[التراث العربي الاسلامي بحاجة الى مساءلة ، مساءلة قد تقع في صالحه لا ضده لكن الكثيرين يخشون من مفردة مساءلة قبل ان يعرفوا ما وراءها بل يعتقدون ان ثقافة التنوير هي نوع من انواع الالغاء ] يتمدد الارث الثقافي العربي عموما والعراقي بشكل خاص على جبال من الشعر والحداء فالعرب امة الشعر والشعر ديوان العرب وتاريخهم المتسرب الى يومنا هذا والشاخص امام ماكنة العلم والحضارة كتلميذ نجيب والذي لايريد ان يبارح مهده البارد وطفولته الاثيرة ... ارثنا الثقافي المتردد بين امسه التليد وحاضره المستقر وغده الغائم هل تراه سيتأمل صدمة الحضارة بغية استيعابها وامتصاصها ومن ثم تمثيلها ..؟ ام انه سيبقى ابد الدهر مستمعا في الصف الاول ..؟ هل بالشعر وحده تتقدم الامم ...؟ والى أي مدى يستطيع هذا الفن العتيد ان يسهم في طرد مساحة القبح داخل النفس البشرية هذه الاسئلة وغيرها وضعناها على طاولة الشاعر والناقد جمال جاسم امين رئيس تحرير مجلة البديل الثقافي ليتشكل هذا الحوار .
الشعر اعلى مراتب الجمال بوصفه وليد ذروة الخيال وغلوائه الطاغي وهو بهذا الوصف يقترب من اللاحقيقي واللاملموس واللاواقعي ، برأيك هل يستطيع هذا الضرب من ضروب الفنون الحياتية في الاسهام في كسر شوكة الموت وتعزيز انشودة الحياة خاصة في المشهد العراقي الان ؟
ج / للمشهد العراقي الان مشاكل عديدة من بينها انه لا يصغي 00 المشهد العراقي ( مأخوذ ) والمأخوذ بهذا المعنى هو من تستبد به لحظة يتوقف عندها الزمن وبالتالي فان الدقائق المتبقية والساعات تذهب عبثا ، لاشئ الا هذه اللحظة / لحظة ( الاخذ )00 هناك اكثر من عصاب في واقعنا الاجتماعي واظن انه ميدان خصب لعلماء الاجتماع لكنهم غابوا 00 صحيح ان الشعر هو اللاحقيقي واللاملموس لكنه الاقدر على صوغ الحقيقي والملموس ، هذا على افتراض ان ( الملموس ) يصغي 00 المشكلة الاكثر تعقيدا بهذا المعنى هي ان للمجتمع / أي مجتمع قيما فاعلة ومؤثرة على الارض غير ان الجمال هنا لم نتعارف عليه بوصفه ( قيمة ) 00 الجمال مهمل 00 الجمال يعمل بلا اجر كما قلت في احدى قصائدي ، وبالتالي فعلينا ان لا نطالب المهمل بدور فاعل بل علينا ان نساءل من اهمله : لماذا اهملته ؟ لذلك اظن اننا بحاجة الى بحوث سوسيوثقافية تسبق سؤال الجمالي وهذا ما ادعو له دائما ليس من باب تأجيل هذا الجمالي او ارجاءه بل من باب ايجاد سماء مضمونة لنوارسه اللامعة
لا زالت الثقافة الشرقية والعربية بشكل خاص تئن من جراحها الغرائزية والتطريبية ذات التوجهات والحمولات العاطفية 000 هل برايك هنال منفذ للخلاص من هذا الارث الثقافي النافق لتاسيس ارضية تتفق مع افاق الديناميك الحياتي الذي لا يتوقف عند حد معين 000 ؟
ج / تحدثت في احدى دراساتي عن الوعي النقدي ( الضدي ) ، وتعبير الضدي هنا للدكتور كمال ابو ديب ، بمعنى ان كل الامم عانت انكسارات شتى الا انها مارست هذا النوع من النقد ( الضدي ) اتجاه تجاربها فاستقامت 00 المشكلة هنا ان هذه الممارسة غائبة بل هناك من يمنعها 00 كثيرون يمكن وصفهم ب(حراس الهوية الجامدة ) 00 الخلاص اذن كما يطرحه سؤالكم هي ان نمر بمرحلة الفكر 00 الحياة هنا لا شأن لها بالفكر بل هي نتاج العادة والعادة تقود الى تكلس العرف وكلاهما يقودان الى التكرار لا الى الانبثاق 00 نحن هنا في الشرق عموما نخشى الانبثاق لانه يزلزل اصنام العادة مثلما نخشى الاسئلة الجادة لاننا نسكن في كهوف الاجوبة الجاهزة 00 التراث العربي الاسلامي بحاجة الى مساءلة / مساءلة قد تقع في صالحه لا ضده لكن الكثيرين يخشون من مفردة ( مساءلة ) قبل ان يعرفوا ما وراءها بل يعتقدون ان ثقافة التنوير هي نوع من انواع الالغاء 00 نحتاج الى اعادة قراءة ، ثمة مشكلة اخرى هي ان مثل هذه المراجعات يتم تداولها بين النخب بينما المجتمعات تمتلك اغلبية ساحقة من الامية الحضارية والابجدية / اغلبية يستغلها حراس الهوية بل يحرضونها احيانا ضد أي مشروع ناهض وبالتالي نجد المشكلة معقدة وهي ثقافية اجتماعية في ان واحد ترجع باسبابها العميقة الى نوع السياسات التي تحكم البلاد العربية / سياسات تريد ان تحكم لا ان ( تنمّي ) 00 مفهوم التنمية البشرية لدينا غائب ، تقودنا هذه المداخلة الى علاقة الشرق بالغرب ، الغرب الصناعي يحتاج بالضرورة الى قطيع استهلاكي هذا القطيع هو نحن ! نحن العاطلين عن اعادة ترتيب اوراقنا كي ندخل العالم بوصفنا منتجين 00 نعم الان نقف خارج سكة التطور ولكن هذا التشخيص المؤلم لا يعفينا من ان ندق جرس الكارثة بحثا عن فضاء يصغي !
بعد ربيع بغداد 2003 طرحت مشروعا ضخما موازيا لطروحات التنويريين العرب في نهاية القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين ولغاية الان وهو مشروع البديل الثقافي والذي يتحدث عن ثقافة تالفة هي نتاج لازمان من القهر والحرمان والاستلاب 000 هل ترى ان هنالك بدائل يمكن احلالها كبدائل ناجعة تطرد العملة القديمة لكي يكون المرء بمنائ عن تلك الثقافة المهلهلة التي وصفتها في اكثر من مناسبة 0000 ؟
ج / في مقدمة كتابي ( بين الثقافة والكارثة ) توصلت الى ان الكارثة منتج ثقافي( بفتح التاء ) / بمعنى انها ثقافة خاطئة تقود الى كل هذا بينما نحن نعتقد احيانا بانها حدث مادي كالحرب مثلا ذو سمة ظرفية قابلة للزوال لكن العيب في هذا الفهم الخادع يكمن في اننا لا نسال عن الفواعل الخفية لهذا الحدث ونكتفي بازالة اثاره المادية دون ان ندرك بان بقاء الفواعل حية سوف تعمل على تكرار الكارثة بعد الكارثة ، ذلك لانها تتناسل بفعل فايروساتها الناشطة 00 هذا الفهم قادني الى البحث في مفهوم البدائل فاستجدت لدي فكرة ( البديل الثقافي ) بوصفها ورشة اسئلة كما وصفتها في بيان التاسيس / اسئلة تعمل على فضح وتعطيل فواعل الكارثة ما امكننا ذلك ، الامر هنا يتعدى حدود الابداع الادبي او الفني الى فضاء الثقافة المشتبك مع سياقات محايثة اخرى كمفهوم السلطة او المؤسسة / طرق انتاج المعرفة لدينا / فضاء تداولها / موقف المثقف وازمته 00 كل هذه المفردات اعتقد انها منظومة بحاجة الى اعادة فحص وهي مشروع كما وصفتها في سؤالك 00 نعم اظنني الان بصدد مشروع اسعى الى توسيع فضائه من خلال شراكة المعنيين دون ان اتورط في احادية مفرطة في نرجسيتها لانني اعتقد ان مثل هذه الاحادية هي احدى امراضنا الثقافية والمعرفية عموما 00 الاسئلة / اية اسئلة تتوخى الاجوبة بالضرورة والاجوبة لا تكون الا نتاج الشراكة كما اعتقد ، شراكة من ؟ شراكة الفكر / الابداع / الثقافة مع محيطها السوسيوثقافي او ما نختزله احيانا بتعبير ( الواقع ) 00 نسعى الى تشكيل مثل هذه اللحمة المتفاعلة وان كانت الخطوات تسير ببطء لان الامراض هائلة وساذكر لك مثلا واحدا : الاكاديميات 00 الاكاديميات الان عاطلة ! اليس من المفترض ان تكون مسرحا لثقافة العقل والتنوير بينما هي الان تكرس امراض الشارع بدل ان تستبدلها بما هو ارقى 00 لدينا في العراق خلل بنيوي يحتاج الى معالجات جذرية ، لقد تعودنا على ثقافة ( الشعار ) وهي ثقافة حزبية تتوخى استثمار غنائم اللحظة الراهنة دون النظر الى خسارات التاريخ ، ان مثل هذه الثقافات التالفة لا تواجه الابجهد ستراتيجي والبديل الثقافي هو خطوة على هذا الطريق
ديوان الشعر العربي هو ثقافة العرب وديدنهم وشغلهم الشاغل وازمانهم الطويلة ، وامام هذا الارث المصاب بداء الفيل .. هل ترى في الافق المنظور تحولا لنقد الذات المصابة بتالق الشخصية والنرجسية الفظّة التي تدعي المعرفة بكل شئ لكي تتخلى عن هذا المقعد المتقدم في صالة السراب لمبضع النقد والتحليل وتنخرط لسماع الدرس الاول في المعرفة الحقة000 ؟
ج / اعتقد ان هذا السؤال هو تتمة لما سبق ولكن لا ضير في التوسع ، لنتحدث عن الشعر بوصفه ثقافة العرب وديوانهم الاثير 00 نعم حصل هذا عندما كان الشعر هو خطاب المعرفة الوحيد / الصوت والصدى في آن وكانت الاذن او السماع هي الوسيلة المثلى لتبادل المعرفة فنتج عن ذلك ثقافة التطريب ( الامتاع والمؤانسة ) الان علينا ان ندرك بان الزمن قد تغير وان ثقافة الصورة نقلت دفة الاهمية من الاذن الى العين 00 علينا اذن ان نجري تحديثا على اجرائياتنا ولكن كيف ؟ قلت في احدى الدراسات : نحن الان بدأنا نلامس اسوار الورطة / ورطة مطالبتنا بانجاب طفل ( التحول ) من عائلة (الثبات ) وبين هذا وذاك لا مساحة للحوار ولا حتى للمساومة ، والان اقول هذه هي المفارقة / المفارقة هي عندما نكتشف ان مجتمعاتنا غير قابلة للتحول بينما نحن نطالبها بذلك 00 هناك كسل معرفي رهيب تقابله رغبة للنوم في بهو العادة والتكرار والافضع من كل هذا اننا نضفي على هذا السكون انواعا من القداسة ، نفهم الخرافة على انها ناموس لندمغ بذلك ثقافة الاسئلة 00 نعم هنالك سلسلة من المشاريع التنويرية لكنها انقطعت وهي بهذا الانقطاع فوتت علينا فرصة التجربة التراكمية ، بالتاكيد ليس بسببها هي ذاتها بل بسبب الحاضن الاجتماعي الذي يرفض أي اطروحة للتحول يضاف الى ذلك كله الهوة الحاصلة بين الثقافة والسياسة لدينا / السياسة هنا لاتعين المعرفة على ان تتقدم بل تستثمر خذلانها لصالح غنائم مؤقتة ، في مثل هذا المناخ تصبح المشاريع سلسلة ارجاءات او وعوداً لا اكثر 00 اضع كل هذه اللوعة او المرارة لا لكي اسد الطريق بل لاقول : ان الطريق مسدود وعلينا ان نفتحه 0
الخطاب الثقافي العربي عموما مرّ بغيبوبة مريرة منذ سقوط بغداد عام 1258 م ولغاية اليوم لكنه انجب الفكر المعتزلي ومدرستي البصرة والكوفة ومحمد عبدة وعلي عبد الرزاق والطهطاوي والافغاني وفرج فودة والجابري ونصر حامد ابو زيد وادوارد سعيد وغيرهم الكثير الكثير برأيك لماذا لم يتشكل خطاب معرفي عربي خالص رغم رصانة تلك الاسماء واصالة طروحاتها لكي يسهم في تاصيل بنية الحياة العصرية وبقينا اسارى الخطاب الغربي الوافد من خارج الذات المقهورة 000 ؟
ج / للاجابة على سؤال كهذا ينبغي اثارة قضيتين : الاولى وعي التاسيس والثانية مفهوم او نظرية (المعرفة )لدينا ولتكثيف الاجابة ساعمد الى النقاط التالية : 1- ان المشاريع الفكرية والتي استعرضها السؤال عانت وما زالت تعاني انقطاعا من نوع ما بمعنى ان المقولات الكبرى لم يستتبعها وعي تأسيسي يتوالد ويستمر وبالتالي فأن كل مشروع مهما كان ناهضا او رصينا يظل وعدا غير منجز او لاوقت لانجازه بالمرة ذلك لان الوقت لدينا محجوز للغثيان مثلما السلالم محجوزة للنزول فقط ، لدي كتاب نقدي قادم يفصّل هذه المسالة بالذات ولكن لضرورات هذا الحوار اقتطع الان شيئا مما سوف افصّله ، المشاريع لدينا سلسلة ارجاءات والمشكلة الكبرى انها تواجه كتلة اجتماعية غير قابلة للتحول ولانني الان بصدد مشروع من هذا القبيل اطلقت عليه (البديل الثقافي ) تساءلت في اكثر من مرة : هل سيكون مصيره كمصير المشاريع المذكورة / المشاريع التي تموت غالبا على رفوف الاهمال ؟ وما معنى هذا التنافس او الاصرار على المواصلة اهو لاجل ان نموت على الرف الاعلى !؟ قلت علينا ان نحوّر وظيفة هذه الرفوف أي بدلا من ان تصبح (توابيت ) نجعلها جسور ، ولمفردة (جسور ) مغزاها بهذا الصدد ، والسؤال الاعمق هو هل انتجنا آلية للتحول ؟ هذا السؤال ينبغي ان نتذوّق مرارته جميعا والا فأن الانقطاع هو المصير الاوحد والذي لابديل عنه اظن ان على المثقف الان ان يلامس الواقع اكثر من أي وقت مضى وعليه ان يشعر بأن المقولات وحدها لاتكفي بل لابد من فعالية ذلك لان الحياة العصرية التي نريد ان ندخلها ورشة عمل هائلة وليست قاعة درس متلعثم ، صحيح اننا نحتاج الى انتاج الخطاب ولكن ليس الخطاب المعزول او النخبوي الذاهب باتجاه الانقطاع 0 2- لمفهوم (المعرفة) في الواقع العربي اكثر من تعقيد ، نحن للان لم ننتج نظرية معرفة واضحة ومحددة المعالم ربما بسبب النقص الهائل في الحريات ، احيانا يستفيد المفكر من هامش الاهمال الذي تبديه المؤسسة تجاهه فيتعامل مع هذا الهامش على انه حرية طارئة وهي منقوصة بكل الاحوال ، هذا ما اكده عبد الرحمن بدوي في كتابه (الوجودية في الفكر العربي) حيث انتبه الى ان المتصوفة المسلمين استفادوا من فسحة اهمال المؤسسة الفقهية لهم لكن هذا لايكفي ،ان انتاج المعرفة لاينضج الاعبر صيرورة حياة بأكملها وهو نوع من انواع تمثيل الذات او تحقيقها عبر مشروع ناهض ، واذا رجعنا الى طرق انتاج المعرفة لدينا ولنأخذ طروحات (الجابري) نموذجا (بيان /برهان/عرفان) البيان العربي لم ينتج سوى مقولات عائمة / مقولات لا تؤدي الى فعل التاسيس بل تقف في حدود الحكمة المحنطّة ، اما البرهان بالمعنى المنطقي او الفقهي فقد توقف عند حدود القداسة التي لا ينبغي تجاوزها ، بقي العرفان الذي انتج كشوفات صوفية هائلة لايستهان بها غير انها في نظر المعرفة المحضة لاتدخل في باب الفلسفة ذلك لان الفلسفة تفترض المنهج بدءا بينما التصوف معرفة بلا منهج ، انها تعتمد تقلبات احوال العارف التي هي محور التجربة / التجربة التي لا تخضع لضابط منطقي سوى (منطق الاشراق )بحسب تعبير السهروردي وهو منطق يعتمد الكشف بدلا عن متوالية المقدمات والنتائج ، قد يصلح مثل هذا التراث المتحرك لانتاج معرفة لولا الانقطاعات التي تحدثنا عنها 00 هذه مداولة مختزلة في جوهر المعضلة وهي تحتاج الى جهد ستراتيجي لاقتراح ما يمكن من الحلول اذ ان التوصيف وحده لا يكفي ولكنني اعتبره عتبة اولى باتجاه المعالجة
بين زمن ماركس وغورباتشوف قرنان مرّا ،ملأت خلالها الايدلوجية الماركسية جرار الملأ وشغلت حيواتهم وكانت ينبوعا مصدرا لتفرعات الخطابات المتداخلة مع انسجة الحياة عموما وحتى انهيار المعسكر الاشتراكي في العقد الاخير من القرن الماضي وبروز ظاهرة العولمة التي دخلت الى غرف نومنا عنوة هل تعتقد ان العولمة ايدلوجية واسعة الطيف طويلة الامد وان مصيرها مصير أي فكرة سياسية ام اننا سنشهد اعلانا بموت الايدلوجيات في نهاية هذه الجولة كما اعلن نيتشه موت الله وسان جان بيرس موت المؤلف وخزعل الماجدي موت الحداثة 0000 ؟ ج / في دراسات سابقة تحدثت عن(صدمة العولمة) باعتبارها فرصة واستفدت في تفسير هذه الظاهرة او الموجة العاتية المسماة عولمة من قوانين حركة الرياح / الرياح التي تنتقل عادة من مناطق الضغط العالي الى مناطق ذات ضغط اوطأ ولاننا (الاوطأ) هبّت علينا رياح العولمة التي تمثّل نموذج (المتفوق) القابل للتصدير00 لا اريد ان نقف مذهولين امام مثل هذا الاجتياح بل طرحت السؤال الاعمق : لماذا تفوق الاخر بينما تأخرنا ؟ هذا السؤال يعد من قبيل المسكوت عنه من قبل المؤسسات الحاكمة بل تتحاشاه لانه يقودنا بالضرورة الى نقد (الجذور) بينما هم يستفيدون من تراكم الوحل فوق تلك الجذور 00 اود ان افرق هنا بين العولمة والعالمية ، العالمية انتشار طبيعي لاضير فيه بينما العولمة تنطوي على اكثر من ابتزاز لعل ابرزها هذه الهيمنة العسكرية الفادحة اما بصدد وصفها (ايدلوجيا واسعة الطيف)نعم هي قد تدعي بانها عابرة للايدلوجيات لكنها في الحقيقة تمثل الان اعادة انتاج قسوة تلك الايدلوجيات ، واذا اقتربنا من سؤال المصير فهو مرهون بتدابير الطرف الاخر (المنطقة الاقل ضغطا وفق قوانين انتقال الرياح ) بمعنى اننا كلما تأخرنا في اعادة انتاج ذاتنا كلما بقيت العولمة ناشطة ومؤثرة ، هي ليست فكرة سياسية فقط بل ايدلوجيا ثقافية واقتصادية ربما اهونها البعد الاقتصادي القائم على اساس ان العالم الصناعي المتقدم يحتاج بالضرورة الى قطيع استهلاكي كما ان البعد السياسي اصبح ظاهرا ومقروءا على شاشة الاحداث ، اظن ان البعد الثقافي هو الاخطر في هذا المنحى ذلك لان قراءته بالنسبة لنا ما تزال مبتسرة ولم نخضعها لآلية فحص ومكاشفة كافية 00 العولمة ثقافة ولذا فأن تفكيكها او محاولة مضاددتها لا تتم الاعبر قراءة ثقافية واعية ، لانريد ان نستسلم لثنائية الرفض او القبول التي تمثل موقفا جاهزا جربناه طويلا دون ان يوصلنا الى شئ ، الرفض العاري من خطاب ضديد او القبول الاعمى بلا دليل ناهض 00 اريد ان نستثمر هذه الصدمة / صدمة العولمة لأنعاش ثقافة الحوار وايقاض الاسئلة النائمة من اجل اعادة اكتشاف الذات وهذا هو افضل الدروس التي ينبغي ان نتعلمها من العولمة دون ان نرفضها او نخضع لها بالمطلق ، لتكن فرصة مداولة بالنسبة لنا او اعادة انتاج ، هل ثمة طموح بهذا الاتجاه ؟