم ترابلطون، ماذا يمكن أن تقول لنا عن هذه التجربة؟ - أولا، أصعب ماكان في هذه التجربة أنه لم يكن هناك سيناريو، لم يكتب ولا حرف من الحوار، كان كل شيء مرتجلا، كتب المخرج خطة أو خارطة للطريق ولما يجب أن يكون عليه الفيلم فقط، وكان علينا نحن الممثلين أن نكمل العمل بحواراتنا وتمثيلنا المرتجلين، فيما كانت الكاميرا لا تكف عن التصوير، كانت طريقة لا أقول صعبة بل ربما جيدة بالنسبة لأي ممثل، بحيث تعطيه الحرية الإنطلاق والتخلص من قيود السيناريو، وثانيا الموضوع في هذا الفيلم كان بالنسبة لي تحديا بما أني -كما أسلفت- سبق لي أن أديت أدوارا لشخصيات ربما تكون إرهابية، وهذا الفيلم كان مختلفا تماما إذ كان يتحدث عن عمليات اختطاف تقوم بها «سي إي آي» لأناس من أماكن مختلفة في العالم ثم يتم نقلهم لدول بالعالم الثالث حيث يعذبون، وقد أنجز هذا الفيلم بدعم من منظمة العفو الدولية، والشخصية التي قمت بأدائها شخصية حقيقية اختطفت من كندا ليتم تعذيبها. على العموم هذا الفيلم إنساني هدفه لفت الإنتباه للخروقات في مجال حقوق الإنسان التي شرعت في القيام بها مخابرات الولاياتالمتحدة وغيرها إثر الأحداث الإرهابية لنيويورك. - إشتغلت مع مخرجين عالميين مثل ريدلي سكوت وبول غرينغراس وآخرين، هل يمكن أن تحدثنا عن طرق اشتغال كل واحد منهم مع الممثلين؟ - بول غرينغراس يمكنني الحديث عن طريقة اشتغاله لأني عملت معه أكثر من مرة لكن ريدلي سكوت لم أعمل معه كثيرا.. أنا أعتبر غرينغراس صاحب ثلاثية «بورن...» واحدا من بين أفضل المخرجين العالميين، فهو من صنف المخرجين الذين لا يعتمدون كثيرا على السيناريو، وهو يعطي أيضا فرصة للممثلين كي يشتغلوا بحرية، إذ يقول لنا دائما «إلعبوا أمام الكاميرا.. أنا لا أريد أن أرى لكم لقطة مثل سابقاتها، لديكم الحرية في التمثيل كما تريدون»، فيما ثمانين إلى تسعين في المائة من المخرجين يقولون لك العكس: «أريد أن تعيد نفس اللقطة سبعا أو ثماني مرات وبنفس الطريقة التي أطلبها منك...».. غرينغراس يطلب منك عكس ذلك، يطلب منك أن تمثل أمام الكاميرا لقطتين مثل ما يوجد في السيناريو والباقي أنت حر في أدائه كما تريد، وهذه طريقة تعطيك إحساسا كممثل بأنك تصنع الفيلم مع المخرج ولست مجرد منفذ للأوامر