نتشوية أصرت المومس على قبض المبلغ المتفق عليه مسبقا قبل مصاحبته نحو مجاهل الغابة على جانب الطريق. كانت المومس تتدلع وتتغنج في مشيتها وكلامها عندما باغتهما قاطع طريق شاهرا سيفه بيده اليسرى ومادا يده اليمنى نحو ثدي المومس. استشاط الزبون غضبا وانقض على غريمه تتصايحان ويتم غان على الأرض بينما كانت المومس تتعرى تحت الشجرة بغنج مبالغ فيه استعدادا للاحتفال مع الغالب بلذة النصر. وجهان لأنثى واحدة أبواها يحددان لها أوقات دخولها إلى البيت وأوقات خروجها منه: اليقظة في السابعة صباحا، الذهاب إلى الثانوية في الثامنة صباحا، العودة إلى البيت في الواحدة زوالا، الخروج مع بعض الصديقات المختارات للتنزه في وسط المدينة بعد صلاة العصر والعودة إلى البيت عند صلاة المغرب وقت إغلاق الباب... انضباط الفتاة للبرنامج الأخلاقي الوقائي الذي وضعه لها الأبوان درء لكل طيش قد يعرض شرفهما ويدنسه، جعلها أكثر حرية من باقي صديقاتها وأكثر حظا وجاذبية لدى الشباب الذكور من باقي بنات المدينة. على الشرفة ليلا، حين يطمئن الأبوان على شرفهما تقف الفتاة بثياب نومها برجل واحدة على الحاجز والأخرى على أرضية الشرفة، فتدب الحركة في الحي جيئة وذهابا من طرف فتيان من كل أحياء المدينة تحتكر الشرفة لتركيزهم فلا ينظرون إلى حيث يحطون وكثير منهم يتلاطم مع الباقي من الكثيرين فيتسامحون ويتباسمون ليعودوا اللاذعات لجاذبية الشرفة فوق رؤوسهم... كانت الفتاة تعرف أن الشرفة هي " منصة للظهور" وليس كما أرادها مهندسي البيت " فضاء لإرضاء حب الإطلاع على الخارج " لكن منصة الظهور من هذا العلو جعلتها تظهر بوجهين. وبالتدقيق في عيون الفساق على الأرض تحت رجليها كانت في غالبيتها العيون متجزئة إلى وجهها السفلي بين رجليها.
ما بين الحب والزواج لاح لها رجل في البعيد. رجل، أمام عينيها، كزوجها فابتسمت للاحتمال. رجل، في خيالها، كحبيبها الأول فخفق قلبها بقوة. لوحت بيدها اليمنى لزوجها منتظرة إياه في مكانها. وجرت، في خيالها، إلى حبيبها كطفلة تمكن منها الهياج فعَدَتْ حافية القدمين غير عابئة بالأشواك المنثورة على الأرض وشظايا الزجاج المكسور. صافحها زوجها واحتفظ بيدها بين يديه. عانقها حبيبها وغاب وجهه تحت شعرها المخبل. قبلها زوجها على جبينها. وقبلها حبيبها على شفتيها. سألها الزوج عن أحوال البيت. وسألها الحبيب عن أسباب الغياب. قال لها زوجها: "مرحى بالنعيم الذي يبشر بنهاية زمن غيابات القلب!". وقال لها حبيبها: "هده ليلة حياتنا فقد لا نلتقي أبدا بعدها!". دس الزوج خاتما ذهبيا جديدا في وُسْطَاها بجوار ذهبيتي الخنصر والبنصر. ودس الحبيب وردة حمراء بين خصلات شعرها الغجري، فوق أذنها اليسرى. قادها زوجها إلى المطعم الفاخر المجاور وخيرها بين أشهى الأطباق وأبذخ السلطات وسدد الفاتورة. وقادها حبيبها إلى الغابة المجاورة وفرش لها سُتْرَتَهُ واحتضنها بذراعيه تحت فضية نور القمر المتسلل من بين أوراق الأشجار.. أعطاها حبيبها صورته فدستها تحت صدر قميصها ليقبلها قلبها مع كل خفقة في كل ثانية. وأعطاها زوجها صورته فعلقتها على جدار الصالون ودخلت المطبخ تاركة إياها تبتسم مُرَحّبَةً بضيوف البيت.
قرابين أذكر جيدا قصة حبي الأول: كيف تخليت عن نفسي للحلول في الحبيبة، وكيف قدمت نفسي قربانا للحبيبة، وكيف صارت الحبيبة مع توالي الأيام ترى القربان واجبا يوميا عليَّ تقديمُه. أتذكر جيدا قصة حبي الأول لأن فشلها عجل بدخولي عالم الدين الذي انتشلني من الانتحار والإدمان والاكتئاب والانهيار الشامل. في الدين نضجت وتغيرت عاداتي وزوايا نظري للأمور. فعوض أن أقدم نفسي قربانا لغيري، صرت أقدم الحيوانات والطيور قرابينَ بديلةً وأنتظر المغفرة والهداية والعفو والصفح. لكن النضج الأكبر الذي ينشده كل إنسان يعرف من جهة أولى مصلحته ويعي من جهة أخرى كيفية سير الأمور حدث لي حين انخرطت في سلك السياسة. في العمل السياسي، تعلمت كيف أضحي بالجماهير فداء لمصلحة الحزب، وكيف أضحي بالرفاق الصغار فداء للتسلق داخل أجهزة الحزب، وكيف أضحي بالأطر الوازنة في مكاتب الحزب استجابة لنوازع انسياب السلطة المتنامية في عظام َفَكّي الأَعْلَى وفَكّي الأسفل. توأمان بعد مطاردة طويلة، أوصل الحبيبةَ إلى بيتها بعينيه. طرق الباب وقدم نفسه للأب كخاطب لابنته وكَعُضْو جديد من أعضاء العائلة. سأله الأب: - من هي سعيدة الحظ من بنتاي: حسناء أم حسنية؟ فسأله الخاطب: - كيف هي حسناء؟ - طويلة القامة، طويلة الشعر، طويلة العنق. - وحسنية؟ - هي كذلك أيضا. أحتار الشاب وعاد ليسأل: - ماذا تفعل حسناء؟ - تتابع دراستها الجامعية، أدب مقارن. - وحسنية؟ - هي كذلك أيضا. ارتبك الشاب وعاد يسأل: - كم عمر حسناء؟ - عشرون عاما. - وحسنية؟ - هي كذلك أيضا.
توتر الشاب وقرر أن يضع حدا لحيرته فطلب حضور الفتاتين. تحقق له طلبه للتو بمجالسة... التوأمين.
المال أو القلب؟ خلال السباحة مع إخوته بعيدا في المحيط، ارتطم رجله بعمود حديدي، ظنه عضة قرش فتمكن منه الهياج وظل يصيح وهو يبحث عن ساقه تحت الماء. حتى عندما وجدها لم يصدق وظل يصرخ واجتمع حوله إخوته الذين تحسسوا العمود باللمس وغطسوا جميعا ليتعرفوا أساسه وكانت مفاجأة سارة عندما علموا أنهم نزلوا سباحة إلى كنز ثمين: سفينة غارقة بالذهب والفضة والمجوهرات يغطيها جزئيا طبقات من المرجان وتعلق بها كافة أنواع الصدفيات ويلهو فوقها كل أصناف السمك الملون الوديع... خرجوا للتو من البحر وأقاموا حفلة على شرف أخيهم الذي كسرت ساقه من جراء الارتطام بالعمود الحديدي والذي كان وراء الاكتشاف واتفقوا أن يشتروا "نَفّاسًات" مستعملة لينقلوا ليلا ما استطاعوا من الذهب والمجوهرات إلى البيت دون إخبار أحد بالأمر، وأن يبيعوا غنائمهم بأقساط صغيرة على حوانيت متباعدة حتى لا يثيروا شك الحساسين لدقائق التفاصيل... بهذه الطريقة، نموا ثروة خرافية وامتلكوا الأراضي واستثمروا في العقار والتكنولوجيا واشتروا الأسهم في كبريات الشركات وبدؤوا يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة في سياسات الحكومة... لكن صحتهم بدأت تتدهور شيئا فشيئا، بعد فضيحة شجار جماعي بزجاجات الخمر المكسورة بين زوجاتهم وسائقيهن الخصوصيين حتى فاجأهم الطبيب مرة بأن عليهم زرع قلب اصطناعي لأن قلوبهم جميعا فسدت إذ تمكن منها الصدأ الذي اشتروه في "النفاسات" التي استعملوها لسنين خلال حمى امتلاك الكنز.
لا يلتقيان حَيَاهَا فَحَيَتْهُ. اقترب فاقتربت. قالت له: - " غيري من النساء اللواتي يكبرن في أوساط محضة يكن فرائس سهلة في أفواه الرجال حين يلجن عوالمهم الذكورية." وقال لها: - " غيري من الرجال الذين نشؤوا في أوساط رجولية صرفة يكونون لقمة سائغة في أفواه النساء حين يقتحمون مجالهن." فردت قائلة: - " أما النساء مثلي ممن كبرن وترعرعن وسط الرجال فلن يستطيع خداعها أو إيقافها أعتى الرجال." ورد قائلا: - " أما الرجال مثلي ممن كبروا وسط النساء، فلن تستطيع الوقوف في وجهه أشرة النساء وأذكاهن."
حَيَتْهُ فحَيَاهَا.
ابتعدت وابتعد. ألف ليلة وليلة جمعت الملكة كل رجال مملكتها وأخبرتهم، تحت صدمة اكتشافها لخيانة زوجها لها، أنها سترغمهم، يوميا، واحدا واحدا على تسليتها وإضحاكها بالنكت والتمثيل البهلواني لتأجيل عملية إعدامهم. تدحرجت أولى رؤوس الرجال الجادين في حضرة الملكة فكانوا أول الضحايا ومنحوا الباقين فرصة مراجعة الذات وجمع القوى ورفع المعنويات ونسج الحكايا الظريفة لمقايضتها بحياة جديدة. وتحت شبح الخوف من الموت، تحالف الرجال مع المرشح لإضحاك الملكة وتواعدوا على دعمه بالضحك من بعيد على نكته والتصفيق لها للتأثير على الملكة. وبعد ألف نكتة ونكتة، عفت الملكة على كل الرجال بعدما تنازلوا عن قسوتهم. الطريق الوعر إلى قلوب الرجال سمعت من كل الأفواه أن الرجال يشبهون الفتاة بالطبق وهم يحركون راحة يدهم في التعبير عن الأنثى المكتنزة لحما لذلك داومت على تناول عقار يفتح شهية الأكل ويسرع السمنة لكن عوض يكتنز على جسدها لحما، انحصرت السمنة في عنقها ووجهها مما جعلها تبدو كمغزل صوف يفتقر حتى للتناسق الأولي. وهذا ما ضاعف نفور الرجال منها ولما يشفع لها سوى استثمارها لثروة عائلتها للإيقاع بالخطاب الذين يشترطون للحصول على حقهم من الثروة قبل توقيع عقد الزواج. لكنها، مع كل خاطب، لم تكن توقع في الشباك غير أزماتها المتجددة: فقد كان الخطاب الذين يدخلون من الباب الخلفي يأخذون حصصهم ويخرجون من الباب الأمامي.
عتبة الأعزب في واضحة النهار، تجتهد الأمهات في معاقبة أطفالهن الذي يقبلون بحب على تحية أو مصافحة أو معانقة الشاب الأعزب الوحيد في الحي. وفي جنح الظلام، تجتهد الأمهات في فتح جسور التواصل مع الشاب الأعزب الوحيد في الحي. وعن السؤال حول التناقض في تربية الأطفال نهارا وحياة الأمهات ليلا، أجمعهن: - " رغباتنا لا تتماشى مع وشاية الأطفال. "
الفانوس السحري وقف خلف ظهر حبيبته الجالسة مع صديقة طفولتها على الدكة في الحديقة العمومية، يفكر في مفاجأة تليق بعودته من السفر: “هل يغمض لها عينيها بكفيه؟” “هل ينفخ على رقبتها بهدوء؟” “هل يلقي بالفانوس المذهب الذي اقتناه ليقدمه لها رمزا لقوة حبه على حجرها ويرى كيف ستتعامل مع المفاجأة؟”... لكن ورود اسمه في الحديث الحميمي بين الصديقتين جعله يتريث في أمره بعد أن عرف انه هو الشخصية المركزية في الحديث: - ” مجرد حمار أتنقل على ظهره!”... - ” مجرد كلب يتبعني ويحميني!“... - ” مجرد بغل يحمل أثقالي، ليس إلا!“... انتبهت الحبيبة لوجود ظل وراءهما فاستدارت: -” أأنت هنا، يا حبيبي؟” كان الرجل تحت الصدمة لذلك تأخر في الجواب. عاودت الحبيبة السؤال بصيغة أخرى: - “منذ متى وأنت ورائي، يا حبيبي؟” فأجاب العاشق، مستاء: - “منذ صيرتيني حمارا، يا حبيبتي!”