صمت رهيب يلف المقهى الممتلىء عن آخره بالزبائن. الشمس كانت تشرف على المغيب، في الشارع المقابل كان أشخاص يسرعون الخطى في كل الاتجاهات . في أحد أركان الشارع كان شخصان يتقاذفان فيما بينهما السب والشتم والصراخ في حالة من الهستيريا، وسيارات كانت تمر بسرعة جنونية.داخل المقهى كان النادل يتراقص كالبندول بين الأجساد الآدمية الملقاة على الكراسي موزعا ماطاب ولد من الطعام فوق الطاولات.عيون الأشخاص متعبة، أجسادهم منخورة والشفاه جافة كأنهم فيلق عاد للتو من حرب ضروس في صحراء قاتلة. البعض كانت عيونه مشدوهة إلى جهاز تلفاز معلق في أحد زوايا المقهى كان يقدم برنامجا عن الطبخ، وآخرون كانوا يغازلون بأعينهم مختلف الأطعمة الموضوعة أمامهم. الشارع فارغ من المارة إلا عجوز كان يتقدم ببطىء باتجاه المقهى متكئا على عصا ويحمل في يده الأخرى كيسا من البلاستيك. في لحظة من الزمن مرت سيارة بسرعة جنونية ، فصدمت العجوز بعنف، قاذفة به على بعد أمتار عديدة. تناثر ماكان في الكيس البلاستيكي الذي كان يحمله العجوز من قطع حلوى وخبز وقليل من التمر.اختفت السيارة .نهض البعض ممن كان في المقهى مسرعا في ذهول نحو العجوز الملقى على الطريق والدماء تفور من جسده النحيف مثل حمل صغير ذبح كقربانا للآلهة.اتصل بعض الأشخاص بالإسعاف. عاود بعضهم الكرة مرات عديدة، فيما اكتفى البعض الآخر بالنظر باندهاش إلى العجوز المسكين، متسائلين حائرين في أمر القدر الغاشم الذي يأتي بغتة، ثم ينقض في برهة من الزمن على من يشاء وخاصة من ضعفاء البشر.دوت الصفارة معلنة وقت الإفطار.عاد الجميع إلى المقهى إلا شخصين بقيا إلى جانب العجوز متناولين إفطارهم بالقرب منه، محاولين عبثا أن يطعماه أو على الأقل أن يسقيانه بعض جرعات الماء، لكنه فقط كان في حالة مستعجلة للإسعافات الأولية لإنقاد حياته من موت محقق. مرت اللحظات والعجوز كان لايزال ممدا على الرصيف مضرجا في دمائه، و يئن من شدة الألم ..الألم الذي يظل ملازما للإنسان حتى آخر رمق من حياته.شرع الأشخاص في الخروج من المقهى الواحد تلو الآخر نحو العجوز الذي كان ينتظر ساعة الصفر من عمره وعيناه تنظران في دهشة واستغراب إلى السماء ، ثم بدأت حركات جسده النحيل تتباطأ.حرك شفتيه متمتما في صمت ببعض الكلمات، ثم خمدت حركاته في هدوء تام . بعد مدة من الزمن، وصلت سيارة الإسعاف، لكن كان قد فات الأوان.