تم اختيار فيلم "صدى الصمت" للمخرج الشاب "ربيع الجوهري" للمشاركة في مهرجان طريفة الإسباني وبمهرجان الفيلم العربي بالولايات المتحدةالأمريكية في شهر يونيو المقبل. كما سيتم عرض نفس الفيلم ومناقشته في العديد من المؤسسات السينمائية الأمريكية من بينها مركز دراسات الفيلم The Film Study Center At The Museum of Modern Art (MoMA) ومدرسة الفيلم بلوس أنجلس The Los Angeles Film School والعديد من المؤسسات الأخرى. هذا النجاح الوطني والدولي الذي شهده الفيلم والصدى القوي الذي خلفه، نلمسه من تتبع الدراسات النقدية التي تناولته و من خلال الدعوة التي تلقاها مخرجه من قبل منابر دولية مختلفة لعرض الفيلم بمهرجانات دولية وبمؤسسات مختصة بالدراسات السينمائية على المستوى الدولي. ممثلين خلف الأضواء اختار المخرج لفيلمه الوثائقي عنوان "صدى الصمت" وهو عنوان معبر وحامل لمفارقات « ironie »، وهي التيمة الأساسية التي اشتغل عليها "ربيع الجوهري" فالصدى لا يمكن أن يصدر إلا عن صوت وصوت قوي بالخصوص، و الصمت لا يمكن أن يسمع له صدى، لكن الجمع بين المفارقتين كان مربط الفرس لدى مخرج الفيلم لإثارة الانتباه من خلال شريطه إلى شريحة مجتمعية صامتة أراد ليس أن يسمع لها صوت فقط بل أن يصدح صدى صمتها. في هذا الفيلم تناول "ربيع الجوهري" في 52 دقيقة بالصورة والصوت قضية فئة مهمة من الأسرة السينمائية والفنية عموما ألا وهي "الكومبارس" وأصحاب الأدوار الثانوية . ربما أغلبنا لا يلقي بالا إلى أولائك الفنانين الموجودين على الهامش و الذين يؤثثون لكل المشاهد السينمائية، ولا نهتم إلا بالبطل الشهير محور الفيلم رغم أنه بدون هؤلاء "الكومبارس" - المحترفين - لا يمكن أن يستقيم أي عمل سينمائي ولا أن يلقى نجاحا مهما بلغت حرفية فريقه المشرف والممثلين به، و مهما ارتفعت ميزانية إنتاجه. والحديث عن الحرفية يدفعنا إلى الاعتراف بأن هؤلاء الكومبارس من شدة حبهم للسينما وكثرة اشتغالهم بها أصبحوا محترفين بمعرفتهم بكثير من الأفلام الدولية، المخرجين، الممثلين، أوضاع الكاميرا، الأداء... وغيرها من المعلومات والتقنيات التي تستلزم من آخرين الدراسة لسنوات طويلة لمعرفتها واكتسابها. الكومبارس في عمق العدسة المخرج أراد فتح نافذة صغيرة على هذه الفئة المهمشة داخل الأسرة الفنية نفسها، ليسمع صدى صمتها كنوع من العرفان بالجميل، وقلب الأوضاع بجعل "الكومبارس" في عمق عدسة الكاميرا وليس على هامشها كما اعتدناها، مانحا لهم فرصة التعريف بأنفسهم، مشاكلهم، منجزاتهم وأحلامهم ببساطة وتلقائية كانت أكثر تعبيرا ومساسا لمشاعر المشاهد من أي تمثيل احترافي. "بوبكر" و "براد بيت" معا في ورززات في الفيلم أربعة نماذج لأبطالنا : نموذج "جميعة عبو" الممثلة المحترفة بالمعايير الفنية لكنها في الواقع لا تتقاضى سوى أجر كومبارس رغم أهمية الأدوار التي أدتها. مثلت في كثير من الأفلام الشهيرة على المستوى الدولي، امرأة معطاءة تحب مشاركة الآخرين فرحتها تجلى في تنظيمها حفلة لأطفال الحي عند قبض أجرها الهزيل وهو ما يبرز التكافل الاجتماعي الذي لازالت المناطق النائية بالمغرب تتمسك به وبدأنا نفقده في المدن الكبرى أو ما يسمى بالمدن "الإمبريالية". عرض الفيلم أيضا نموذج الحاج "ناصر أوجري" الذي شارك السينمائي الشهير بيير باولو بازرليني في تمثيل فيلم "الملك أوديب" وهو نفسه صاحب قصة تصلح لأن تكون فيلما، قصة قضائه العمر كاملا من أجل بناء بيت لم يكتمل إلى اليوم. هناك كذلك نموذج "ماهر أمهار" طفل نضج قبل الأوان ، يتحمل مسؤولية أسرة - أم وأختين- بتمثيله في الأفلام السينمائية الدولية والمغربية أحيانا كفيلم "البراق" وهو في نفس الوقت تلميذ يتابع دراسته بالسنة السابعة أساسي ويؤمن أنه بالدراسة يمكن أن يصبح حلمه بالشهرة السينمائية أمرا واقعا. هذه الحقيقة بأهمية الدراسة توصل إليها متأخرا "بوبكر" الطفل الشهير الذي صفق له الملايين، من ركب الليموزين وسار على البساط الأحمر بالمهرجانات الدولية، ممثل فيلم بابل إلى جانب "براد بيت" بل إن هناك من النقاد السينمائيين من شهد بتفوق أداء "بوبكر" على بطل هوليود، لكن بمجرد انتهاء عرض الفيلم بالمهرجانات الدولية عاد كل منهما إلى وضعه الأول لكي لا نقول الطبيعي ليبقى "براد بيت" الممثل الشهير ويعود "بوبكر" بعد انتهاء الحلم الجميل ليصبح بين ليلة وضحاها أسير الصمت المطبق لمنطقة "أكدز" نواحي مدينة "ورزازات" ويعيش التهميش والفراغ كل لحظة، وهو الأمر الذي خلف لديه نوعا ما شرخا نفسيا يلمسه المشاهد من خلال حكيه عن تجربته، استعراضه لصوره ونصائحه المتكررة لقريبه الصغير بضرورة الاهتمام بدراسته حتى لا يلقى نفس مصيره. "بوبكر" تركه المخرج آخر نموذج للعرض وكأنه ينبهنا إلى النتيجة الحتمية التي يلقاها سكان مدينة ورززات ونواحيها المشتغلين بمجال السينما . هذه النماذج تشترك جميعها في هم واحد الفقر، حب واحد السينما وحلم واحد تمثيل المزيد من الأفلام لتحسين وضعها المادي. عندما تتحدث الصورة وإذا كان هذا هو واقع أبطال فيلم "ربيع الجوهري" فإن هذا الأخير قد وظف من أجل إبرازه مجموعة من التقنيات، فاعتمد بساطة في تناول الموضوع لكنها بساطة عميقة بعيدة عن السطحية، ترك للشخصيات كامل الحرية في التحدث عن نفسها ولم يعتمد مبدأ السيناريو المعد سلفا، لم يستعن لا بخبير في المكياج ولا في الملابس، الإضاءة كانت طبيعية مما منح المشاهد إحساسا قويا بواقعية الفيلم. لكن رغم بساطة التقنيات المستعملة في الفيلم لكن اختيار المخرج للإطارات « les cadres »، كان موفقا إذ اتسم بالجمالية والعفوية في نفس الوقت وهو ما رسخ واقعية الأحداث والأشخاص وتوافق مع الفضاء الطبيعي لمدينة ورزازات وفضاء عيش الشخصيات البسيط. فالمخرج استغل الأبواب الضيقة لمكان عيش الشخصيات لإرسال إشارات للمتفرج، فنجد مشهد "ماهر" عند سقيه سطلا من الماء ودخوله منزله من بابه الضيق وكأنه يدخل نفقا مظلما مثقلا بما يحمله كدلالة على المصير المجهول الذي ينتظره وثقل المسؤولية التي يحملها، نفس الملاحظة يمكن ذكرها بتحليل مشهد لقاء "بوبكر" بعمه عند اجتيازهما أبوابا متعددة وكأنهما يسيران داخل متاهة ليصلا أخيرا إلى غرفة صغيرة وقليلة الإضاءة كإشارة إلى ضيق الأفق عند هذا الشاب، الطفل الشهير سابقا. وللدلالة على الدوار واللاستقرار والمفارقة التي يعيشها" بوبكر" وظف المخرج أسلوب المحاكاة للقطة الدائرية على وجهه والشبيهة باللقطة المعروفة بفيلم "بابل" ليضع المشاهد في مقارنة بين ما كانت عليه الشخصية بالأمس وما هي عليه اليوم. "جميعة" بطلة مع وقف التنفيذ مشهد آخر يستحق الذكر وهو المتعلق ب"جميعة" وهي بسطح منزلها تحكي عن الفقر وقساوة العيش واستغلالها رفقة ذوي الأدوار الصغيرة بأثمان بخسة من طرف منتجي الأفلام الأجنبية. (جميعة أثناء حوارها ضمن فلم صدى الصمت) في هذا المشهد التلقائي جدا رسم حبل الغسيل بالسطح مستويين للصورة « premier plan » و« arrière plan « جعلنا نستمع لما تقوله "جميعة" في المستوى الأول للصورة ونتابع في نفس الوقت في المستوى الثاني ما يجري في الحي ونشاهد بالمباشر ما تحكي عنه البطلة من فقر وفراغ وانعدام موارد العيش في مشهد واحد بل لقطة واحدة، دون مونتاج بعدي ولا تركيب لاحق للصورة. هذا المشهد يشبهه آخر في الفيلم والذي أراد من خلاله مخرج الفيلم تحطيم الصورة المزيفة للفنان الكومبارس وهو ذلك المشهد الذي يعرض الحاج "ناصر" وهو يشاهد نفسه في برنامج تلفزي حل ضيفا عليه وهو يتحدث عن الفن والأدوار التي قام بها ويذكر كل ما هو جميل (الصورة الكليشي) المعروضة في الإعلان العمومي، ونرى نفس الشخصية في نفس المشهد لكن في التقاط من الخلف وهي تعيش واقعها الحقيقي (الصورة الأصل) المغمورة و التي ناذرا ما يعرفها الجمهور و هذا بحد ذاته تعبير صارخ عن فكرة المفارقة التي اعتمدها المخرج. الأفكار توجد على قارعة الطريق كل ما سبق ذكره بعض مما يمكن قوله عن "صدى الصمت" ويمكن للمشاهد الذكي أن يكتشف صورا جمالية أخرى و يلاحظ السيميائية والصور الرمزية التي يحملها الفيلم والتي تصله بانسيابية وهدوء ودون فجاجة وتجعله يخلص إلى نتيجة جوهرية أنه بالإمكان إنتاج أفلام محلية وطنية تحوز إعجاب وتقدير المؤسسات السينمائية الدولية باختيار المواضيع المناسبة والأهم البحث والاشتغال عليها بشكل مهني واحترافي دون الاضطرار إلى تقليد الآخر، وصدق الجاحظ بقوله " الأفكار توجد على قارعة الطريق" . المخرج في سطور بقي أخيرا أن نشير إلى أن المخرج "ربيع الجوهري" من خيرة ما أنجبت مدينة "وزان" خريج المركز الأورومتوسطي للسينما و السمعي البصري بورزازات، حائز على الإجازة في الأدب الإنجليزي، مخرج لمجموعة من الأفلام الوثائقية قبل "صدى الصمت"، "تيندوف قصة مكلومين"، "صهيل البواريد"، "الغرب و أمريكا بعيون مغربية"، شارك كمساعد مخرج في بداية مشواره الإبداعي في إخراج مجموعة من الأفلام الدولية والمغربية الشهيرة كالفيلم الأمريكي "للتلال عيون" و الإيطالي "الدقيقة الأخيرة" و الإنجليزي "سجناء الشمس" والفيلم المغربي "في انتظار بازوليني" "ألو 15" وعدة أفلام أخرى. (صورة للمخرج ربيع الجوهري) بالإضافة إلى مجال الإخراج فربيع الجوهري أيضا أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات، لوحدة: تقنيات السينما و السمعي البصري، جامعة ابن زهر، ورزازات ، أستاذ سابق لمادة الأداء المسرحي بالرباط، المشرف على ورشات السينما و حقوق الإنسان و المؤطر لأفلام قصيرة ذات مواضيع حقوقية، اشتغل أيضا في المجال المسرحي منذ طفولته توج بحصوله على جائزة البحث المسرحي من جامعة ابن زهر بأكادير، مهرجان الطالب الفنان سنة 1999 والجائزة الثانية في المسابقة الوطنية للتمثيل الفردي بجامعة محمد الخامس بالرباط لسنة 2000، ألف ومثل وأخرج مجموعة من المسرحيات "هاملت" "الراقصة" "مازلت حيا" "سعيدة" ولديه كذلك إصدارات مكتوبة "السينما الثالثة" مقالة بالعربية، "ومضات حول فن المسرح" كتاب باللغة العربية، "والي مدينة البهجة" قصة مصورة للأطفال، "الفكر و الموسيقى و الرسم في مسرح الحكيم"... وحاليا يعمل على فيلم سينمائي طويل -وليس وثائقي- يعالج موضوع المعتقلين المغاربة بتيندوف سيرى النور قريبا.