صدر للكاتب المغربي الطائع الحداوي كتاب إبداعي يحمل عنوان "ذاكرة الماء والتراب" (نصوص ومحكيات) عن منشورات وزارة الثقافة المغربية برسم سنة 2011، ويحتوي على النصوص والمحكيات التالية: . السيدة طنجيس . ذاكرة الماء . عودة الطائر . حاشية الطائع على ظهر المهراز الجامع . رائحتها تراب . ياويل قلب لم يصغ من حجر . فاطمة شبشوب: مرآة الصور المتجاورة . لالة تاجة بالإضافة إلى كلمة رقيقة للشاعر حسن نجمي موسومة ب: إشاعات العمر الجميل. وللتذكير فإن الباحث والكاتب الطائع الحداوي، أستاذ السيميائيات وتحليل الخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية المغرب، سبق له أن نشر ديوانا شعريا اختار له من العناوين: زميرالدا، إشارة إلى شواطئ سردينيا الزمردية بإيطاليا، كما أصدر مجموعة من المؤلفات في التخصص المذكور منها: سيميائيات التأويل، الإنتاج ومنطق الدلائل(2006) والنص والمفهوم (2010). ونقدم لهذه المجموعة الإبداعية بالكلمة التي صدرها بها: كلمة تشكل نصوص هذا الكتاب ومحكياته عز المحصل مما بقي في حوزتنا من كتابات إبداعية متنوعة مبثوثة في صفحات الجرائد وملاحقها الثقافية، ومنثورة في المجلات المغربية والعربية. فما استطعنا حفظه في هذه الضفيرة اللطيفة تمتزج فيه الأنواع الأدبية وتتداخل الأساليب القولية بطبائعها وصورها المختلفة: من سرد قصصي، وحوار وسؤال، ووصف رحلي، ولغة شعرية، وبلاغة التلميح والإشارة، وعناق الأزمنة والأمكنة، والشخوص الحقيقية والمتخيلة، ومديح الأحبة وإخوان الصفا وخلان الوفا بذكر مناقبهم والإشادة بصفاتهم وتجلة أعمالهم بعد أن ارتفعت آلة القول إلى أعلى مراتب حدود الحياة وحدود الموت. وغيرها من العناصر التي تنصهر في علة هذه المكونات لتجعل من النص نصا مستوفيا لشرط التسمية فعلا، ومن المحكي متوالية ترنو إلى تحديد الهوية وتجهيز العدة في مشمول بنية كلية دالة تأليفا وقراءة وتأويلا. كان المؤمل أن تأتي شعيرات هذه الضفيرة مجدولة، محبوكة بكيفية أشد وبمنظور أبهى، وأن تكون خصلاتها في تمام السبك وحذق النول ورشاقة صنعة اليد، لو أنها استحضرت في معرض الحسن وقياس الجمال النصوص الغائبة والمحكيات المنفلتة التي استعصى عنا أمر جمعها وتأبى حال الوصول إلى مقامها. كالمحكيات الترابية التي لهجنا فيها بما عند الناس، وأشارت إليها ترجمة الصديق الأعز الأوفى حسن نجمي الرقيقة، أو محكيات الأسفار الجوانية مثل "ملوسة: المون والبحر" والرحلات الخرافية إلى بلاد العجم أيام كانت الحدود مفتوحة على مصراعيها والعملات الصرفية من ضرب دار سكة بلدانها أو عندما أقرت التأشيرة وتوحدت الأوراق البنكية والأوطان الأوروبية. ناهيك عن النصوص الباطنية ومعانيها العرفانية التي بدونها يستحيل أن يكتمل عقد حلقة التربيع والتدوير في مديح الأصدقاء الذين نحبهم ورحلوا في طرفة عين منا وانتفى وجودهم من فضاء الحياة جسدا واستقروا في شغاف القلب روحا وقيدت بالمداد الأبدي تآليفهم في السجلات رمزا كما هو حال "حوري حسين: لو أن الفتى حجر.." وأحمد المجاطي( المعداوي) "حرقة الشعر وحرقة الوجود" وفتى الدارالبيضاء وباديتها الشاوية العربي باطما الإنسان والصوت والقلم. وكل من أفل نجمه من الأحبة وخبا من مجرة الأجرام السماوية ونبت في الأرض زهرة يانعة وهو في فورة الإبداع وبيان الإقناع وغمرة الإلماع. لكن هذا الغياب الحادث لا يمكن أن يفضي بأمل القارئ إل الخيبة والحسرة لأن المتن النصي والحكائي الذي بين يديه الكريمتين يبدو كافيا للتمثيل عما سقناه من أقوال، وما برهنا به على وجه الإيجاز من دلائل، وللإبانة عن كنه عشقنا للكتابة التي تدنو من رحم الأدب لغة ورؤية وغاية؛ والذي جعلنا منه بيتا إليه نسكن. وإن كنا نعلم أنه بيت أهون من بيت العنكبوت، وأن الأدب نفسه، وفي جزء كبير منه، هو حرف (بضم الحاء): ما ازددت في أدبي حرفا أسر به إلا تزيدت حرفا تحته شوم لأن الموازاة المثنوية، التي سيأتي ذكرها، حاضرة في كل حرفة أدبية سواء مالت نحو الطبع أم تلبست الصنعة أم هما معا. ومع فرض ورود هذه الشبهة وتماهيها والحجة، فإن بيتنا الأدبي ظل مسكنا نحتمي فيه بريش السخام في أوقات القر والحر، المسرة والحزن، الأنس والوحشة، الرقة والخشونة...إذ لكل شيء قدر، ولكل جوهر صورة، ولكل مقام حال من الأهواء، وفيض من الإحساسات والعواطف، ومشكاة من الأحلام والأوهام، وذرات من الفكر. والحكمة المحصلة من هذه المسألة مقدمتها القياسية على هذا النحو: عندما يتلجلج ما في الصدر ويختمر ما في العقل، تشدو الأنامل طرس الحبر محبة في نصب العلامة ولذة في تسويد بياض الكلمة ونشوة في التقاط نور الثريا وصبه في العبارة. ونعتقد أن هذا المجموع الشفيف المسمى "ذاكرة الماء والتراب" طوى نهج هذا السبيل بكل كفاية وعناية على قدر الاستطاعة.(الطائع الحداوي).