كان الأديب الجزائري الكبير الطاهر وطار العائد إلى مقامه الزكي يعتبرني على سبيل البسط والرعاية "أحد هموم الجاحظية" والجاحظية بالمناسبة، قلعة ثقافية عصامية وأصيلة في قلب الجزائر، أسسها ورعاها وحمى حماها الفقيد العتيد الطاهر وطار، في قلب سنوات المحن والفتن، عملا بالحكمة المأثورة ( بدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة!)، وأخذا بشعار (لا إكراه في الرأي). وقد دأبت الجاحظية مشكورة على دعوتي باستمرار للمشاركة في لجنة تحكيم جائزة مفدي زكريا للشعر المغاربي، التي تضم أعضاء أكفاء من المغرب والجزائر وتونس. ومن خلال هذه المشاركات والزيارات المتكررة إلى العاصمة الجزائرية، أتيح لي أن أجس عن كثب نوابض العلائق الثقافية والروحية بين المغرب والجزائر. فتجلى لي بالقرائن الدامغة والمظاهر العفوية الصادقة عمق وصدق العلائق الثقافية والروحية الواشجة في عروة وثقى، بين قلوب الجزائريين والمغاربة مهما كدرت السياسة أجواء وسماء العلاقة بين البلدين. والثقافي دائما، يتجاوز السياسي ويرأب صدعه ويفكر عن ذنوبه وسيئاته. ولعل فوز شعراء مغاربة ولأكثر من دورة وجولة، بالجائزة الأولى والثانية لمفدي زكريا دليل بهي على نظافة هذه الجائزة، وعلى التقدير الأدبي الجميل الذي يحظى به المغاربة، عند المثقفين الجزائريين والتونسيين، وكثير من الشعراء المغاربة الذين فازوا، أصبحوا الآن أسماء مرموقة. ورغم توتر العلاقة السياسة «الفوقية» بين البلدين وقيام حواجز وهمية بينهما، فإن المثقف الجزائري لا يألو جهدا في سبيل متابعة المشهد الثقافي المغربي وتسقط أخباره وآثاره والأمر سواء بالنسبة للمثقف المغربي. إن ثمة حسن جوار ثقافي بين البلدين، لا جدال ولا مشاحنة فيه، رغم أنف السياسة ونكدها. وقد ساهم اتحاد كتاب المغرب أيضا وخلال السنوات الماضيات، في تعمق وتوثيق الأواصر الثقافية بين البلدين هنا وهناك كللت بالتوفيق والنجاح. ثمة جوار ثقافي جيد، بين المغرب والجزائر.لكن المؤسف أن الجوار الثقافي الحسن على مستوى البنية العميقة للبلدين، لم يتعضد بالجوار السياسي الحسن على مستوى البنية الفوقية لها، مما يحول دون التواصل السلس والسوي بين الشعبين الشقيقين، ومما يفوت فرصا ذهبية للتعاون الثقافي - المغاربي. ألا ما أضيق السياسة، وما أرحب الثقافة.!