أنا كلما ساورتني حماقاتي.. تأبطت شعري وصُغت فيها قصائد الغزل و التشبيب، لَعلّها تَميل بعض المَيْل صوب وسادتي .. أوكلما حاصرتني هَفواتي ، توَسّلت يَراعي، وحشدت سِنانَه لأخطّ خطابات الولاء لأيامَ خلَت، وأوقع شهادة ميلادي المُؤجّل . أو كلما تاهت عنّي فَراغاتي، تعَلّقت بالأفق الهَروب، لعلِّي أُبقي على قبس من حظٍّ يُناولني عشقَ الخلود، ويأسرني بنشوة السجود. أو كلما خَبَت نارُ شوقي، وأَعْتَمَتْ فِيَ دروب الحنين.. أوقدتُ أناملي بشرارة الوَجْدِ، ونَفَختُ فيها ريح الهجير، لتسمو بي في سماوات النّور . أو كلما أَ فَلتْ نجوم ليلي ، وضاعت مني بوصلة المسير، شققت صدري لأنشر رقاقات وجدي وخرائط خَطوي، ومُنتهى قَدمي . أوكلما ضاقت بي عباءتي .. وحَزّ في جلدي حزامي.. وهبتُ أثوابي صدقات للعراة الواقفين منذ أزمنة البذخ على الطّابور ؛ وتَصَوّفْتُ جُبّة الحَلاّج، وعمامة ابن عربي، لعلِّي أنجو من وخْز الحَرير ، وأستَتِرُ من زُرقة السّماء .. أو لعلي أحُلُّ في النّار، أو يحُلُّ فِيَ الماءُ.. لأتَشَكّلَ من جديد مَخلوقا ناريا لا يُطفِئُه الماء.. ويمتد امتداد السماء، يُسارع الهواء كالهواء.. مُنطلقٌ هباءٌ ، ومُنتهًى هباء . أو كلما آلت شمسيَ إلى غروب – قُرْمُزِيٍّ- تأوهتُ بين ضفتي نَهْر هَروب؛ تَأَجّجت فِيَ الوحدة، وتجسد في مقلتي البين اللّعوب، وطاف بي بين الدروب، وآوى إلى فراشي مُتمددا .. يُراودني عن غُربتي، ويُبالغ في الغِواية، لعلّهُ يأتينا القمرُ مُسرْبَلا بتلافيف الوهَجِ المتراقص مع شُعاع الشفق ؛ ومُضَمّخًا بكل ألوان الطيف.. ليُعلنَ للملإ انتهاء الهجر .