أنا متردد كالخمر الخجولة التي تتأبّى على شفاهٍ حسناء، أنا واثق أنني أريد أن أقول شيئا ما لكن هذه الصحراء الممتدة في اللانهاية تلهب ترددي، فَأنزلُ عند رأيي الأول: - عالمنا تفوح منه رائحة الكآبة ترمقني في توجس عذب فتقول بصوت لا يكاد يُسمع: - هل أنتَ وجوديّ..؟ - كلامكِ كالجمر .. صمتتْ. قلتُ لنفسي: إذا كانت المرأة التي تدبُّ في أوصالك تستحق هذا الدبيب فَالزَمْ حبها، وإذا لم تكن كذلك فلا تفعل، واعلمْ أن الحبّ وبالٌ على من لم يتعلم الصعود في مدارجه. خرجتْ عن صمتها العذب، نظرتُ إلى بهاء الصمت وحيرة السراب في أفق الصحراء، ثم قالت وكأنها سمعتْ حديثي لنفسي: - اليأس..؟؟ الإثم ..؟؟ الاغتراب..؟؟ القلق ..؟ الموت..؟؟ كلها بضاعة لا يحتاج إليها قلبك الآن .. وجودك الحقيقي هو هذه الصحراء الرافلة في البهاء .. لا تهمك أوهامكَ الآن، إنما المهم أن يذوب ما اتفقتَ عليه وقلبكَ من هراء في بهاء النسيان .. امتد بصري حائرا إلى الأفق المشنوق، لاحتْ يد السراب مودِّعة، حولتُ بصري صوبها، تلاشيتُ في بهاءها وصفاءها، أحسستُ بفناء عذب، ولشدة الامّحاء لم تعد عيناي تريان نهديها ولا جسمها، ليس في الوجود إلا الصحراء الممتدة في عروقي والمشرئبة في وجودي .. استأنفتُ الذوبان والتماهي في المقام ذاته، فقلتُ ودموع ساخنة تندلع في صدري لتغسل عينيّ الموحلتين: - لقد قلتِ كل شيء ..