تلقيت منذ زمن غير قصير رسالة عبر البريد الالكتروني، تحمل توقيع الروائي المعروف للجميع كابريال كارثيا ماركيث يدعوني فيها للقيام ببحث تربوي حول ظاهرة الهدر المدرسي بمدينة ماكوندوا، وقد كان الرجل يهم بالقيام بهذه المهمة لولا أن فاجأه شيطان الإبداع برواية جديدة، فبعد أن استعرض علي لائحة طويلة بفوائد البحث على أساس أن الظاهرة وقد تسربت إليهم تعد استنزافا خطيرا للطاقات، بشكل يؤدي إلى تعطيل مسيرة الحرية والديمقراطية، ذكرني بالفشل الدريع الذي لقيه من حاول دراسة الظاهرة على قلتهم وانتهى إلى أسباب سطحية لا تلامس جوهر القضية، انطلاقا من هذه الثقة عقدت العزم على تعميق البحث في هذه الظاهرة للكشف عن الأسباب الحقيقية المتخفية التي تقف وراء الظاهرة، سواء كانت مصرحا بها في صورة أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية، أو خفية متقنعة. في الحقيقة لم أعدم الوثائق الدامغة التي تزكي كلام الرجل، من خلال كم الدراسات الدولية والتقارير الرسمية أو المذكرات أو الشهادات الحية التي تجسد ما آلة إليه الأمور، بالإضافة للدراسة التي تناولت الفضاء العام للمدينة. إن البحث التربوي كما قدم لنا. يقتضي بالضرورة التوفر على الآليات منهجية التي تقدم نفسها في صورة مفاهيم، والتي توصف بالأساس الصلب لبناء أي تصور متزن وأصيل، بالإضافة لخلفية نظرية نفترض أنها لن تغفل أي زاوية مهما كانت لتحقيق نوع من التكامل بين النظريات. من المؤكد إذا أن المدرسة في ماكوندوا تعيش ظاهرة خطيرة، لم ينتبه لها الدارسون المختصون بشكل دقيق، كما أن المسئول الأول عن المدينة يبدوا أنه قد سئم منها. فحاول التخلص منها ومن مشاكلها عبر هذه الرسالة كي يغدوا متحررا من الشعور بالذنب تجاه مدينته، فيما انصرف معارض النظام بماكوندوا والباحث المعروف ماريوا بارغاس يوسا للانشغال بمقتل بالمينوا موليروا دون أن يستطيع كشفه إلى الآن على الأقل، على هذا الأساس تحملت عبأ هذا المهمة تذاكي أو غباء. لعل أول سؤال يطالعنا هو ما هي الأسباب الحقيقة للظاهرة؟ كيف تعاطت الدراسات المتوفرة الظاهرة؟ هل تتوفر لدى الديكتاتور وقد سئم في مدينته الإرادة الجادة للقطع مع الظاهرة أم أنه يساهم في استفحالها؟ للملاحظة فإن هذا السؤال أصوغه خفية. قبل أن أتوغل في الظاهرة حاولت صياغة بعض الفرضيات للظاهرة وقد تسنى لي زيارة المدينة ذات رواية. تتدخل أسباب كثيرة في ميلاد هذه الظاهرة، من بينها ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، وهذه أسباب معلومة ومصرح بها. هناك أسباب خفية تروى خلف الجدران المغلقة وفي روايات الجدات حول مطالبة الأشباح والأرواح بالحق في التعليم والمساواة كاملة في جميع الحقوق، لذلك تلجأ هذه الأشباح لصرف الأطفال عن فصول الدرس عبر الترغيب أحيانا والترهيب أغلب الأحيان. لتأكد من مصداقية الفرضيات الواردة التجأنا إلى اختيار العينة سرا لكي لا يؤثر مسئول المدينة في رأيها. كانت العينة منتقاة بشكل عشوائي من مدرسة الكرامة الابتدائية ومدرسة الشعب الثانوية، مائتا طفل شاركا في العملية من الجنسين، ثم أعددت استمارة لهذا الغرض وقمت بالاستماع إلى مجموعة من التلاميذ بصفة مباشرة. النتائج: في اليوم الموالي للقيام بهذا البحث اختفى التلاميذ المشاركون في البحث في ظروف غامضة، كما اختفيت أنا صاحب العرض، دون الكشف عن أي نتائج، على باحث آخر أن يتم البحث إلى نهايته.