من موضوع مكتوب و منشور بإحدى الملاحق ، كتب كاتب مقالا في النقد و النقد المضاد. ذلك أنه سكت دهرا، ثم نطق جهرا ليثور ثورة على النقد و الأدب كما ثار على الموت و الحياة معا. بات ميتا يرزق بالطعام و الحليب و البريوش. فأصبح ميتا لا يرزق. يصارع الحياة فتصرعه، ينافح الموت فيكبحه. يتساءل لماذا نأكل ؟ يجيب نأكل لنعيش ،ونعيش لنموت ، ونموت لتستمر الحياة.... الصراع الجدلي بين المضادات الحيوية صراع أبدي . و الحياة تقوم على الصراع صراع الأضداد الحياة و الموت ،القبح و الجمال ،الخير و الشر ،الحب و الكره .... حيث يؤدي الصراع بالمعنى النقدي الى التوتر ، و التوتر يفضي الى الدراما مأساة كانت أم ملهاة . فلا حياة دون صراع و نقد ، ولاصراع و نقد دون حياة ... فإدا كان الشعر جوهر الأدب ، فإن الأدب محور العملية النقدية على مستوى المنهج و السياق . وتطور النقد مرهون بتطور الإبداع ، فبغياب النقد يتدهور الأدب و يتيه تيهانا ، وفي غياب الأدب بتعطل النقد كما يتعطل الذوق كذلك . يختلف النقد و يطغى بإختلاف المشارب و الأذواق ، فهناك النقد الطامح ، و مفاده المدح ، النقد الجامح و مفاده القدح ،و النقد الراجح و يراد به البناء ، أما النقض فيراد به الإلغاء ، و الهدم ،هدم الأحكام النقدية المختلفة لإعادة البناء. طبقا لمبدأ التدافع و النقد. كحتمية تاريخية للتطور ..التجاذب ، و التنافر ، التقابل و التضارب . فنقد السياسة عند ماركس طور المذهب الرأسمالي المتوحش .ونقد العقل العقل العربي لدى بعض المفكرين غربل الميراث الحضاري القديم لإحيائه من جديد. بإعمال آلة المناهج النقدية الحديثة ، كالمنهج التفكيكي و البنيوي عند محمد أركون ، و عابد الجابري .. ثم الدعوة الى تجديد الفكر العربي عند الدكتور زكي محمود نجيب و غيرهم ... أما المنهج الإنطباعي في الأدب و الفن، فهو المنهج الرائج و الأصيل في نقد و تقويم الآثار الأدبية . كما أن الآراء و الإنطباعات تقدم في شؤون الأدب و الحياة جميعا. من قبيل يعجبني و لا يعجبني ، بدءا من النقد الكوميدي الساخر عند الجاحظ و آرائه في الناس و الحياة. مرورا بشعر النقائض عند الفرزدق و جريرحيث يقول : فلما وضعت ميسمي على الفرزدق وضع البعيث جدعت أنف الأخطل إلى النقد اللاذع عند بعض الشعراء و الظرفاء عبر الزمن. من قبيل : الشاعرة عائشة العمارية التي هجت رجلا جاء يخطبها تقول : أعذيري من عاشق أصلع قبيح الإشارة و المنزع برأس حويج ألى صفعة ووجه حويج إلى برقع كما انتقد أحدهم الحكام المفسدين قائلا : أفسوة الكلب جاء يحكمنا فكيف لو كانت ضرطة الأسد -ابن رشيق-. وصولا إلى النقد الإنطباعي الساخر و غير الساخر عند طه حسين و العقاد ، المازني و الرافعي ، و الأديب عبد العزيز البشرى، حيث هجا أحدهما أو كلاهما الآخر، كما هجا و نقد بعضهم بعضا ، نفدا أدبيا ، نثريا أو شعريا . إلى علي الدوعاجي ،و عبد العزيز العروي ، و تقنية السخرية الهزلية لدى أدب أقدم حاكم ، ملك ملوك إفريقيا ،ورئيس الإتحاد الإفريقي في قصصه ''القرية القرية'' ''الأرض الأرض'' و ''انتحار رائد الفضاء'' فإن دلت تلك الخصومات المحتدمة على صفحات الجرائد و المجلات بين طه حسين و الرافعي، حول قضية الجديد و القديم على حرارة و نجاعة الفعل النقدي آنذاك ، فقد دلت أيضا على الخصام و النقد ، و النقد و الإصلاح ، و قد دون هذا الزخم الأدبي بين هؤلاء جميعا في كتب و مدونات ، كحديث الأربعاء ، خواطر ... و كتاب الديوان و كتاب على السفود للرافعي. حيث كوى به ديوان العقاد – وحي الأربعين – كيا. و لقد شكل الثلاثي الخطير عباس العقاد والمازني ، و شكري الشاعر. مدرسة في النقد و الأدب تعد مرجعا كون وجدان الأدب النهضوي الحديث . وإن شاب تلك المساجلات ما شابها من التوتر المشحون بالرعونة حد الإسفاف و الإبتذال، فإنها كذلك لا تخلو من النقد والفن و التجديد . وإن كان النقد عند العقاد فكري عميق فإنه عند الرافعي لغوي أسلوبي حاد ، و إن كان عند طه حسين مدرسي تعليمي ، فهو عند المازني تهكمي ساخر ، و هكذا .... ثم جاءت بعد ذلك موجات نقدية أخرى منها جماعة "أبولو" ذات النزعة التجديدية في والرؤية الرومانسية الوجدانية مع الخيال الجامح . من أقطابها د/ زكي أبو شادي شاعرا د/ مختار الوكيل ناقدا ،الإذاعي الطاهر أبو فاشا كاتبا و مذيعا ، و الأديب الناقد سيد قطب ،و الناقد المرموق أنور المعداوي .... حيث تخرج سيد قطب من مدرسة دار العلوم و لم يكن أكاديميا، بل ناقدا أدبيا. خاض غمار الأدب و الصحافة و النقد بكل جسارة و وعي. شهد له بها الخصوم و الأصدقاء معا . هو من عرف القارئين بأدب نجيب محفوظ في بداياته ، وهو من قدم للناس مسرحيات أحمد علي باكتير ، و أعمال صديقه توفيق الحكيم ، أهل الكهف ، و الملك أوديب ....كما ينسب إليه المنهج التكاملي في النقد الأدبي، و هو مزيج من الإنطباع و التحليل النفسي . ألف كتابه النقد الأدبي مناهج و أصول. ثم و لأمر ما تحول جدريا من الفكر النقد، إلى الفكر السياسي و الديني . أما النقد اليساري فقد مثله الدكتور محمد منذور في كتابه 'الميزان الجديد'' لكنه مشروع نقدي لم يكتمل . إن إشتغال الجامعيين و الأكاديميين بالتنظير النقدي و الدراسات النقدية المتخصصة ، لم يمنعهم من الإشتغال بالكتابات النقدية الصحفية و الإنطباعية بالجرائد و المجلات ، كالدكتور صلاح فضل ، و الناقد عبد القادر القط ، و جابر عصفور ، و صاحب الباع الطويل في هذا المجال زكي نجيب محمود. أما النقد الأكاديمي فهو نقد علمي محض محصور في الكليات و المعاهد ، و مقصور على المناهج و الأبحاث العلمية المتخصصة، هؤلاء لم يكتبوا النقد ، بل كتبهم ، كيف ؟ إعادة انتاج ما أنتج سابقا من المنتوج الثقافي ، أي تطبيق القوالب النقدية و الأنماط الوافدة .قال بارث، ميشال فوكو ، و قال سارتر و grimace ... الخ، و لم يضيفوا ابداعا جديدا . إن التجارب النقدية و الأدبية التجريبية ليست بدعا من النقد. بل هي عمليات تسعى لرصد و تقويم الحركات الأدبية الراهنة و المتصاعدة ،من قبيل: قراءة في كتاب أو قراءتان،أو ثلاث قراءات في كتاب. إن الورشة الأدبية المشار إليها من طرف صديقنا محمد رابحي تنحو هذا المنحى ، ورشة ثلاثية الأبعاد و الرؤى و المواقف شكلها هو ، و منير مزليني وعبد القادر بن جدو ، ثم لحق بهم آخرون .. النادي و البادي و معهم زرزور ...نقار الزهواني ، القرد النجار ، و الفأر الخياط ..غطت العملية بعض النماذج الأدبية المعاصرة شعرا و نثرا. لإسماع الصوت النقدي الجديد ، لكنها لم تقوم و تدعم بحكم الوضع الأدبي المزري. و المصاب بداء التجاهل و التآمر .. فيا أيها النقاد هذا عهدكم ، فاسعوا لكسب النقد سعيا عظاما ، فأنتم الآن في زمن النقد والنقض المضاد .. فأنقذوا - الذل – الأدب لكيلا يظل عائما غارقا في بحر لجي متلاطم الأمواج .