لأنها قدمت من منطقة نائية من ضواحي مدينة بني ملال تحمل صك عبوديتها، وضعت «سهيلة» في زنزانة في الطابق الأول بأحد الفنادق المخصصة للدعارة بالعاصمة الاقتصادية. وفي هذا الطابق، توجد نائبة صاحب الفندق و«المسؤولون عن الرقابة والضبط»، الذين يرتبطون بعلاقة مباشرة بالعصابة المالكة للمومسات الموجودات في هذا الفندق. وهؤلاء «السجانون» يقومون بدوريات كل عشر دقائق من أجل التأكد من أن الزبون هو فعلا زبون حقيقي. إن مهمة هؤلاء السجانين، من الناحية الرسمية، تقول سهيلة، هي طرد الزبناء غير المرغوب فيهم، والسكارى والمعتوهين. أما مهمتهم في الواقع، فهي بالأحرى، منع كل محاولة هروب... وكل ساعة تمر من غير زبون تؤدي بالمومس إلى التعرض لوابل من الضرب... وحين تحصل على زبون، يمر المراقب أو نائبة صاحب الفندق لأخذ المال. تقول سهيلة، 29 عاما، التي سافرت إلى البيضاء من أجل التحصيل العلمي قبل أن تتحول إلى باغية محترفة: «الفندق الذي كنت أقطن فيه في أولى مراحل دخولي إلى عالم البغاء يعكس في ظاهره صورة مقاولة أو شركة حقيقية، إلا أنه يظل وكر بغاء رغم مظهره العصري المثير للشفقة». ويظل الوسيط وسيط بغاء رغم كل ما يمكن أن يضفي على نفسه من ألقاب وأسماء. وهو يحصل على حصة تتراوح ما بين 75 % و90 % من المال الذي تجنيه «محظياته». وفي المغرب، تقول سهيلة، يقدر ما تجلبه المومس ما بين 300 و1000 درهم يوميا لصالح مالكها. أما الشبكة التي تشغل عشرات من النساء، فقد تجني ما يناهز 50 ألف درهم يوميا. وحسب تجربتي الخاصة، فإن المومس «الحاذقة» يمكن أن تجلب خلال سنة من العمل، ما يقارب 50 مليونا من الأرباح لمالكها الجالس على أريكته باستمرار. «في سنة 2005، كانت المومسات اللواتي يشتغلن برفقتي يجنين ما يقارب 30 إلى 40 ألف درهم شهريا، يقتطع منها ما يناهز الثلثين، لصالح القيمين على بيت الدعارة»، تقول بثقة. والواقع أن هؤلاء المومسات، اللاتي يمارسن العمل في مثل هذه البيوت المغلقة، نادرا ما يحتفظن بالمال الذي يجنينه. وحين يحصلن عليه،لا تتاح لهن فرصة استعماله في الخارج لأنهن نادرا ما يخرجن، لذلك يصرفنه داخل بيت الدعارة إما لشراء ما يحتجن إليه لكن بأثمنة خيالية أو لأداء الغرامات المختلفة. وفي أحد المنازل المغلقة بحي بوركون، بالعاصمة الاقتصادية، تحكي إحدى المومسات القديمات، قائلة: «لقد التحقت للمرة الأولى بأوكار الدعارة في «الحاجب» على يد وسيط دعارة.لا يمكن أن تعمل المومس في بيت بغاء دون وسيط دعارة». وهذه البيوت، تضيف، هي أشبه ما تكون بالمعتقلات. وتحكي إحدى المومسات العاملات مع سهيلة، قائلة:«لقد كان أصحاب الماخور يراقبون كل نواحي حياتنا: لون صباغة الشعر والملابس التي نرتديها والنزهات التي نقوم بها والأشخاص الذين نتحدث إليهم وأوقات الطعام والراحة». وتتوفر بعض بيوت البغاء الراقية الموجودة بالبيضاء والرباط، تقول سهيلة، على ساحات محاطة بالأسلاك الشائكة والكلاب والمراقبين، مما يجعل هذه البيوت أشبه بسجن تعيش فيه المومسات في حالة اعتقال أو استعباد. أما في مدينة «مراكش» التي اشتغلت فيها سهيلة لفترة، فإن مداخل بعض الأحياء التي توجد فيها بيوت البغاء مغلقة ببعض المسالك المتعرجة. تقول بحنق: «عشت استغلالا فظيعا من قبل الوسطاء... تقلبت على وسطاء فاق عددهم 19 وسيطا بمختلف المدن، إلى أن اكتسبت شروط «المهنة» وجمعت رفيقاتي من المعذبات مثلي في شبكة خاصة، على الأقل من دون تبعية لأحد». إن الحديث عن «التصنيع» هو حديث عن إنتاج البضائع وليس ترويجها في السوق فقط. لذلك ليس من باب المصادفة أن يكون وسطاء الدعارة هم الذين يهيمنون على عالم البغاء، حتى في البلدان التي يعتبر فيها البغاء قانونيا. ومنظورا إليهن كبضائع، فإن المومسات لا يتمتعن بحريتهن، فهن مملوكات للوسيط والزبون. والكثير من الدراسات تؤكد هذه الحقيقة: ما بين 85 % و90 % منهن يخضعن لوسيط من وسطاء الدعارة. والاختطاف والاغتصاب والرعب والتصفية والقتل أحيانا، كل ذلك يمثل مسببات أو عناصر تساهم في استمرار هذه الصناعة، تقول سهيلة التي تدير شبكة تتكون من 496 فتاة رسمية. وهذه العناصر، تضيف، ضرورية ليس فقط من أجل تطور أسواق الدعارة، بل أيضا من أجل «إنتاج» هذه البضائع الإنسانية، وذلك لأن هذه العناصر تساهم في جعل المومسات «وظيفيات» أي قابلات للتشغيل،لأن مجال الوساطة يتطلب توفرا دائما للأجساد. وقد أكدت دراسة حول بغايا الشارع في إنجلترا أن 87 % من المومسات تعرضن للعنف خلال الأشهر الإثني عشر الأخيرة، و43 % منهن تعانين من آثار ناتجة عن اعتداءات جسدية خطيرة. وفي المغرب، لا تخفي وسيلة أن الأمر فظيع جدا، حيث إن 90 % من المومسات كن ضحايا اغتصاب من لدن الوسطاء والزبناء. وتردف وسيلة قائل: «شخصيا، تعرضت للاغتصاب من قبل الوسيط الذي كنت أعمل لديه بمعدل تسع وأربعين مرة في السنة». أما «جميلة»، 19 عاما، وهي مومس في شبكة سهيلة، فتؤكد أن غالبية المومسات صغيرات السن يتعرضن للاغتصاب والضرب على يد «رؤسائهن» وزبنائهن. تقول بألم: «سبق لي أن أقدمت على محاولة انتحار، ففي لحظات معينة أشعر بأنني دمية في أيدي العابثين». تقول سهيلة: «إن سلوك الوسطاء شبيه بسلوك الأزواج الذين يضربون زوجاتهم، فهم لا يكتفون باستعمال العنف الجسدي، بل يبادرون إلى فعل أي شيء من أجل عزل ضحاياهم اجتماعيا، بهدف «قطع جذورهن الاجتماعية» كليا... إنهم يستخفون بهن ويهددونهن ويضايقونهن ويرعبونهن نفسيا وينهكونهن وجدانيا وجنسيا، ويمارسون عليهن سلوك المالك ويلجؤون إلى العنف الجسدي بهدف إخضاع «نسائهن» إخضاعا كليا. إن الوسطاء يقومون مرات عديدة بنقل المومسات من مكان إلى آخر داخل مختلف قطاعات «الصناعة الجنسية»، من حانات الرقص الخليع إلى وكالات كراء فتيات الرفقة، مرورا بصالونات التدليك وبيوت البغاء والرصيف. وهم يجبرونهن على تغيير المدينة بشكل مستمر. وهدف هذا التنقل الدائم هو عزل المومسات وإبقاؤهن بدون ارتباط وجعلهن مطيعات وتابعات للوسيط. والواقع أن النساء اللواتي يخضعن للتهريب من أجل غايات جنسية، وكذلك الغالبية العظمى من المومسات، يسلمن رغما عنهن إلى السوق. وتقول سهيلة، التي قضت ما يزيد على عشر سنوات في إدارة شبكة للدعارة، «في ظرف عشرين يوما يمكن تكسير مقاومة أي امرأة وتحويلها إلى مومس». وتضيف: «إن استعباد هؤلاء المومسات من طرف المهربين ومن طرف مالكيهن، وتحويلهن بالتالي، في ما يشبه المسخ، إلى بضائع وإلغاء شخصيتهن ثم استهلاكهن، كل ذلك يتطلب اغتصاب إنسانيتهن. ومن أجل أن يتحقق التبادل، ومن أجل أن تكون البضاعة قابلة للبيع والشراء مقابل المال- وهو هدف كل هذه العمليات- لا بد من خضوع هذه الكائنات الإنسانية التي تحولت إلى بضائع إلى «قوانين السوق». وهذا الخضوع، تؤكد، يتحقق من خلال مجموعة من المنظمات التي تهيئ سلسلة الصفقات وتضمن حسن سيرها. والواقع أن هذه السلسلة بالإمكان أن تتعرض للكسر لولا وجود متواطئين من كل مستويات المجتمع، بدءا بالمستهلكين وصولا إلى تغاضي السلطات ومرورا بتواطؤ أوساط الأعمال وتحالف رجال الأمن. وعلى شاكلة كل بضاعة في مجتمع قائم على الاستهلاك الجامح، سرعان ما تفقد المومس قيمتها الاستهلاكية، فتدعو الحاجة إلى تغييرها بمن هي أفضل منها.