توصف ثورة الملك والشعب، التي تحل اليوم ذكراها السادسة والخمسين، بأنها ثورة الحرية، والكرامة، والشهامة، و"الثورة المتجددة"، إذ تؤرخ لبداية مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب المعاصر، امتدت من 20 غشت 1953، وانتهت بانتهاء فترة الحجر والحماية، وبزوغ فجر الحرية، في نوفمبر 1955. ومن تجليات الثورة أنها مشروع متجدد، في مضمونه وشكله. ففي كل مرة تتخذ الثورة سياقا جديدا، لكن الهدف الأسمى يظل واحدا، هو الحفاظ على المكتسبات العظيمة التي صنعها الرعيل الأول من الوطنيين، وإغناء تلك المكتسبات، في ما بعد، بأخرى متطورة، على عهد الأجيال الجديدة، خاصة على مستوى بناء الدولة الحديثة، ومنظومة حقوق الإنسان، والمجتمع الديمقراطي الحداثي، على عهد محمد السادس. من جميل الصدف أن تتزامن ذكرى ثورة القمة والقاعدة، هذه السنة، مع الذكرى العاشرة لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، وهي فترة اعتبرت، في نظر المحللين والمتتبعين، بمثابة ثورة على كل المستويات، لاسيما على المستوى الاجتماعي، الواجهة التي احتلت الصدارة في اهتمامات محمد السادس، بعد مسألة الوحدة الترابية. ويتزامن الحدث، من ناحية أخرى، مع حدث لا يقل أهمية، إذ يندرج في صلب أهداف ثورة 20 غشت نفسها، هو أن صيانة الوحدة الوطنية والترابية للبلاد تعد أولوية قصوى، وهدفا يلتف حوله كل المغاربة، وكل الشرائح السياسية والاجتماعية للبلاد. من جميل الصدف أيضا، أن انتفاضة غشت تتزامن، كذلك، مع دخول قضية الوحدة الترابية للبلاد مرحلة حاسمة وواعدة، ذلك أن المقاربة التي طرحها المغرب، من أجل الطي النهائي لملف الصحراء، ينتظر أن تتكرس على أرض الواقع بنجاح. وكما يشهد بذلك المختصون والمتتبعون، تشكل مبادرة الحكم الذاتي الخاص بالأقاليم الجنوبية المسترجعة، تجسيدا نهائيا لمغربية هذه الربوع، وتحقيقا لطموحات وتطلعات المواطنين الصحراويين في العيش في أحضان الوطن، منعمين بثمار الحرية، والتنوع السياسي، والتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، منذ 33 سنة. ما كان الاستقلال ليتحقق لولا تلك الصور الرائعة، والملاحم البطولية، والتضحيات الجسيمة، التي صنعها المغاربة، وفي طليعتهم محمد الخامس، ورجالات المقاومة وجيش التحرير، وكل الوطنيين المخلصين، من أجل صيانة مقدسات البلاد، وكرامتها، ورموزها، ووحدتها الترابية. وكما تذكر كتب التاريخ، لم تكن انتفاضة 20 غشت 1953، حدثا عابرا في خمسينيات القرن الماضي، أو معزولا عما راكمته الحركة الوطنية، منذ توقيع معاهدة الحماية، من أحداث ومواقف أبهرت القوة الاستعمارية وأفقدتها صوابها، خصوصا بعد إقدامها على عزل الملك الشرعي للبلاد ونفيه، هو وأسرته الشريفة، إلى كورسيكا، وإلى مدغشقر بعد ذلك. ويسجل التاريخ سلسلة من المعارك والانتفاضات الشعبية والمظاهرات الاحتجاجية، شهدتها ربوع البلاد، وسارت في الخط نفسه المناوئ لمناورات الاستعمار، والمطالب بإعادة الشرعية إلى البلاد، حينما أقدم على خلع الملك الشرعي البلاد. مع مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد معارك باسلة، من قبيل معركة لهري، ومقاومة الشمال بزعامة بطل معركة الريف، محمد بن عبد الكريم الخطابي، ومعركة بوغافر، وغيرها، اتخذ الكفاح الوطني شكلا آخر من أشكال النضال، تميز ببعده السياسي، وارتكازه على نشر الوعي الوطني في صفوف الشباب، وداخل أوساط المجتمع المغربي بمختلف طبقاته. ومن تجليات النضال الوطني، في النصف الأول من أربعينيات القرن الماضي، مبادرة الحركة الوطنية، تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى سلطات الحماية، يوم 11 يناير 1944، بإيعاز وتنسيق مع محمد الخامس، وما أعقب ذلك من ردود فعل استعمارية عنيفة، إذ اعتقل بعض رموز ورجال الحركة الوطنية، والتنكيل بالمغاربة، الذين أظهروا حماسا وطنيا منقطع النظير، عبروا من خلاله عن مساندتهم لمضمون هذه الوثيقة التاريخية. من أبرز المحطات التي ميزت مسار الكفاح الوطني، الزيارة التي قام بها محمد الخامس إلى طنجة، يوم 9 أبريل 1947، تأكيدا على تشبث المغرب، ملكا وشعبا، بحرية الوطن ووحدته الترابية، وتمسكه بمقوماته وهويته. وكان لهذه الزيارة الناجحة الأثر العميق على علاقة الإقامة العامة بالقصر الملكي، إذ اشتد الصراع، خاصة أن محمد الخامس لم يخضع لضغوط سلطات الحماية، المتمثلة أساسا في مناهضة الحركة الوطنية والمد التحرري للوطن، فكانت مواقفه الرافضة لكل مساومة سببا في تأزم الوضع، وشروع المستعمر في تدبير مؤامرة الفصل بين الملك وشعبه. وتصدى المغاربة لهذه المؤامرة، التي تجلت خيوطها في غشت 1953، إذ وقفوا، يومي 14 و15 غشت 1953، لمنع تنصيب ابن عرفة. كما انطلقت انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، وعمت مواقف الاستنكار والتنديد بفعل قوات الاحتلال كل ربوع البلاد، حينما أقدمت سلطات الحماية على محاصرة القصر الملكي يوم 20 غشت 1953، طالبة من محمد الخامس التنازل عن العرش، فيما اختار الأخير النفي على الرضوخ لإرادة الاحتلال، مؤكدا بذلك أنه الملك الشرعي للبلاد، وأن الاستقلال آت في نوفمبر 1955.