وجع على سرير المرض اختلطت ألوان الألم، تعددت وثباته وكثرت نهشاته، لم تعد "الحاجة" تحس بالآلام الجانبية الصغيرة، ألم واحد غطى على كل الآلام الأخرى. جف حلقها، أرادت قطرات من الماء، لا يوجد أحد يناولها، ابنتها خرجت تتنزه و كأن أمها لا تستحق عناية. أدارت رأسها جهة اليسار، على المنضدة كوب يبدو مملوءا. لم تقو حراكا، أخبرها الطبيب أن حالتها تتحسن، ولكن يبدوا أنها تتراجع. شحذت عزيمتها للحصول على الكوب، ساعدها العطش في تقويتها، مدت يدها بكل إصرار، لم تصل إلى الكوب، صحيح أنها اقتربت ولكن تنقصها سنتمترات. زادت همتها وعلت للحصول على الكأس، بذلت جهدا خارقا و تحركت من مكانها، لمست أصابعها كأس الماء، انتفضت مشاعرها فرحة. فجأة فقدت توازن جسدها نصف المشلول وهوت لتسقط و تسقط معها الكأس دون قطرة واحدة من الماء.توج الألم برضوض و غص الحلق بمرارة الخيبة و الفشل.. فزع على الشاطئ امتدت الرمال الذهبية، وفوقها تمددت لحوم من شتى الألوان و الأصناف. البحر يبدو هادئا لا يبدر منه غير أمواج صغيرة وهو الذي قهر الجبابرة. دوى صوت الآذان من بعيد، يسمع وكأنه من كيلومترات. شبان يلعبون بكرة القدم، آخرون يترنمون ويعاكسون كل فتاة تمر أمامهم، فتيات متمددات لا يستر أجسادهن إلا قطعتان. عجائز من كل الجنسيات، بطونهن للرمال و الظهور للشمس. لحوم مترهلة، وأخرى مازالت تنضج. أطفال تعلموا العري منذ الصغر، يبنون قصورا بالرمل عجز ذووهم عن بنائها في الواقع. وفي لحظة واحدة، وجموع الناس المختلطة لاهية ساهية، انتفض البحر وارتفعت أمواجه نحو الأعلى لتخفي قرص الشمس التي ضجرت واشمأزت من رؤية العري و العهر كل يوم.امتد الموج كالجبل العظيم ، فساد الهرج و المرج وأطلق الناس سيقانهم للرياح هاربين ولكن الطود علا و علا و تقدم للأمام، أسرع و أسرعوا ثم فجأة صفع وجه الشاطئ بغضب وسط صرخات يائسة ثم عاد لهدوئه السرمدي.. ورع وسط الطلبة، سقط طالب مغشيا عليه، طلبة كانوا يتلون آيات من ذكر الله المبين. طالب حار الفقهاء و الحكماء في أمر غشيته. جربوا معه كل الأدوية و العقاقير ولكن أبى إلا أن يغشى عليه و هو يتلوا. تركوه و داءه المستعصي وغدا معروفا به لا يعجب منه أحد ولا يهب إليه عندما يغمى عليه أحد. أسر بها لرجل صالح عندما سأله فقال: - آيات تنزل على رأسي كالمطارق لا تستطيع روحي احتمال مواصلة الإنصات لها فتغيب فأقع مغشيا علي. أوليس الجبل أقوى و أصلب من رأسي ؟ مع ذلك قال تعالى في حقه:-"لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله" صدق الله العظيم..