جلست سميرة قرب الحاجة ربيعة، كما العادة، وبشكل روتيني، تعودت عليه منذ زمن ليس بقصير، فقالت لجدتها بصوت يغلب عليه طابع الحزن: – متى يا جدتي تستريحين من هذه الإبر التي تغرس يوميا في ثنايا جلدك المتراخي، فأصبح بدوره مسكنا دائما لها.. أجابتها الحاجة ربيعة وشبح ابتسامة شاحبة تظهر على ثغرها الباسم: – هل بدأت تتعبين بنيتي من مساعدتي في أخذ حقنة الأنسولين؟ أم أنك تتمنين الشفاء لي حقا؟ – ماذا !! صرخت سميرة، مندهشة وعاتبة على كلام جدتها، وهي تقول: – هكذا إذن، أنا أتألم من أجلك، وأنت بالمقابل، تسيئين الضن بي، على كل حال سأعطيك الحقنة الآن، وبعدها لن أكلمك اليوم كله. ضحكت الجدة حتى ظهرت أسنانها البيضاء المركبة، وهي تجيب على كلام حفيدتها الصغيرة بصوت ضعيف: - آه منك.. وهل تستطيع صغيرتي الغاضبة فعل ماقالته جديا؟ أشك في ذلك.. هيا أيتها المشاغبة أعطيني الحقنة وكفي عن التدمر. عندما كانت الجدة تتحدث، كانت أثناء ذلك سميرة، تبحت عن الحقنة التي تستعملها لحقن جدتها بالأنسولين ضد مرض السكري، والتي وضعتها مساء البارحة، في داخل درج الخزانة الخاصة بأدوية الجدة، بدا عليها الانزعاج وقالت بشكل متسرع وحائر: - جدتي... جدتي.. هل تذكرين؟ لقد وضعت الحقنة هنا داخل الدرج، لكنني لا أجدها الأن! ردت عليها الجدة قائلة: - إبحثي جيدا فقد تجدينها، لأنها لن تمشي بقدميها وتخرج وحدها من الدرج. - هل تبحثون عن هذه؟ نطق سعيد بهذه العبارة وبشكل مريب ومتردد، مما جعل سميرة تنظر إليه باستغراب ودهشة، وموجهة نظرها في نفس الوقت إلى جدتها، التي بدا عليها التعجب بدورها، لأن الحقنة التي يبحثون عنها في يد حفيدها. وسرعان ما توضحت الأمور، والاندهاش كان جوابه حزنا مدمرا، فبعد مرور أربعة أشهر تقريبا على تلك الحادثة بدأت الحاجة ربيعة تظهر عليها علامات مرض غريب، غير الإعياء الذي يصيبها عادة نتيجة ارتفاع الضغط أو السكر.. لهذا قررت عمل تحاليل طبية، عملا بنصيحة طبيبها الخاص. وهنا، اكتشفت الحقيقة المرة، فقد أصيبت للأسف الكبير، بمرض العصر الخطير، وهو مرض السيدا، فقد انتقل إليها عن طريق حفيدها المدمن على المخدرات، والذي أخذ إبرتها لاستعماله الشخصي، وكم كان خطأ دفعت الجدة المسكينة فيه ثمنا غاليا وهو حياتها.