من الطبيعي أن ينفعل ويتفاعل ويتجاوب شعراؤنا مع الأحداث السياسية وقضايا الشعوب العربية، وكفاحاتها ونضالاتها الوطنية وثوراتها التحررية. فقد احتلت الثورة الجزائرية دوراً كبيراً في الشعر الكفاحي والثوري الفلسطيني ، وعبّر شعراء الشعب عن شعورهم القومي وأعتزازهم بالبطولات والملاحم ، التي سطرها الشعب الجزائري وثواره وقواه المناضلة ونخبه الطليعية ضد جحافل الاستعمار الفرنسي. فبينما كانت المجنزرات والبلدوزرات تحاصر وتقصف وتدوس الأجساد والشوارع والأشجار وكل ما هو انساني وحضاري على الأرض الجزائرية انطلقت أصوات شعرائنا الفلسطينيين المقيمين والمتشبثين بوطنهم، لتهتف للمقاومة وتسجل الصمود البطولي الأسطوري وانجازات المقاتلين الجزائريين ، الذين ثاروا وهبوا وانتفضوا دفاعاً عن كرامة وشرف الجزائر ، ومن اجل تحريرها من ربقة الاحتلال وبراثن الاستعمار الفرنسي الظالم . فشاعرنا طيب الذكر والثرى راشد حسين ، أبن قرية مصمص أعلنها صرخة مجلجلة ومدوية في وجه قوى البغي والقهر والظلام ، أن النصر حليف الشعوب المقهورة والثائرة دائماً، فقال في قصيدته " الثوار ينشدون" : سنفهم الصخر أن لم يفهم البشر أن الشعوب اذا هبت ستنتصر دم الجزائر صدر الفجر كعبته وناره فوق صدر البغي تستعر شواطىء العلم الخفاق مرتفعاً مصبه والقلوب المنبع الغزر فالثائرون على جلادهم دمهم بحر وأشلاؤهم في وسط جزر شعب تمطى فلا قيد يكبله ولا تغيبه في صدرها الحفر والجزائر بنضالها التحرري اصبحت رمزاً للثورة والحرية وحاملة شعلة الاستقلال والسيادة الوطنية، ودم أحرارها لم ولن يذهب هدراً أو هباءً، مما حدا بالشاعر حبيب قهوجي للقول والهتاف: دم ألأحرار لم يذهب هباء بمعتكر الدجى أمسى شهاباً يقول الشعب في عنت الليالي الى حرية أتخذت كتاباً تقدسه شعوب الشرق طراً وتبذل دون حرمته الشبابا أما أمير القصيدة الفلسطينية الشاعر الراحل محمود درويش فكان يحس بأن الجزائر موطنه وشعبها هو شعبه: أصدقائي أقربائي في حقول النفط والزيتون في أرض الدماء سفحوها بسخاء لتروي غرسه الفجر التي تنبت في ليل الدماء والشاعر الفلسطيني النصراوي الناعم والسلس والرقيق جمال قعوار فيسجل موقفاً متميزاً من خلال انفعاله بالحدث ويصرخ مزمجراً غاضباً: النار في قبضتي النار في غضبتي النار في ثورتي تحرق القدرا ارض الجزائر ساحات مخضبة أديمها مخبوءاً ومنتظراً وأزاء الأحساس العارم بالثورة الجزائرية يعبر حنا ابو حنا ويسجل موقفه الحازم والحاد الرافض لممارسات قوى الأستعمارالفرنسي الهمجية الوحشية، ودعمه للشعب الجزائري في كفاحه ومقاومته وثورته..فيقول: ورأيت شعبي سيل نار دافق متوثب في موكب الأرياح واذا اللهيب بريق عينيك ساطعاً وعيون شعبي الثائر الطماح فلأجل تحرير الجزائر ثورتي ولأجل رغدتي وثبتي وكفاحي ويأتي صوت سميح القاسم المشحون بالغضب الثوري ليسأل فرنسا ويؤكد بأن الأرض الجزائرية هي أرض عربية : يا فرنسا هذه الأرض لنا كيف تمسي أرضنا للغرباء ولم ينس شعراؤنا دور المرأة الجزائرية في معركة التحرير والأستقلال، فكتبوا عن المناضلتين جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا، اللتين سطرتا بأحرف من نور ونار صفحات مشرقة ومجيدة زاخرة ومليئة بالبطولة والتضحية والصمود والكفاح ، وغدتا شعاراً ورمزاً وقدوة لكل من يخفق قلبه بحب الوطن ، ويؤمن بالدمقراطية وحرية الشعوب وبالتحرر والأستقلال الوطني والاجتماعي وبناء المجتمع المدني الحضاري السعيد. وحين اشيع عن جميلة بوحيرد بأنها أعدمت كتب راشد حسين قصيدته " مصرع جميلة بوحيرد" ، مؤكداً على أن جميلة ستظل في القلوب والجراح كالدوحة الخضراء : وجميلة تحيا وتحيا في القلوب وفي الجراح كالدوحة الخضراء في نظرتها لهب الرماح لو سخروا كل الرياح لقلعها كل الرياح ما أفلحت في قلع دوحة اغنيات من كفاح هذي حواكير الجزائر في" جميلة" في العيون والعزة السمراء مشرقة على الشفة الحنون لم تتسع للهيبها الحراق أقبية السجون فلتتسع للهيبها ساحات مقصلة المنون. ويصور جمال قعوارمشاعره وعواطفه تجاه "جميلة" أخت المغاوير ، في قصيدة طلية وعذبة يقول فيها: جميلة انت يا أخت المغاوير يا طلعة الصبح في أملاك ديجور وقصة سكب الثوار أحرفها حمراء من دم الأحرار ومن نور. أما محمود دسوقي فيحدثنا عن اعجابه بأفعال وتضحيات جميلة بوحيرد من أجل حرية وكرامة شعبها في قصيدة ملأى بالعاطفة الجياشة: جميلة من أفعالك اخبرينا فنحن بذي الشجاعة معجبونا تخوض بنفسها لجج المنايا ليصبح شعبها حراً أميناً. وختاماً، فأن الجزائر شكلت موتيفاً وموضوعا ًشعرياً هاماً لدى الشعراء الفلسطينيين في هذا الوطن المقدس ، وأضحت رمزاً للمقاومة والثورة ومحط اعجابنا وأعتزازنا القومي.