ارتبط حضور البطل في الرواية بحضور البرجوازية على المسرح السياسي والإقتصادي والإجتماعي "فثمة علاقة جدلية بين طبيعة البناء الإجتماعي من خلال وضع الطبقة البرجوازية في هذا البناء وما يطرأ على أنساقه وبصفة خاصة النسق الإقتصادي من تغير وبين صورة البطل في الرواية الحديثة" . فظهور الرواية وازدهارها كان مرتبطا بظهور البرجوازية وصعودها فلما دخلت هذه الأخيرة في تناقض مع علاقات الإنتاج التي أوجدتها بلغت مرحلة التدهور فالإنحلال، أخذ نجم الرواية الأروبية بالأفول لأن البطل السند الرئيسي لها لم يعد يقدم شيئا حتى قال آلان روب غرييه "الرواية اليوم آيلة للسقوط فقد تخلى عنها سندها الكبير البطل" ، وبذلك كان سقوط البرجوازية بمثابة ناقوسا أعلن عن نهاية زمن البطولة بالمعنى التقليدي الكلاسيكي المعنى الذي اقترن في الممارسة الحكائية "المأساة" بالقوة الأسطورية أي البطل الخارق المبارك من طرف الآلهة والمتصف بالقوة وبالشجاعة وبالقدرة على تجاوز الصعاب، وبداية ظهور زمن جديد ومعنى آخر هو اللابطل أو رواية اللارواية (رواية القرن العشرين). تلاشت الصورة التقليدية للبطل مع موجة الحداثة في الرواية التي كما يقول الناقد "عبد الرزاق عيد تقوم على مبدأ الفرد المقذوف إلى وجود غامض لا إنساني، لا يملك سوى عزلته ويأسه وذله في مواجهة سيزيفية قدرية والمآل الشك بكل القيم والسقوط في سديم اللامعنى العدمي حيث صارت البطولة مع الرواية الحديثة حالة إنسانية يمكن للفرد العادي أن يكتسبها بالتضحية وبالتحمل مثل بطولة "مرزوق" لعبد الرحمان منيف، كما ظهرت أشكال جديدة للبطولة، كالبطولة الجماعية وهي البطولة التي طغت على الرواية العربية بعد نكسة 67. ففي رواية "رجال في الشمس" للشهيد غسان كنفاني والتي كانت محطة لدراسات عديدة كان اختيار الروائي غسان لثلاثة أبطال بأعمار مختلفة (أبو قيس وأسعد ومروان) اختيارا مقصودا أراد من خلاله غسان القول بأن البطولة ليست فعل فردي إنما هي فعل جماعي. كما أن الرواية العربية الحديثة دخلت في تعاقب الأبطال وصار البطل لا يشغل سوى ما يستحقه من مكان وزمان، هذا الشكل البطولي هو ما يطلق عليه بالبطولة التناوبية وهو الشكل الطاغي على الكتابة الروائية عند منيف. وإذا كان البطل ذلك الشخصية الأساسية (المحورية) التي تشغل كل مساحة القص الفني وتعمل باقي العناصر الفنية الروائية بما فيها الشخصيات على إضاءته وإظهار قوته، فإنه مع الرواية الحديثة قد تعطي البطولة للفكرة أو للزمن أو للمكان وتصبح هذه العناصر الفنية تحتل مساحة القص بدل البطل، بل أكثر من ذلك أن يعمل البطل على إضاءتها وهذا ما عبر عنه ميخائيل باختين في "شعرية دوستويفسكي" في جواب له عن من هو البطل في روايات دوستويفسكي، يجيب باختين "ليست الفكرة بذاتها هي التي تعتبر بطلة العمل الأدبي عند دوستويفسكي كما أكد ب.م. انجلجاردت بل إنسان الفكرة" ويعود باختين في شعرية دوستويفسكي ليقول "الفكرة أشبه بالبطلة" وجواب باختين وإسهابه في تناول البطل في شعرية دوستويفسكي واعتماده طرق خاصة اقتبسها من الاستيطيقا وأفكار غوته وهيجل يؤكد الصعوبة التي أصبح يواجههاالنقاد في تحديد من هو البطل في هذا المحكي. كما أن البطولة قد تعطى للزمن كما في رواية "البحث عن الزمن الضائع" لمارسيل بروست التي اعتبرت رواية زمن بامتياز، وقد تعطى للمكان، فقضية البطولة صارت هاجسا يقلق الروائيين والنقاد ويدفعهم بعمق إلى التفكير فيها، بحيث في الرواية الحديثة اللابطل هو البطل مما يجعل القارئ والباحث والناقد في حيرة من أمره وهو يحاول الإمساك بالبطل داخل الحكاية يقول منيف في حوار معه "يمكنني أن أقول" إن مدن الملح رواية ليس فيها بطل وفي حوار آخر مع منيف يعود ويقول عن البطولة في مدن الملح كل مكان كل قضية إلا ولها بطلها إن صح التعبير ولكن الصحراء تبقى هنا هي البطل الأساسي .