لمناسبة حديثٍ تلفازيٍّ مع محطَّة "الجزيرة"، أنجزَت "دار نعمان للثقافة" موضوعًا شبه كاملٍ حول جوائز ناجي نعمان الأدبيَّة المختلِفَة، وسلسلة "الثَّقافة بالمجَّان" التي أنشأها ناجي نعمان، وأفكار عديدة له في مجال الثَّقافة والمثقَّفين، والنَّشر والنَّاشرين. ونظرا لأهمية الموضوع والقضايا الثقافية التي يثيرها، تعمل "طنجة الأدبية"- وبطلب من "دار نعمان للثقافة"- على نشر هذا الحوار وتعميمه للقراء والمهتمين. ناجي نعمان: * "مجنون الثَّقافة بالمجَّان" يُصدرُ "النَّاجيَّات" في 35 لغةً. * سقوطُ أحد المصارف تركَني وفي الجيب خمسةٌ وثلاثون فقط من عملة العمّ سام. * قد يستغربُ الجميعُ إنْ قُلتُ إنَّني لا أقرأُ الكتبَ! بيدَ أنَّ تلك هي الحقيقة. * "إنْ أنتَ أردتَ أن تُبدِعَ في كتابةٍ أو رسمٍ أو لَحن، فلا تقرأ، أو تشهَد، أو تسمَع، بل دَعِ الطَّبيعةَ تتفاعلُ فيك، وأقدِم". * "الكلُّ يَشْعُر، وما من شاعِر، بل مُحاوِل". * لا مُثَقَّفَ في المُطلَق، عربيًّا كان أم أعجميًّا، بل أناسٌ يتميَّزون في نواحٍ معيَّنةٍ من المعرفة. * على الكتاب أن يُماشي العصرَ والتَّطوُّر. * لا مجالَ للمقارنة بين النَّشر في العالم العربي والعالم المتطوِّر، فما هو بَلِيَّةُ الإبداع والمُبدِعين في الأوَّل، نِعمةٌ في الثَّاني. * اتِّجاهاتُ النَّشر تُنذرُ بأوخم العواقِب. - قد تكونُ "دار نعمان للثقافة" دارَ النَّشر الوحيدة في العالم التي حوَّلَها صاحبُها، ناجي نعمان، وفي أقسى الظُّروف العامَّة والخاصَّة، من دارٍ عاديَّةٍ تسعى للرّبح فتنشُرُ ما يَدُرّ، أيًّا كان مُستوى العمل المُقَدَّم إلى القارئ، إلى دار ثقافةٍ تُعنى بنَشر الإبداعِ، رَفعًا لمَداميك البنيان الإنسانيّ، وبالمَجَّان. نعم، بالمجَّان، من دون أيِّ عَونٍ من أيِّ جهة، وإلى درجة الاستِدانَة للاستمرار.فما جديدُ ناجي نعمان، ذاك الذي أُطلقَ عليه لقبُ "مجنون الثَّقافة بالمَجَّان"، وهو فَرِحٌ بلَقَبه!؟ - ما زالَت دارُ نعمان للثَّقافة، إلى اليوم، وعلى عتبة ذكرى ثلاثين عامًا على تأسيسها، تسعى لمتابعةُ نَهجَها في تقديم الجديد والمُمَيَّز من الأعمال، إلى جانب النُّصح والمساعدة الفنِّيَّة لكلِّ مَن يَطْرُقُ بابَها؛ وهي تستعدُّ للانتقال إلى مكاتبَ جديدة، حيث سيتمُّ افتتاحُ "صالة متري وأنجِليك نعمان الاستِعاديَّة" التي بدأتُ العملَ عليها في حياة الوالِدَين، وستُنجَزُ قريبًا لاستِعادة حياة مَن نذرَ عمرَه للقَلَم ومَن قدَّمَت سِنيها لهناء أسرتها. كما سيتمُّ إطلاقُ "لقاء الأربعاء الأدبيّ" الذي أعلنتُ عنه العامَ الفائت، وذلك كلَّ ثالث أربعاء من الشَّهر، حيثُ سأكونُ المُضيف، وفاديا فرح كارليتش المديرة. هذا، وكما فَتَحْتُ مخازنَ الدَّار، عام 1999، أمامَ كلِّ راغبٍ في اقتناء مجموعاتٍ من الكتب المختلِفة، بالمجَّان، وذلك في الذِّكرى العِشرين لإنشاء الدَّار، والذِّكرى الخامسة لغياب عَميدها، متري نعمان، ولمناسبة إقامة بيروت عاصمةً ثقافيَّةً عربيَّة، فتَمَّ توزيعُ حوالى ثلاثمئة مجموعة من الكتب- سأقومُ بالأمر نفسه في العام المُقبِل، 2009، حين ستعودُ بيروتُ عاصمةً ثقافيَّةً عربيَّة. وحول سلسلة "الثَّقافة بالمجَّان"، قال ناجي نعمان: أطلقتُ، عامَ 1991، سلسلةَ "الثَّقافة بالمجَّان"، وهي سلسلةٌ أَرَدْتُ من خلالها الاعتناءَ بنَشر كتبٍ شعريَّةٍ وأدبيَّةٍ يَجْري توزيعُها بالمَجَّان، وذلك في خطوةٍ منِّي لتشجيع إصدار هذا النَّوع من الكتب، ولِتَعودَ الدَّارُ إلى طريق الآداب، ودائمًا إلى ما أَرادَتْ أنْ تَكونَه: دارُ ثقافة، لا دارَ تجارة. كثيرون يسألون أنْ ما الهدفُ من ذلك؟ ويقصدون ما الخَلفيَّات؟ وإنِّي أطمئنُهم أنْ لا خَلفيَّات، فيما الهدفُ من السِّلسلة تشجيعُ المُبدِعين على إصدار كتبهم الأدبيَّة ذات الإقبال الضَّعيف بعامَّة، وتوزيعُ تلك الكتب بالمجَّان على أكبر عددٍ ممكنٍ من القرَّاء، بقَصد إفادة هؤلاء، لا أكثر ولا أقلّ. كما أطمئنُ أنْ ما مِن جهةٍ أو مؤسَّسةٍ أو أفرادٍ يُقَدِّمون أيَّ مساعدةٍ لي في هذا الخصوص. والمُقَرَّبون منِّي يُدْرِكون كيف أنَّ سقوطَ أحد المصارف، في عام إطلاق السِّلسلة المجَّانيَّة بالذَّات، تركَني وفي الجيب خمسةٌ وثلاثون فقط من عملة العمّ سام؛ لكنَّني قبلتُ تحدِّي القَدَر، واستمرَرتُ في ما دُعيَ "جنوناً" لديّ. وقد أوصلَني دعمُ تلك السِّلسلة، إلى إضاعة نَصيبي في بيتي الوالِديّ، لا بل إلى الاستِدانة من بعض الأقارب في وقتٍ لاحِق، بالإضافة إلى بذل آلاف السَّاعات من العمل بلا مُقابِل، وكلُّ ذلك على حساب أفراد أسرتي المباشرة! وأمَّا اليوم، فمن كلِّ عشرة كتبٍ تُصدرُها الدَّار، ثمَّةَ ما بين سبعة إلى ثمانية كتب تندرجُ ضمن سلسلة "الثقافة بالمجَّان"، وقد أسعى قريبًا لتحويل الدَّار مؤسَّسةً ثقافيَّةً لا تبغي الرِّبح، مختلِفةَ الأنشِطَة. - وجوائزُك الأدبيَّة الهادِفَة، ما الفارقُ بينها وبين جوائزك الأدبيَّة السَّابقة؟ - أنشأتُ جوائزي الأولى عامَ 2002، وهي تَهْدُفُ إلى تشجيع نَشر الأعمال الأدبيَّة على نطاقٍ عالميّ، وعلى أساس إِعتاقِ هذه الأعمال من قُيود الشَّكل والمَضمون، والارتقاءِ بها فِكرًا وأسلوبًا، وتوجيهِها لما فيه خَيرُ البشريَّة ورَفعِ مستوى أنسَنَتها. فتلك الجوائز، لجهة الشَّكل، مُشَرَّعةٌ أمام أرباب القَلَم في جميع المجالات الأدبيَّة من فِكرٍ وشِعرٍ وقِصَّة وغيرها، ودونَما اعتبارٍ لسنِّ صاحبها أو جنسيَّته أو مركزه الأدبيِّ أو اللُّغة الَّتي يَكْتُبُ بها، أَكانَتْ عربيَّةً فُصحى، أم عامِّيَّة، أم أجنبيَّة. وهي، لجهة المَضمون، مُخَصَّصَةٌ لِمَن يَتَخَطَّى تَردادَ ما هو مَنقولٌ أصلاً إلى ما هو مُستَقبليٌّ فكرةً وصياغةً، ولِمَن يَتَحَدَّى القيودَ، أيّاً كانَتْ، من أجل إنسانٍ أفضل ومحيطٍ أصَحّ. كما أنَّ الجوائزَ تَتَلَمَّسُ الارتِقاءَ بالأدب، ليس فقط باعتماد أساليب مُستَحدَثَة، بل، أيضاً، بالتَّفتيش عن الأفكار الجديدة، وتوثيقها كتابةً، في سعيٍ دؤوبٍ لما فيه هناء الإنسانيَّة. والجوائزُ، إلى هذا، غير مُحَدَّدَة العدد، وتَجْعَلُ الفائزين بها أعضاءً فَخريِّين في "دار نعمان للثَّقافة"، وتُخَوِّلُهم، وَفق شروطٍ معيَّنَة، نَشرَ مؤلَّفاتهم في السِّلسلة المجَّانيَّة الصَّادِرَة عنها. ويُطلَبُ من المؤلِّف، هنا، الإسهامُ بنسبةٍ لا تزيدُ على الثَّلاثين في المئة من نفقات كتابه الإجماليَّة، وذلك من أجل توزيع المبالغ المخصَّصّة للجائزة على أكبر عددٍ من المؤلِّفين، وبالتَّالي، إفادة القرَّاء من أكبر عددٍ من الكتب المجَّانيَّة. وأمَّا جوائزي الهادِفَة فأطلقتُها عامَ 2007، وذلك لمناسبة الذِّكرى الخامسة والعشرين لغياب المتروپوليت نقولاَّوس نعمان؛ وهي، على التَّوالي: - جائزة المتروپوليت نقولاَّوس نعمان للفَضائل الإنسانيَّة. - جائزة الأديب متري نعمان للدِّفاع عن اللُّغة العربيَّة وتطويرها. - جائزة أنجليك باشا لتَمتين الرَّوابط الأُسريَّة. - جائزة ماري-لويز الهوا لأدب الأطفال الأخلاقيّ. وهذه الجوائز، على العكس من جوائزي السَّابقة، هادِفَةٌ لجهة المواضيع، ومَحصورةٌ بأبناء الضَّاد وبناتها. كما أنَّ عددَ الفائزين بها محدَّدٌ بشخصٍ واحدٍ سنويًّا عن كلِّ فئة، فيما قوامُ الجائزة طباعةُ المخطوط الفائز في سلسلة "الثَّقافة بالمجَّان"، من دون أيِّ إسهامٍ من قبله، واكتِسابُ الفائز عضويَّةَ دار نعمان للثقافة. وقد صدرت للفائزين بهذه الجوائز مؤخَّرًا الكتبُ الآتِيَة: - "من مذكِّرات طِفل الحرب" لوفاء عبد الرَّزَّاق، الشَّاعرة العراقيَّة المُقيمة في لندن. - "القصورُ اللُّغويُّ أسبابًا وحاجات"، للفَقيه الدّكتور ميشال كعدي، من لبنان. - "ثلاث وثلاثون وردةً من شهيدٍ إلى أمِّه"، للأديبة السُّوريَّة ليلى مقدسي. - "عصافيرُ الطُّفولة"، للشَّاعر المغربيّ مصطفى مَلَح. - هلاَّ تُعطينا بعض أسماء الفائزين بجوائزك من المغاربة؟ - الفائزون والفائزات بجوائزي كثرٌ وكثيرات، ومن أربعة أصقاع العالم. وأخافُ، إنْ أنا سمَّيتُ البعض، ولاسيَّما من المغرب العربيّ، أن أنتقصَ من البعض الآخر. يكفيني أن أقولَ إنِّي فخورٌ بالمغاربة والمغاربيَّات، الفائزين والفائزات بجوائزي، وهم الأكثر عددًا بين الفائزين والفائزات بجوائزي، ومن بعيد! ومن الأفضَل أدبًا! وأمَّا لجهة الأعاجم، فتحضرُني أسماء من مِثل مون شنغ-هي، أستاذة الجَماليَّة الشِّعريَّة بجامعة سيول في كوريا الجنوبيَّة؛ وجورج غريغوري، ناقلُ القرآن الكريم إلى الرُّومانيَّة؛ ورُنِه فِرِّر الأديبة الباراغوانيَّة المُرَشَّحة لجائزة نوبِل للآداب لهذا العام، والتي نشرتِ الدَّارُ لها مؤخَّرًا من ضمن سلسلة "الثَّقافة بالمجَّان" كتابَ "من قلب الغابة المُلتَهِب"، ترجمة الآنسة مرسال الأشقر؛ كما أذكر فالِريو بوتولِشكو، السِّياسيَّ والأديبَ الرُّومانيّ، الشَّهيرَ بحِكَمه التي نقلَتها له الدَّار، ووزَّعتها بالمجَّان، في ثلاث كتب: أوَّلهما بالعربيَّة، وثانيهما بالأرمنيَّة، وثالثهما بالإيرانيَّة. - ألحظُ أنَّ "دار نعمان للثقافة" لا تكتفي بالنَّشر بالعربيَّة. - إنَّ هذا لأمرٌ طبيعيّ، فالمُتقَدِّمون إلى الجوائز يأتون من مختلِف دول العالم، ويُطلبُ منهم تقديمُ أعمالهم بلغاتهم الأصليَّة، مع ترجمةٍ أو تلخيصٍ للأعمال التي لا تكونُ بالعربيَّة أو الفرنسيَّة أو الإنكليزيَّة أو الإسبانيَّة. وعندما يُصارُ إلى نشر أعمالهم الفائزة في كتاب الجوائز أو من ضمن سلسلة "الثقافة بالمجَّان"، يأتي هذا النَّشرُ بلغاتٍ مختلفة لم أُحصِها بعد، ولكنَّها قد تصلُ إلى الأربعين، ومنها ما هو نادرٌ على نحوٍ مُذهِل. وستصدرُ لي قريبًا طبعةٌ جديدةٌ من "النَّاجيَّات"، في مجلَّدٍ هذه المرَّة، وفي 35 لغةً على الأقلّ، والتَّرجماتُ، جميعُها، مُقَدَّمةٌ من أرباب القَلَم. هذا، علمًا بأنَّ جميع الكتب الأدبيَّة يُشارُ إلى نشرها، مجَّانًا بطبيعة الحال، على موقع الدَّار الإلكترونيّ التَّالي: www.naamanculture.com. وسيتحوَّلُ هذا الموقعُ قريبًا شبهَ نادٍ يتبادلُ فيه الأدباءُ الآراءَ ويتساعدون لنَشر أعمالهم في لغات العالم كافَّةً. - "لا فَضلَ لمَن يُعطي من فَضَلاته" مَقولةٌ شهيرةٌ لك. - لَطالما عَرَّفْتُ نَفسي في مراسلاتي، صغيرًا، أنَّني "إنسانٌ من هذا العالم" يَطْمَحُ إلى "وَضع الكُتُب المَجَّانيَّة". وما زِلْتُ في فكرة المَجَّانيَّة تلك إلى أنْ تَسَلَّمْت فَتِيًّا، بين 1978 و1979، إدارةَ "المَنشورات العربيَّة" الَّتي كانَ يُشْرِفُ عليها، بين مدينتَي لِيون الفرنسيَّة وبيروت اللُّبنانيَّة، الأبُ بول كورون اليسوعيّ، ذاك الَّذي سُحِرَ بالشَّرق، وبكلِّ ما فيه، وصولاً إلى ال "بابا غَنُّوج"، الطَّبَقِ المُفَضَّل لديه. وكانَتِ "المَنشوراتُ العربيَّة" تُعْنى بنَشر روائع الأدب الفرنسيّ، إلى الكتب المعاصِرَة في الإنسانيَّات والعلوم، بالعربيَّة، وتُوَزِّعُها بأسعارٍ معقولةٍ جدًّا، ولاسيَّما أنَّها كانَتْ مَدعومةً من بعض المؤسَّسات الفرنسيَّة واللُّبنانيَّة، كما من دائرة العلائق الثَّقافيَّة في وزارة الخارجيَّة الفرنسيَّة، وقد كانَ لي، فيها، أوَّلُ ترجماتي المَطبوعة "الدُّولاراتُ الأورُبِّيَّة"، عام 1978. وما زالَ الحُلُم إلى أنْ قامَتْ دار نعمان للثَّقافة، عامَ 1979، وكان لي فيها، في العام عَينه، أوَّلُ مؤلَّفاتي المَطبوعة والمَنشورة: "خمس وعشرون". وقد قُمْتُ بتوزيع نُسَخٍ من الكتاب على جميع معارِفي بحيثُ أنَّه، عندما أُعيدَتْ إليَّ النُّسخُ الموزَّعة على المكتبات، وأُحصِيَ ما بيعَ منها، جاءَ مَحدودًا. وإذْ أَدْرَكَ الموزِّعُ ما قُمْتُ به قال لي: "إنْ أنتَ أَهْدَيْتَ جميعَ معارفك، فلِمَن ستَبيع؟ ولِمَ دارُ النَّشر؟" لقد كانَ مُحِقًّا لو أنَّ الدَّارَ كانَتْ دارَ نَشرٍ ممَّا هو مُتعارَفٌ عليه. ولكنَّها دارُ ثقافة، والثَّقافةُ، في عُرفي، لا تُباعُ ولا تُشْرى. ولكن، كيف الاستمرارُ في دارٍ من المَفروض أنْ تُعيلَ صاحبَها وعائلتَه، إذا كانَ صاحبُها لا يَوَدُّ التِّجارةَ بالأدَب، ولا يَسعى لدَعم المؤسَّسات له، لا بل يَرْفُضُ مثل هذا الدَّعم حِفاظاً على استقلاليَّة داره وحرِّيَّتها؟ تلك بَقِيَتِ المَسألة. وأمَّا النَّتيجةُ فلا يختلفُ عليها اثنان: "حَرقُ أعصاب" و"نَفضُ جَيب" واستِدانة. وبَعدُ، يَبْقى الهدفُ أنْ يَتَلَمَّسَ المَرءُ الدَّربَ المؤدِّيَةَ إلى مسيرة الإنسان الطَّويلة نحو معرفة النَّفس البشريَّة وسعادتها. ولَطالَما رَدَّدتُ أنْ لا فَضْلَ لمَن يُعطي من فَضَلاته، بمعنَى أنَّ مَن يُعطي قليلاً من كثيرٍ لا فضلَ يُذكرُ له، فيما مَن يُعطي الكثيرَ من القليل هو صاحبُ الفضل الأكبر. أفلا أَتْبَعُ ما أَقول؟ - ما أهمُّ كتابٍ قرأتَه مؤخَّراً، وما الذي أعجبَك فيه؟ - قد يستغربُ الجميعُ إنْ قُلتُ إنَّني لا أقرأُ الكتبَ! بيدَ أنَّ تلك هي الحقيقة. كتبتُ عام 1986، وتحت عنوان "إبداع"، الآتي: "إنْ أنتَ أردتَ أن تُبدِعَ في كتابةٍ أو رسمٍ أو لَحن، فلا تقرأ، أو تشهَد، أو تسمَع، بل دَعِ الطَّبيعةَ تتفاعلُ فيك، وأقدِم (من كتاب "الرَّسائل"). وهذا ما أسيرُ عليه طمعًا في الإبداع. أعرفُ كثيرين ممَّن، لكثرة قراءاتهم، يخشَون الكتابةَ حتَّى لا يُقلِّدوا فيها زيدًا أو عمرًا، أو حتَّى لا يُرَدِّدوا ما قالَه فلانٌ أو فلان. كما أعرفُ البعضَ ممَّن لا يتورَّعون من سرقة كتاباتِ غيرهم، طمعًا في أن يُقالَ عنهم شُعراء أو أدباء. يا لَلكارثة! أُناسٌ يخافون الكتابة لكثرة قراءاتهم، وآخرون، لطمَعهم في لقبٍ جديد، يُقدمون على أشنع عملٍ ممكن. فلهؤلاء وأولئك أقول: الأدبُ، على أنواعه، لا يُلَقَّن؛ ولَئِن كانتِ القراءاتُ تَصقُلُ أصحابَه مع الوقت، فإنَّها ليستِ العنصرَ الأساسَ فيه، ولاسيَّما لِمَن أرادَ الإبداع. أقولُ هذا، وأُضيف: إنَّ يومي يبدأُ في القراءة وينتهي بها، فأنا، إلى كوني أكتب، ناشرٌ ومانحُ جوائزَ أدبيَّة، ومن واجبي، أن أقرأَ الكثيرَ الكثير. وعليه، لا مجالَ لي، كيما أرتاحَ من القراءة والكتابة، أن أقرأَ مجدَّدًا! - ما أهمُّ حَدَثٍ ثقافيٍّ شاركتَ فيه أو تابعتَه؟ - إنَّ ما يصحُّ في السُّؤال السَّابق، بالنِّسبة إليّ، يصحُّ في السُّؤال الحالي؛ فقليلاً ما أُشاركُ في ما يُدعى "تظاهرات ثقافيَّة"، إنْ في لبنان أو في الخارج. ذلك أنَّ معظمَ التَّظاهرات الثَّقافيَّة تكونُ واجهةً للتَّرويج لأمرٍ ما، أو لأديبٍ يُرغَبُ في تسويقه، تمامًا كما يُسَوَّقُ معظمُ فنَّاني أيَّامنا الحاضرة. جَرى أن شاركتُ في أحد المهرجانات الشِّعريَّة العالميَّة بعد إلحاحٍ من الجهة المنَظِّمَة دامَ عامَين. كان ذلك في رومانيا عامَ 2002، وقد رجعتُ من هناك حاملاً "الجائزة العالميَّة الكبرى للشِّعر"، فكُنتُ أوَّلَ لبنانيٍّ وعربيٍّ ينالُ تلك الجائزة. وقد ألقيتُ للمناسبة كلمةً أمام الجمهور ورجال الإعلام والشُّعراء المُشاركين في المِهرجان وأعضاء الإدارة المُنَظِّمَة له، كما أمام وسائل الإعلام المختلِفَة، من مَكتوبة ومَسموعة ومَرئيَّة، شَدَّدْتُ فيها على ما لَطالما رَدَّدْت: "الكلُّ يَشْعُر، وما من شاعِر، بل مُحاوِل"، فالشَّاعِرُ الشَّاعِر، بالنِّسبة إليَّ، حدثٌ هامٌّ هامّ، ونادرٌ نادر، لدرجة اللاَّوجود. ولَئِن لَقِيَ قولي هذا استِحسانَ الجمهور ورجال الإعلام، فكانَ هُتافٌ وتصفيق، فقد أَزْعَجَ بعضَ الشُّعراء المُشاركين في المِهرجان، إلى المُنظِّمين. - هل أنت مطمئنٌّ إلى الحصاد الثَّقافيّ في لبنان؟ - لَئِن اقترنَ اسمُ لبنانَ بالعديد من الصِّفات، بعضُها جيِّد، وبعضُها الآخَرُ سيِّئ، فإنَّ الثَّقافةَ في لبنان، على الصَّعيد الفرديّ، ما زالت في خَير، وإنَّما في الحَدِّ الأدنى؛ عِلمًا أنَّ من شأن الثَّقافة- وَحدَها- أنْ تُغطِّي، على نحوٍ أو على آخَر، الصِّيتَ السَّيِّئَ الذي أوصلنا إليه، ويوصلُنا، سياسيُّو "آخر زمن". أقولُها، وأُشدِّدُ عليها: الثَّقافةُ في لبنان في شبه خَير، إذا ما اعتبرنا أنَّ الكثيرَ من الأفراد ما زالوا ينشرون أعمالَهم، الجيِّدَ منها، والعاديّ، وحتَّى، الرَّديء، من دون أن يواجهوا النَّقدَ لغِياب النُّقَّاد المُمتَهِنين وكثرة المُتَعَدِّين على النَّقد من المُسَيَّرين. ثمَّ إنَّ اتِّجاهَ النَّشر إلى البسيط من الكتب (فلك، طَهي، فضائح)، والمجلاَّت إلى التَّافه من الاجتماعيَّات، في شبه غيابٍ للكتب الأدبيَّة والمجلاَّت المتخَصِّصَة، لأمرٌ يُنذرُ بأعظم العَواقِب على الصَّعيد الثَّقافيّ. وأمَّا على الصَّعيد العامّ، فإنَّ وزارةَ الثَّقافة اللُّبنانيَّة مُغَيَّبَة، لا لعدم إرادة المسؤولين فيها بتَحريك الأمور، بل لأنَّ موازنتها قد لا تتعدَّى ميزانيَّةَ دار نشرٍ متوسِّطة الحجم في الخارج. ثمَّ إنَّ عداوةَ "الكار" (أي المهنة) بين "أصحاب القلم" غريبةٌ عجيبة، فلا تجد كاتبَين أو شاعرَين مُتَّفِقَين، ولو على أمرٍ واحد؛ وإنْ حدَثَ ووَجدتَ مثلَهما، فيكونُ ذلك إلى حين، وعلى أساس "تَبخير" أحدهما الآخَر، وبالعكس، كيما يَشتهِرا، كما يَظُنَّان، معًا. الحسدُ يتآكلُ غالبيَّة أدباء لبنان، وقلَّما يفرحُ واحدُهم لنَجاح الآخَر. - هل من أزمة مثقَّف في العالم العربيّ؟ - ألثَّقافةُ يَمٌّ من المعارف المتنَوِّعة تُكَلِّلُها، لا بل وتَتَقَدَّمُها، رجاحةٌ في العقل ورَزانة، ويُرافِقُها حُسنٌ في انتِقاء ما يُخَزَّن من تلك المعارف، وما يُهْمَل، ويَليها سَعيٌ دؤوبٌ للتَّجديد والتَّطوير. لا يَكْفي الإنسانَ، إذاً، كَمٌّ من المعلومات ليكونَ مُثَقَّفًا، كما أنَّه، في رأيي المُتَواضِع، لا مُثَقَّفَ في المُطلَق، عربيًّا كان أم أعجميًّا، بل أناسٌ يتميَّزون في نواحٍ معيَّنةٍ من المعرفة. وأمَّا أزمةُ مَن يُدْعَون بمُثَقَّفي العرب، أو مَن يَدَّعون لأنفسهم تلك الصِّفة، فهي في أنَّهم لا يَلزَمون حدودَ معلوماتهم، ويتجاوزونها كما لَو أنَّهم أَدْرَكوا المعرفةَ الكُلِّيَّة. إلى هذا، فإنَّ معظم أصحاب تلك الصِّفة إمَّا يُرَدِّدون ما هو، في الأصل، مُرَدَّد، وإمَّا يُجَمِّلون ما يُطلَبُ منهم تَبريرُه سعيًا لمالٍ أو لمنصب، وإمَّا يُعارضون سَعيًا للشُّهرة، وغالبيَّتهم تهتمُّ، أكثرَ ما تهتَمّ، بالتَّنافُس المَحموم الذي تَحكمُه أساليبُ الإلغاء وعدم الاعتراف بالآخر. قلَّةٌ فقط ممَّا اتُّفِقَ على تسميتهم ب "المُثَقَّفين" فاعِلَة، ولاسيَّما في مضمار الكتابة، ولكن، أين مَن يَقْرَأ، وأين مَن يَتَّعَظ؟ ولمِثل هذه القِلَّة كَتَبْتُ منذ عام 1979: "لولا أنتِ، يا قِلَّةً من بَشَرٍ تَنْضَحُ جِباهُهم عَرَقًا يَسْقي الأرضَ فتُنْبِتُ خَيرًا للجَميع، وفي أعيُنهم عَزمٌ يُحَقِّقُ المُستَحيل، وعلى شِفاهِهم يَنمو الطُّهرُ والبَراءَة؛ لولا أنتِ، لأَجْدَبَتِ الأرضُ، وانْهَزَمَ الإيمانُ، وغاضَتِ الإنسانيَّة". - ماذا عن المثقَّفين الشُّموليِّين؟ - رحمَ اللَّهُ آباءَ الحكمة الإغريق، وزملاءَهم في بقيَّة العالم القديم، حيث كانَ مجموعُ العلوم والآداب والفلسفة يُمكنُ حصرُه، على نحوٍ أم على آخر، في شخصٍ ما ذي ذكاءٍ حادٍّ ومعرفةٍ واسعة. وأمَّا اليومَ فالزَّمنُ للتَّخصُّص، وللتَّخصُّص وحدَه. وفي عُرفي أنَّ أيَّ طالبٍ ثانويٍّ قد يبزَّ سقراطَ في عِلمٍ ما على الأقلّ، وقد يبزُّه مُتَفَوِّقٌ في جميع العلوم، بما في ذلك الفلسفة! وأمَّا مُدَّعو المعرفة الشَّاملة، اليومَ، وسطَ وسائل إعلامنا، ولاسيَّما المَرئيَّة منها، وبعضُها لا يخضعُ لأيِّ رقابةٍ لجهة نوعيَّة ما يُقَدَّم من برامج، أقول، وأمَّا مُدَّعو المعرفة الشَّامِلَة، اليومَ، فمن بينهم نرجسيُّون، وحَكواتيُّون، ومهرِّجون فاشلون. إنَّهم نرجسيُّون، إذ يُسَوِّقون لأنفسهم ألقابًا، جلَّها مُختَرَع، لا وجودَ لها سوى في نفسيَّاتهم المريضة، ويزعمون مواقفَ لا وجودَ لها و/أو انتقلَ مَن سيُكذِّبُهم في شأنها إلى دُنيا الحقّ. وهم حكواتيُّون، ففي أيِّ موضوعٍ يُسألون، يأتي جوابُهم من ضمن اختصاصٍ لم يُتقِنوه أصلاً. وهم مُهَرِّجون، إذ يحسبون جميع المُستَمِعين جَهَلَة، وأنَّ كلامَهم يمرُّ على الجميع، كيفما اتَّفَق؛ لا بل يستخفُّون بهؤلاء، فلا يُهَيِّئون للموضوع الذي يجري نقاشُه، وتأتي إجاباتُهم على الأسئلة تمجيدًا لذاتهم، و"بكلِّ تواضع". - أنتَ توزِّعُ الجوائز الأدبيَّة، فهل تعتبرُ تلك الجوائز تفوُّقاً للأديب؟ - بالطَّبع هي كذلك، وبالطَّبع ليست كذلك. فالجائزةُ الصَّادرةُ عن جهةٍ قادرةٍ أدبيًّا، لا عن جهةٍ مُخَوَّلَةٍ بذلك فقط، والمَمنوحةُ مُستَحقِّيها من دون أيِّ مواربةٍ أو مُسايرةٍ لظروفٍ سياسيَّة أو شخصيَّة، وما شابَه، هي جائزةٌ تُتَوِّجُ عملَ كلِّ أديب. وأمَّا الجوائزُ التي تَأْتي عكسَ ذلك فهي جوائزُ خاليةٌ من أيِّ قيمة، إنْ غَشَّتْ حامِلَها وبعضًا من النَّاس، فإنِّها لا تَغُشُّ مانحَها وبعضَ النَّاس الآخر. ثمَّ إنَّ من شأن الجوائز أن تنشِّطَ حامليها، وتدعوهم إلى مَزيدٍ من العطاء والتَّقدُّم، لا إلى الاكتفاء بما وصلوا إليه، والغرور. - أأنتَ متفائلٌ بالمُستَقبل، أم متشائم؟ - إنَّ مَن يَنْظُرُ في حال الدُّنيا، اليومَ، وفي حال ناسِها، لا بُدَّ مُتَشائِم. وكيف لا، والبَشَرُ يَسعَوْن لهلاكهم عبر المادَّة التي أَعْمَتْ بصائرَهم والأنا الَّتي تَتَآكَلُهم. لكنَّني بطَبعي مُتفائل، وأَدْعو الجميعَ إلى التَّفاؤل. ثمِّ إنِّي مؤمنٌ بالإنسان وبالخَير الَّذي نَمَّاه عبرَ إرثٍ تَناقَلَه وصَقَلَه، أباً عن جَد، وجيلاً بعد جيل. وأمَّا السَّبيلُ إلى هناء البَشَر، عندي، فبغَيْرِيَّتهم يَكون، وبتَعاضُدهم، لا بما هم سائِرون إليه حاليًّا. وإنْ أُريدَ لهذا الكَون أنْ يَسْتَمِرّ، وللنَّاس أنْ يَسْعَدوا، فلْنَتْرُكِ الحُكمَ للشُّعراء الشُّعراء، والحُكماء الحُكماء، فهم، وحدَهم، بخَيالهم الجامِح، وفِكرهم النَّيِّر، يَسْتَطيعون إنقاذَ الكَون ممَّا هو فيه. - ماذا عن أزمة توزيع الكتاب العربيّ؟ - أزمةُ توزيع الكتاب العربيِّ قديمةٌ جديدةٌ لن تَحُلَّها إلاَّ شركاتُ توزيعٍ على مستوى العالم العربيِّ تُحَوِّلُ المكتبات الَّتي لا تَحْمِلُ من الصِّفة سوى الإسم، فتبيعُ كلَّ شيءٍ في ما عَدا الكُتُب، أَقولُ تُحَوِّلُ المكتبات مخازنَ كبرى لمَبيع الكُتُب أوَّلاً، فما إليها ثانيًا. ومن النَّافل القَولُ إنَّه، لقِيام مثل شركات التَّوزيع تلك، على الأنظمة المُتَعَلِّقة بتَخطِّي الكُتُب حدودَها المحلِّيَّة أن تُسَهَّلَ إلى أقصى الحدود. كما أنَّ على أثرياء العرب أنْ يَهِبُّوا، من دون أيِّ قَيدٍ أو شَرْطٍ منهم يَحُدُّ من حُرِّيَّة الأنشِطَة الثَّقافيَّة، لدَعم بعض دور النَّشر التي تَعْمَلُ في مجال الإبداع فعلاً، لا شكلاً أو قولاً، بحيث تَتَخَطَّى هذه الدُّور حواجزَ الخِشيَة الماديَّة للانطلاق بعيدًا في ما تسعى له، على ألاَّ يَكونَ دَعمُهم هذا مَشروطًا. - (وماذا عن) إمكان قضاء الفَضائيَّات على الكتاب؟ - الفَضائيَّاتُ، والمُبَرمَجات (الكمبيوتر)، وسائلُ اتِّصالٍ ونقلِ معلوماتٍ مُستَحدَثَةٍ ودائمة التَّطوُّر، ويُخْشى منها كثيرًا على الكتاب. بَيدَ أنَّها لن تَقْضي عليه أو على لذَّة قلب صفحاته وشَمِّ عِطر حِبره، تمامًا كما لم يَقْضِ التِّلفازُ على الإذاعة، والإذاعةُ على الصِّحافة المَقروءة، والصِّحافةُ المَقروءةُ على ما يتناقلُه النَّاسُ، وبه يتَنَدَّرون. على أنَّ هذا لا يَعْني أنَّ على الكتاب أنْ يَنامَ على أمجاده. العكسُ هو الصَّحيح: على الكتاب أن يُماشي العصرَ والتَّطوُّرَ ويَسْتَمِرَّ في اعتماد كلِّ جديدٍ في فنِّ الطِّباعة وصناعتها، ولِمَ لا، التَّوفيق بين ما يُطبَعُ على ورق وما يُقرَأُ من على شاشات المُبرمجات. - (ما هي) الصُّعوبات التي تواجه النَّاشِر العربيّ؟ النَّاشرُ العربيُّ المُبدِعُ السَّاعي لزيادة مِدماكٍ في صَرْح الحضارة العربيَّة والعالميَّة مسكينٌ مسكين، تَقِفُ في وجهه صعوباتٌ جمَّة، أوَّلُها مادِّي، وآخرُها جغرافيّ، إلى نسبةٍ مرتفعةٍ من الأمِّيِّة، وأخرى، مرتفعةٍ أيضًا، من الفَقر، على مستوى العالم العربيِّ ككلّ. فالعربُ، وهم ثلاثمئة مليون بشريٍّ حاليًّا، وسيَصلون إلى نصف المليار خلال عقودٍ قليلة، إمَّا أمِّيُّون وفقراء، ولا مَلامَةَ عليهم إن هم لم يَقْرَأوا، وإمَّا أغنياء، مَشغولون عن القراءة بأمورٍ عديدة. وأمَّا في أورُبَّا، ولاسيَّما غربيَّها، وأمريكا الشَّماليَّة وأوقيانيا واليابان وأممٍ أخرى، فالقراءةٌ عادةٌ مُتَمَكِّنَةٌ في النَّاس، لا يُعَوِّضُ عنها شيء، فيما الحرِّيَّاتُ واسعة، كتابةً وطباعة، فتوزيعاً وقراءة، والقدرةُ الشِّرائيَّةُ هامَّةٌ تمكِّنُ المواطنَ من التَّبَضُّع بالكتب بين حينٍ وآخر من دون الالتفات إلى أولويَّاتٍ معيشيَّةٍ ضروريَّةٍ أخرى، كون هذه الأولويَّات سهلةَ التَّأمين. لا مجالَ، إذًا، للمقارنة بين النَّشر في العالم العربي والعالم المتطوِّر، فما هو بَلِيَّةُ الإبداع والمُبدِعين في الأوَّل، نِعمةٌ في الثَّاني.