" الرطل " رجل مخبول في الخمسين من عمره .. يلبس معطفا عسكريا في الحر والقر ويعتمر خوذة كولونيالية ، تغطي شعرا فضيا مجدولا على كتفيه .. يجر عصا ، صنعها هو من شجر " الزبوج " .. سليط .. يوزع البذاءة جملا وإشارات على كل من ناداه ب " الرطل " .. لمّا يكون راقي المزاج يغني بصوت جميل بعض أغاني " البَدْوي " الجزائري وخاصة أغنية " الكمري ل "الجيلالي عين تادلس " بلازمتها الجميلة : يا حْمامْ السّاكَنْ كيفانْ وَ الدِيارْ *** حَوَمْ على وَلْفي "خَيْرَة" و رْواحْ كُولّي . يحكي الكبار عنه النوادر الغريبة والمضحكة ، منها مثوله يوما أمام الحاكم المخزني أيام الحماية الفرنسية على المغرب ، بعد إلقاء القبض عليه من قبل رجال القوات المساعدة بأمر من الحاكم بتهمة الاعتداء بالضرب والجرح المبرحين على أحد الصبية .. سأله الحاكم : - لما ضربت الصبي ذلك الضرب المبرح ؟ ألا تستحيي ؟ ردّ الرطل وهو ينظر إلى الحاكم نظرة عدوانية زاما شفتيه : - هو من اعتدى علي ... وكزه أحد رجال القوات المساعدة قائلا : - قل سيدي الحاكم . ردّ عليه " الرطل " ممتعضا : - لم أقلها حتى لوالدي . واصل الحاكم استجوابه : - كيف اعتدى عليك ؟ - سخر مني .. ناداني ب ... - ناداك ب " الرطل " هاه ؟ لم يكن الحاكم يتوقع ردة فعل " الرطل " عند سماعة اللقب المشؤوم . طار عليه في مجلسه وقبض على عنقه بيدين فولاذيتين . خلصه منهما أربعة من رجال القوات المساعدة . تدخلوا بعنف شديد . انهالوا على " الرطل " ضربا حتى أغمي عليه ، ورموه في الحبس ستة أشهر، فتكسرت شوكته . من يومها اكتفى المسكين بسلاح السبّ والشتم دون الضرب . هذا الصباح صادف ركوبي الحافلة صعود " الرطل " إليها . رمقه بعض التلاميذ الأشقياء . ولاستفزازه ، طلب أحدهم من صديقه بصوت مرتفع تصريف فعل أكل إلى الماضي . قال وهو ينظر إلى " الرطل " : - أنا أكلت رطلا من البطاطس . أنت أكلت رطلا من البطاطس ... التفت " الرطل " إليهم ، وقال كلاما نابيا تستحيي من سماعه الشياطين . ختمه بقوله : " أنتم مثل بُرازِ الكلب لا ينفع في شيء " .