هيرتا مولر ، اسم سطع نجمه في سماء الأداب العالمي، حينما تقدم بيتر انجلد سكريتر أكاديمية نوبل بالسويد، للإعلان عن المتوجة بجائزة نوبل الرفيعة في الاداب للعام 2009، لم يكون إسم مولر الأديبة الألمانية الرومانية مألوفا، لتنطلق وسائل الإعلام الدولية مسلطة الضوء على هذه الشخصية المتفردة ، و المرأة الثانية عشر في سجل النساء المتوجات بنوبل . ببلدة – نيتسكيدورف - برومانيا رأت مولر النور في 17 من غشت من العام 1953 ، من أبوين ينحدران من الأقلية الرومانية الناطقة بالألمانية ، و منذ ولادتها و هي تعيش تجارب الترحال و المنفى الإضطراري تحت وقع حكم ديكتاتوري متسلط لتشاوشيسكو ، درست الأدبين الألماني و الروماني بلغتيهما ، بجامعة – بيتميشوارا- ، و بعد تخرجها عملت مولر بأحد المصانع مدة لم تتعدى العامين لتطرد منه بسرعة بعدما رفضت الإنصياع للشرطة و التعاون معها كمخبرة سيما و أنها كانت عضوة في منظمة للأدباء الشباب المعارضين لحكم تشاوشيسكو . سنة 1987 ستهاجر مولر رومانيا متجهة صوب ألمانيا بعدما وصل حد الإضطهاد بها إلى منعها من نشر أعمالها ، هذه الأعمال التي تطغى عليها تيمتين أساسيتين و تحضران بقوة في محكياتها المتعددة . عن المنفى كتبت مولر روايات من أبرزها - أرجوحة الجهاز التنفسي - ، و فيها عملت مولر على تصوير أحداث و معاناة ترحال عدد من المواطنين الرومانيين تعسفا نحو الإتحاد السوفياتي ، و كانت والدتها واحدة من هؤولاء المنفين ، نفس التيمة تحضر في روايتها المعنونة ب - حيوان القلب - ، و التي تحكي قصة فتاة ريفية فقيرة تضطر تحت تسلط أمني للقيام بهجرات مفاجأة تاركة الدراسة و الجامعة و المدينة . و عن تيمة النظام الديكتاتوري إحدى مواضع مولر الرئيسية في نتاجها السردي ، كتبت الكاتبة رواية - السهول - أولى أعمالها و التي تعمل على إلتقاط فصول حياة طفل و نظرته في ظل زمن الديكتاتورية المتوحشة ، تقول مولر عن هذه الرواية في إحدى الحوارات الصحفية - كان الموضوع المركزي في هذا الكتاب و في غيره من الكتب هو الديكتاتورية ، لم أعرف شيأ أخر لم أرى شيأ أخر ، و أنا مستمرة مع هذا الموضوع - ، و في مقطع من رواية حيوان القلب تكتب مولر – لم نكن نريد أن نهجر البلد ، لم نكن نريد أن نركب السفينة على نهر الدانوب أو طائرة أو قطار بضائع ... قال ادغار : لو ذهب الشخص الصحيح لكان بمقدور الجميع أن يبقوا في البلد ... لا أحد يصدق أن على الشخص الصحيح أن يذهب ، في كل يوم كنا نسمع شائعات عن أمراض الديكتاتور، قديمها و حديثها و لكن لم يكون أحد يصدقها كذالك رغم ذلك كان الشخص يهمس في أذن التالي ، نحن أيضا تناقلنا الشائعات ، كأنها تحتوي على فيروس الموت الزاحف الذي سيصل في النهاية حتما إلى الديكتاتور : سرطان الرئة ، سرطان الحلق ، هكذا كنا نهمس ، سرطان الامعاء ، ضمور المخ ، شلل ، سرطان الدم - . على طول مسار حافل بالعطاء المتميز ، ألفت مولر روايات أخرى ترجمت الى لغات متعددة و نالت إعجاب الكثير من المتتبعين و المختصين و منها : - الترحال على ساق واحدة - ، - الشيطان منعكسا في المرة - ، - الثعلب كان هو الصياد - ، - الملك يركع و يقتل – الرجال الشاحبون و فناجين القهوة - ، و أعمال أخرى . كما نالت جوائز تقديرية عالمية رفيعة ، منها جائزة كلايست عام 1994 ، ثم جائزة الإتحاد الأروبي للأداب بعدها بسنة ، و جائزة فرانز كافكا سنة 1999 ، فجائزة ايمباك للوكالة الدولية دبلن 1998 ، و توجت دربها الإبداعي كمتربعة على عرش نوبل لسنة 2009 . و رغم إنشغالها بالأداب و إنصرافها التام له ، و لدروبه الموزعة بين القصة و الرواية و الشعر ، لا تفتئ مولر تولي إهتماما بليغا لأوضاع بلدها الأصلي رومانيا ، فتعمل على متابعة أكثر القضايا إثارة للجدل ببلدها ، و تحرر مقالات متميزة ، بجرائد و مجالات عالمية ، لتكون بذلك مثالا واضحا عن نموذج المثقف العضوي المنخرط في صلب تحولات مجتمعه الراهنة ، تكتب تتحدث و تحلل ، تسرد و تعلق ، إنها كاتبة مبدعة ، و قطعة من قلبين ، واحد برومانيا ، و أخر بألمانيا .